(16) في فتح مكة وحنين والطائف
علي بن محمد الصلابي
طلب أبو سفيان من أبي بكر أن يجدد العقد ويزيدهم في المدة، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم..
- التصنيفات: السيرة النبوية - قصص الصحابة - سير الصحابة -
أ- في فتح مكة 8 هـ:
وسبب الفتح بعد هدنة الحديبية ما ذكر ابن إسحاق قال: حدثني الزهري، عن عروة بن الزبير، عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أنهما حدثاه جميعًا قالا: في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة وقالوا: نحن ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في ذلك نحو السبعة أو الثمانية عشر شهرًا، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلاً بماء يقال له الوتير –وهو قريب من مكة- وقالت قريش ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا من أحد فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله، فقدم عمرو بن سالم إلى المدينة فأنشد رسول الله قائلاً:
اللهــــم إنـي نـاشـد مـحـمـدا **** حلف أبينــا وأبيـك الأتلدا
فانصر هداك الله نصرا أعتدا **** وادع عباد الله يأتوا مددا
فقال النبي: «نصرت يا عمرو بن سالم» .
وتجهز النبي مع صحابته للخروج إلى مكة، وكتم الخبر، ودعا الله أن يعمي على قريش حتى تفاجأ بالجيش المسلم يفتح مكة، وخافت قريش أن يعلم النبي بما حدث، فخرج أبو سفيان من مكة إلى رسول الله فقال: يا محمد، أشدد العقد، وزدنا في المدة، فقال النبي: «ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم»؟» فقال: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الدية لا نغير ولا نبدل، فخرج من عند النبي يقصد مقابلة الصحابة عليهم الرضوان.
1- أبو بكر وأبو سفيان:
طلب أبو سفيان من أبي بكر أن يجدد العقد ويزيدهم في المدة، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم. وهنا تظهر فطنة الصديق وحنكته السياسية ثم يظهر الإيمان القوي بالحق الذي هو عليه، ويعلن أمام أبي سفيان دون خوف أنه مستعد لحرب قريش بكل ما يمكن، ولو وجد الذر تقاتل قريشًا لأعانها عليها.
2- بين عائشة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما:
دخل الصديق على عائشة وهي تغربل حنطة، وقد أمرها النبي بأن تخفي ذلك.. فقال لها أبو بكر: يا بنية لم تصنعين هذا الطعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله أن يغزو؟ فصمتت، فقال: لعله يريد بني الأصفر (أي الروم) فصمتت، فقال: لعله يريد قريشا، فصمتت، فدخل رسول الله فقال الصديق له: يا رسول الله، أتريد أن تخرج مخرجاً؟ قال: «نعم» قال: لعلك تريد بني الأصفر؟ قال: «لا» قال: أتريد أهل نجد؟ قال: «لا»، قال: فلعلك تريد قريشاً؟ قال: «نعم»، قال أبو بكر: يا رسول الله، أليس بينك وبينهم مدة؟ قال: «ألم يبلغك ما صنعوا ببني كعب؟».
وهنا سلم أبو بكر للنبي وجهز نفسه ليكون مع القائد في هذه المهمة الكبرى، وذهب مع رسول الله المهاجرون والأنصار فلم يتخلف منهم أحد.
3- الصديق في دخول مكة:
لما دخل النبي مكة في عام الفتح وكان بجانبه أبو بكر رأى النساء يلطمن وجوه الخيل، فابتسم إلى أبي بكر وقال: «يا أبا بكر كيف قال حسان» فأنشد أبو بكر:
عَدِمْنَا خيلنا إن لم تروهـا **** تثير النقع موعـدها كَدَاءُ
يـبارينَ الأسنـة مصغيات **** عن أكتافها الأسلُ الظماء
تظلُّ جيادنا متــمـطِّـراتٍ **** تـلطمهُنَّ بالْـخُـمــرِ النساءُ
فقال النبي : «ادخلوها من حيث قال حسان»، وقد تمت النعمة على الصديق في هذا الجو العظيم بإسلام أبيه أبي قحافة.
ب- في حنين:
أخذ المسلمون يوم حنين درساً قاسياً؛ إذ لحقتهم هزيمة في أول المعركة جعلتهم يفرون من هول المفاجأة، وكانوا كما قال الإمام الطبري: فانشمروا لا يلوي أحد على أحد. وجعل رسول الله يقول: «أين أيها الناس؟ هلموا إليَّ، أنا رسول الله، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، يا معشر الأنصار أنا عبد الله ورسوله»
ثم نادى عمه العباس وكان جهوري الصوت، فقال له: «ياعباس ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة» ». كان هذا هو حال المسلمين في أول المعركة، النبي وحده لم يثبت معه أحد إلا قلة، ولم تكن الفئة التي صبرت مع النبي إلا فئة من الصحابة يتقدمهم الصديق، ثم نصرهم الله بعد ذلك نصرًا عزيزًا مؤزرًا.
وكانت هناك بعض المواقف للصديق منها:
1- فتوى الصديق بين رسول الله :
قال أبو قتادة: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله، فأسرعت إلى الذي يختله، فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها، ثم أخذني فضمني ضمًّا شديدًا حتى تخوفت، ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله، ثم تراجع الناس إلى رسول الله، فقال رسول الله: «من أقام بيِّنة على قتيل قتله فله سلبه» فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أرَ أحدًا يشهد لي، فجلست، ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله، فقال رسول الله رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه، فقال أبو بكر: كلا، لا يعطهأصيبغ من قريش ويدع أسدًا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله ، قال: فقام رسول الله فأداه إليَّ، فاشتريت منه خرفا فكان أول مال تأثَّلتهفي الإسلام.
إن مبادرة الصديق في الزجر والردع والفتوى واليمين على ذلك في حضور رسول الله، ثم يصدقه الرسول فيما قال، ويحكم بقوله خصوصية شرف، لم تكن لأحد غيره. ونلحظ في الخبر السابق أن أبا قتادة الأنصاري حرص على سلامة أخيه المسلم وقتل ذلك الكافر بعد جهد عظيم، كما أن موقف الصديق فيه دلالة على حرصه على إحقاق الحق والدفاع عنه، ودليل على رسوخ إيمانه وعمق يقينه، وتقديره لرابطة الأخوة الإسلامية، وأنها بمنزلة رفيعة بالنسبة له.
ج- في الطائف:
في حصار الطائف وقعت جراحات في أصحاب النبي وشهادة، ورفع رسول الله عن أهل الطائف الحصار ورجع إلى المدينة، وممن استشهد من المسلمين في هذه الغزوة
عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، رمي بسهم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة النبي.
وعندما قدم وفد ثقيف للمدينة ليعلنوا إسلامهم، فما إن ظهر الوفد قرب المدينة حتى تنافس كل من أبي بكر والمغيرة على أن يكون هو البشير بقدوم الوفد للرسول ، وفاز الصديق بتلك البشارة، وبعد أن أعلنوا إسلامهم وكتب لهم رسول الله كتابهم وأراد أن يؤمر عليهم أشار أبو بكر بعثمان بن أبي العاص وكان أحدثهم سناً،
فقال الصديق: يا رسول الله، إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن. فقد كان عثمان بن أبي العاص كلما نام قومه بالهاجرة، عمد إلى رسول الله فسأله في الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم، وكان إذا وجد رسول الله نائماً عمد إلى أبي بكر، وكان يكتم ذلك عن أصحابه، فأعجب ذلك رسول الله وعجب منه وأحبه.
وعندما علم الصديق بصاحب السهم الذي أصاب ابنه كانت له مقولة تدل على عظمة إيمانه، فعن القاسم بن محمد قال: رمي عبد الله بن أبي بكر -رضي الله عنهما- بسهم يوم الطائف، فانتفضت به بعد وفاة رسول الله بأربعين ليلة، فمات، فقدم عليه وفد ثقيف ولم يزل ذلك السهم عنده، فأخرجه إليهم فقال: هل يعرف هذا السهم منكم أحد؟ فقال سعيد ابن عبيد، أخو بني عجلان: هذا سهم أنا بَرَيتُه ورشته وعقبته، وأنا رميت به، فقال أبو بكر فإن هذا السهم الذي قتل عبد الله بن أبي بكر، فالحمد لله الذي أكرمه بيدك، ولم يهنك بيده فإنه أوسع لكما .