اغتنم
سهام علي
- التصنيفات: تزكية النفس -
أذكر الحديث الذي أخبر أن المرء يثاب في حالة المرض والسفر قدر ثوابه على ما اعتاد أن يفعله صحيحًا مقيمًا، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتكى العبدُ المسلمُ قال اللهُ تعالى للذين يكتبون: اكتُبوا له أفضلَ ما كان يعملُ إذا كان طَلْقًا، حتى أُطلِقَه»[عن عبدالله بن عمرو (صحيح الجامع رقم [343])].
أذكر هذا الحديث فأذكر من سبقوني في العمر، بل وأذكر نفسي لو كان الرصيد في الشباب عاليًا لظلت نقاط الربح تسجل بنفس المعدل القديم، وهذا يعنى أن نحث الشباب بكل ما أوتوا من طاقة ألا تبدد إلا فيما ينفعهم؛ لأنهم بذلك يسجلون مقدمًا لفترة الشيخوخة بما تكون به من ضعف وأشياء كثيرة من هذا القبيل، والأمر ليس بعيدًا عن بعض الأنظمة السائدة في العالم والتي تقتص جزءًا من ناتج جهد الإنسان لتنفعه به في حالة الكبر (المعاش) حيث يقل المجهود وتقل الطاقة بل تنعدم أحيانًا والعياذ بالله وهذا موجود في شرعنا حتى مع غير المسلمين، حيث روي عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه كان يسير يوماً في الطريق فرأى رجلاً يتسول، فقال له مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر: والله ما أنصفناك؛ نأخذ منك شاباً ثم نضيعك شيخاً! والله لأعطينك من مال المسلمين، وأعطاه عمر ـ رضي الله عنه ـ من مال المسلمين، مما يؤكد أن هذا مبدأ إسلامي لا يتناول العبادات الشعائرية فحسب، بل يمتد إلى أنشطة الحياة كلها، فكل ما يقدمه المرء في شبابه هو مدخر له في شيخوخته سواء منفعة مادية في الدنيا أو ثواب مرجئ له فى الآخرة، فالإنسان الذي اعتاد العطاء في شبابه فلن يقصر عطاؤه في الشيخوخة ولا في الآخرة وكلما زاد عدد وجهات نشاطاته وعطاءاته إنما هو الذخر الذي ينتفع به مستقبلًا، بل أن التجارب أثبتت أن الإنسان الذي يتمتع بقدر عالٍ من الحيوية والنشاط والعطاء هو الأكثر قدرة على الاحتفاظ بطاقاته أطول فترة من العمر سواء طاقاته الجسمانية أو الذهنية. وكثيرًا ما نرى أصحاب الهمة العالية وقد امتد بهم العمر دون تراجعات جسيمة في الصحة البدنية والعقلية، وكل ما هنالك أنه يجب على الشباب أن يعي جيدًا ماذا يعنى الفرق بين شيخوخة آمنة لا يحتاج فيها المرء إلى أن يكون عالة على الآخرين يتمنون الخلاص منه، بل إنه مصدر مزيد من الطاقة والتحفيز بما يحمله من قلب شاب قادر على الدفع وإشاعة البهجة وبين شيخوخة منهكة دمرها الكسل والبعد عن الله منذ أن فرَّط في مواهب الشباب فيما لا يجدى نفعًا في الدنيا ولا الآخرة.
ونختم بقوله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «غتنم خَمْساً قبل خَمْس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» [الراوي : عمرو بن ميمون، المصدر : الآداب رقم [498]