لذة قراءة الكتب (2-2)
وقال الإمام الذهبي رحمه الله : حبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا, وهو داء عضال, وجرب مرد, وسم قاتل...فالحذر الحذر من هذه الكتب
البكاء من الفرح لاقتناء كتاب من كتب السلف لم يطبع من قبل:
قال الشيخ أحمد الباتلي : لما طُبع كتاب "السنن الكبرى" للنسائي, أهديته نسخةً منه, [الشيخ حسن بن عبداللطيف المانع] فشهق من الفرح وبكى وقال : رحم الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ, فلقد كان يقول لنا دائماً : ليته يطبع فالحمد لله أنني اقتنيته.
عشق الكتب والغرام بها
لمحبي الكتب النافعة مع كتبهم, مواقف جميلة تبين مقدار محبتهم لكتبهم.
الشيخ ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي حفظه له, يقول في كتابه القيم " صيانة الكتب " : لم تكن هذه التصحيحات, والآداب المبثوثة, رهينة كتاب, أو حبيسة باب...بل كانت بتوفيق الله, حصيلة قراءات طويلة, ونظرات مديدة, زادت على خمس وعشرين سنة مُخصبة, عشتُ فيها مُحبًّا بل عاشقاً للكتب, واقتنائها,وإني مع هذه المحبة وتلك الرغبة ما ازددت فيها إلا نهماً لها وهياماً بها...إنني طالب علم مُغرم بالكتب وعاشق لها, منذ صرف الله قلبي للعلم...فوالله إن لي مع الكتاب حالاً لا يعلمه إلا خاصة أهلي, فكيف لو رأيتني وقد صرتُ وكتبي كالجسد الواحد, أتألم بآلامها, وأُعاني بمُعاناتها, وأفرحُ بسلامتها, وأحزن بأعطابها ومضراتها وربما تأوهتُ من بعض ما بها وربما وصل حُبي ببعض كتبي أنني أعرف عنها أكثر مما أعرفه عن أبنائي
ويقول حفظه الله : إنني طالب علمٍ مغرم بالكُتُب وعاشق لها مُنذُ أن صرف الله قلبي للعلم.
الكتب الضارة
الكتب الضارة هي الكتب التي محتواها شبهات مضلة تزعزع ثوابت الدين وتشكك فيه, وبين ثناياها دعوة إلى الشهوات التي تهيج الغرائز وتدعو لارتكاب ما حرم الله, فالحذر منها, ومن أخطرها : كتب الشرك والكفر, والزندقة والإلحاد, والسحر والشعوذة, وكتب أهل المذاهب الفاسدة, والأفكار الهدامة, وكتب الباطنية وأهل البدع بمختلف فرقهم وطوائفهم, وكتب أهل الرذيلة والفساد.
هجر الكتب الضارة
الكتب الضارة سم ناقع ينبغي هجرها, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : احذر أن تضم مكتبتك الكتب التي ليس فيها خير, لا أقولُ التي فيها ضرر, بل أقولُ التي ليس فيها خير, لأن الكتب تنقسم إلى ثلاثة أقسام : خير, وشر, ولا خير ولا شر, فاحرص أن تكون مكتبتك خالية من الكتب التي ليس فيها خير, أو التي فيها شر, فهناك كُتبُ يقالُ لها كتب أدبٍ, لكنها تقطع الوقت وتقتله في غير فائدة, وهناك كتب ضارة ذات أفكار معينةٍ ومنهج معين, فهذه أيضاً لا تدخل المكتبة, سواء كان ذلك في المنهج, أو كان في العقيدة ككتب المبتدعة التي تضرُّ العقيدة, والكتب الثورية التي تضرُّ المنهج فكل كُتُبٍ تضرُّ فلا تدخل مكتبتك لأن الكتب غذاء للروح كالطعام والشراب للبدن فإذا تغذيت بمثل هذه الكتب صار عليك ضرر عظيم, وقال: إخواننا..ليحرصوا..ألا يقروا كل كتاب وقع بأيديهم, لأننا نشاهد في الوقت الحاضر كثرة المؤلفات من قوم لم يعرفوا العلم, وهذا خطر عظيم, والإنسان لا ينبغي له أن يكون إمعة يتبع كل ناعق, بل لا يعتمدون إلا كتب عُرف أهلها بالعلم والنصح والصلاح.
اللذة المسومة في قراء الكتب الضارة
هناك كتب فلسفية, وكتب فكرية, وكتب ثقافية, وكتب أدبية : من قصص وروايات وأشعار, محتواها لا خير فيه, وفي بعضها الضر, والداء العضال, ومع ذلك يقرأها البعض, ويجد لها لذة, ولكنها لذة تشبه أكل الطعام الشهي المسموم, فقد يأكل الإنسان طعاماً شهياً, يتلذذ بأكله, وفيه حتفه وموته.
ويعود السبب في إحساس البعض بهذه اللذة مع أن الهلاك فيها : أنّ من أحبَّ أيَّ شيئاً يري أن فيه أنسه وسروره ولذته, فإن عيناه تعمى عن النظر إلى مساوئه, وأذناه تصمُّ عن سماع العذل فيه, وقلبه مُقفل عن تصور وجود شيئاً يُعيبه, فهو مُغيب عن رؤية ما به من عيوب, ولو كانت هذه العيوب فيها حتفه.
ويضاف إلى هذا سبب ثاني, وهو استخدم مؤلفي تلك الكتب لسحر البيان, فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قدم رجلان من المشرق فخطبا, فعجِب الناس لبيانهما, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من البيان لسحرا ) [أخرجه البخاري ] فالبيان نوعان : بيان ممدوح يظهر به الحق ويُبين بأجمل عبارة وأفضل أسلوب, فهو مطلوب مرغوب.
وبيان مذموم: يقلب الحق باطلاً والباطل حقاً فيأسر القلوب ويسحر النفوس, ولقد استغل أهل الأهواء والبدع, وأصحاب المناهج المحرفة, ما منحهم الله جل جلاله من نعمة البيان لترويج زندقتهم ومذاهبهم الباطلة وأفكارهم الباطلة, في الكتب التي ألفوها وصنفوها ونشروها بين الناس, ولهذا لا يستنكر القارئ سمومها, ولا ينفر منها, بل أنه يستلذ بها, بسبب سحر البيان فيها,وقارئ هذه الكتب واقع أمره- إن لم يتداركه الله برحمته- أنه فاتته لذات الدنيا الحقيقية, وخيرات الآخرة الدائمة.
تأثير الكتب الضارة على قارئها
الكتب الضارة تعتبر شر جليس وأسوء قرين, وقد كانت جليساً للبعض فأوردتهم المهالك, فأخرجتهم من دائرة الإسلام إلى الكفر والإلحاد, ومن دائرة السنة إلى البدعة, ومن دائر الطاعة والهداية إلى المعصية والضلالة, فليكن الحذر منها بقدر الخطر.
الكتب الضارة كثيرة في أعدادها, مختلفة في فنونها, متفاوت في كمية سمها, من قرأها بدون إيمان قوي, وعقل صحيح, ومنهج سليم, وأعمال صالحة, وتضرع وطلب عون من الله, أوردته المهالك, فينبغي التنبه لها, وهي موجودة في مصنفات المتقدمين والمتأخرين, والحذر الحذر من مقولة شيطانية, خُدِعَ بها الكثيرين, وهي " أنا واثق من نفسي" فمن وثق بنفسه, فقد استغنى عن ربه, ومن استغنى عن ربه, فقد أضاع نفسه, وأوردها المهالك, ولقد حفلت كتب السير والتراجم, بذكر أخبار لأناس هلكوا بسبب قراءتهم للكتب المسمومة الضارة, وبعضهم كانوا من الأذكياء, بل من كبار الأذكياء, فالعاقل من اعتبر بغيره, فكتب الفيلسوف " ابن سينا " تأثر بها وكاد أن يهلك بسببها الإمام الغزالي رحمه الله- لولا أن تداركته رحمة أرحم الراحمين - كما تأثر بكتبه ابن اللباد, وصدقة ابن الحداد, وغيرهما.
وكتب الزنديق الضال المُضل " ابن عربي " كانت كتبه سبباً لهلاك البعض.* قال الكازروني : وقد عُرف بالاستقراء التام أنه ما اشتغل أحد بكتب هذا الرجل إلا تزندق.* قال العلامة ابن المقرئ : لقد أفسدت كتب ابن عربي هذه قلوباً كانت سليمة وجرّأت رجالاً على ارتكاب أمور هونتها عليهم وهي عظيمة.
أعلام تأثروا بالكتب الضارة
الفارابي ( ت 339 )
تأثر بقراءته لكتب الفلاسفة, قال عن نفسه : قرأتُ كتاب النفس لأرسطو مائتي مرة, وقال : قرأت السماع الطبيعي لأرسطو أربعين مرة.
ابن سينا ( ت 428)
تأثر بقراءة كتب الفلاسفة, يقول عن نفسه : قرأتُ جميع أجزاء الفلسفة...وقرأتُ كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو فما كنتُ أفهم ما فيه, والتبس عليّ غرض واضعه, حتى قرأتهُ أربعين مرة وصار محفوظاً, قال الشيخ صالح فوزان الفوزان : قرأ كتب الفلاسفة فاعتقد بما فيها واقتنع بما فيها وتظاهر بالإسلام وإلا فهو ملحد.
أبو حامد الغزالي (ت 505 )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قالوا : أمرضه الشفاء يعني شفاء ابن سيناء في الفلسفة, وقال الإمام الذهبي رحمه الله : حبب إليه إدمان النظر في كتاب رسائل إخوان الصفا, وهو داء عضال, وجرب مرد, وسم قاتل...فالحذر الحذر من هذه الكتب, واهربوا بدينكم من شبه الأوائل, وإلا وقعتم في الحيرة, فمن رام النجاة والفوز فليزم العبودية, وليكثر الاستغاثة بالله.
عبدالله بن علي القصيمي ( ت 1416)
كان داعية حق, ثم ارتد أسال الله الثبات على دينه حتى الممات, قال الأستاذ فتحي أمين عثمان : له مؤلفات في الذود عن العقيدة ثم انتكس ونكص على عقبيه بعد أن قرأ كتب غوستاف لوبون وهو...شديد العداء للإسلام.
العناية عند قراءة الكتب بنوعيتها ومضمونها وليس كثرة عددها
في الختام فإن القراءة في الكتب ليست هدفاً لذاتها, وإنما هي وسيلة لتحقيق هدف وغاية, ومن أهم ما ينبغي العناية به في قراءة الكتب : مضمونها ومحتواها وليس عددها وكثرتها, ومن نور الله قلبه بكثرة طاعته وإنابته لربه استفاد من قراءة الكتب ولو كانت قليلة العدد, ومن أظلم قلبه بكثرة المعاصي لم يستفد من كثرة الكتب شيئاً, قال الشيخ عبدالكريم بن عبدالله الخضير في محاضرة له : أدركنا بعض مشايخنا الكبار وليس لديهم في مكتباتهم سوى الأصول المهمة في حدود ثلاثمائة أو أربعمائة مجلد...رأيت مكتبة الشيخ محمد بن صالح العثيمين بعد نقلها إلى المؤسسة وبها حوالي ألف مجلد.
فمن لم ينور الله جل جلاله قلبه بطاعته لم تزده كثرة الكتب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلا حيرةً وضلالاً,
قال أنيس منصور : : إن كل ما قرأتُ...لم يكن ينفعني في الإجابة على شيء, لم أجد من كل ألوف الكتب التي أمضيت فيها عمري وأطفئت فيها نور عيني وأوجعت فوقها رأسي وظهري لم أجد فيها شيئاً يرحني.
ولو أنه قرأ بتدبر كتاباً واحداً, لوجد فيه ما يريحه ويسعده ويجعل قلبه يطمئن, ونفسه تسكن, لو قرأ القرآن الكريم, كلام رب العالمين, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
اللهم اجعلنا ممن يعمر أوقاته بقراءة كتابك, والنافع المفيد من الكتب.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: