أبو بكر الصديق - (5) دفاعه عن النبي
إن الصديق أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله وأول من دافع عن رسول الله، وأول من دعا إلى الله، وكان الذراع اليمنى لرسول الله ، وتفرغ للدعوة وملازمة رسول الله وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهم..
من صفات الصديق التي تميز بها الجرأة والشجاعة، فقد كان لا يهاب أحدًا في الحق، ولا تأخذه لومة لائم في نصرة دين الله والعمل له والدفاع عن رسوله، فعن عروة بن الزبير قال: سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي فقال: بينما النبي يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) [غافر: 28]،
وفي رواية أنس أنه قال: لقد ضربوا رسول الله مرة حتى غشي عليه، فقام أبو بكر فجعل ينادي: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟! وفي حديث أسماء: فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقال: أدرك صاحبك، قالت: فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا رجع معه.
وأما في حديث علي بن أبي طالب فقد قام خطيباً وقال: يا أيها الناس، من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، وإنا جعلنا لرسول الله عريشاً فقلنا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي عليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله ، لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس. قال: ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش، فهذا يحادَّه، وهذا يتلتله ويقولون: أنت جعلت الآلهة إلهاً واحدًا، فوالله ما دنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فسكت القوم، فقال علي: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه.
هذه صورة مشرقة تبين طبيعة الصراع بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والإيمان والكفر، وتوضح ما تحمَّله الصديق من الألم والعذاب في سبيل الله تعالى،كما تعطي ملامح واضحة عن شخصيته الفذة، وشجاعته النادرة التي شهد له بها الإمام علي في خلافته، أي بعد عقود من الزمن، وقد تأثر علي حتى بكى وأبكى.
إن الصديق أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله وأول من دافع عن رسول الله، وأول من دعا إلى الله، وكان الذراع اليمنى لرسول الله ، وتفرغ للدعوة وملازمة رسول الله وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهم؛ فهذا أبو ذر يقص لنا حديثه عن إسلامه، ففيه: «... فقال أبو بكر: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة، وأنه أطعمه من زبيب الطائف».
وهكذا كان الصديق في وقوفه مع رسول الله يستهين بالخطر على نفسه، ولا يستهين بخطر يصيب النبي قل أو كثر حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه، وإنه ليراهم آخذين بتلابيبه فيدخل بينهم وبينه، وهو يصيح بهم: «ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله؟» فينصرفون عن النبي وينحون عليه يضربونه، يجذبونه من شعره فلا يدعونه إلا وهو صديع».
- التصنيف:
- المصدر: