الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - (5) ملامح التنظيمات الأدارية

منذ 2019-09-16

كان عمر بن الخطاب نسيج وحده، عبقريا، سبق عصره بعصور. لقد اھتدى -آخر حياته- إلى أن أفضل سبل الادارة الحقة تلك التى ينزل فيھا المسئول الاول عن المسلمين إلى حيث تقيم الرعية في أوطانھا مھما تباعدت عنه، ويقسم العام على أقاليم دولته المختلفة..

(5) ملامح التنظيمات الأدارية

أ- التأريخ بالھجرة:
كتب أبو موسى الاشعري إلى عمر رضي الله عنه: إنه تأتينا منك كتب ليس لھا تأريخ، فجمع عمر الناس للمشورة، فاقترح بعضھم أن يؤرخ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى بعضھم الاخر (وفيھم علي) أن يؤرخ لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فان هجرته فرقت بين الحق والباطل.


وتصف روايه اخري دافعاً اداريّاً واقتصاديّاً أقوى لبدء التاريخ في خلافة عمر، وذلك أن عمر رُفع إليه صك محلُّه في شعبان فقال: أي شعبان؟ الذي هو آت، أو الذي هو نحن فيه؟! فتشاور الناس حتى استقروا على اتخاذ الهجرة بدءا للتأريخ، لم يعدُّو من مبعثه، ولا من وفاته، بل من مَقدمه المدينة.

وتم ذلك لسنتين ونصف من خلافته رضي الله عنه في السنة السادسة عشر من الهجرة، وقد كان لذلك مردوده المهم على النواحي الادارية والاقتصادية في الدولة، فضبط إيقاع المعاملات بين الناس في الداخل، وبيننا وبين الدول الأخري في الخارج بيعاً وشراء، وعقودا ومعاهدات... الخ.

وكذلك ضمن كتابة تاريخنا الاسلامي بدقة من ضبط الوقائع والحوادث باليوم، والشهر، والسنه.

ب- إنشاء ديوان العطاء 20 هـ:

لم يكن هناك عطار (راتب) ثابت للناس زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا زمن أبي بكر الصديق، ورأينا أن نواة بيت المال كانت قد وضعت في عهد الخليفة الأول بالسُّنح، ثم في بيته في المدينة، وكان لبيت المال في عهده أمناء، قامو بتفتيش ما في بعد وفاته، فلم يجدو الا دينارا واحدا متعلقا بخرقة؛ فقد كان الصديق يوزع المال أول بأول، 

وفي عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب تغيرت الأحوال، وكثرت الأموال بعد الفتوح الإسلامية العظيمة في بلاد كسرى وقيصر، وكثرت أعداد الجند، وأصبح عسيرا ضبط أعدادهم وعطائهم دون سجل واف، يحوى كل هاتيك البيانات الخاصة بالجند وغيرهم، ومن هنا كان لابد من إنشاء الديوان، الذي تعددت الروايات؛ الذي تعددت الروايات بشأن ظروف انشائه، فالبعض يذكر أن قدوم أبي هريرة من البحرين بخمسمائة ألف درهم من مال حلال طيب جعل رأس عمر يدور، ويؤجل الحديث مع أبي هريرة حتى الصباح بدعوى أنه ناعس؛ فلما تيقن صحة ما قال، خطب عمر الناس في اليوم التالي، وبين أنه جاءهم مال كثير، فإن شاءوا كال لهم المال كيلا، وأن شاءو عَدَه عَدّاً، فقال احد القوم: يا امير المؤمنين، دون للناس دواوين -كما رأيت الأعاجم - يعطون عليها.

وفي رواية أخرى: أن عمر أستشار الهرمزان الفارسي، وكان عمر يرسل بعثا من الجند للغزو، فسأله الهرمزان الفارسي كيف تعرف المتخلف منهم؟ ثم نصحه بالديوان.


ولعل الراجح في ذلك الأمر اسشارة عمر الناس في تدوين الديوان، فقال علي بن أبي طالب: تقسم كل سنه المال الذي أجتمع عندك، ولا تبقي منه شيئا.
قال عثمان: أرى مالاًَ كثيراً يسع الناس، وان لم يحصوا ( يسجلوا في ديوان) لمن نعرف من أخذ ممن لم يأخذ، حسبت أن ينتشر الأمر (يختلط علينا).
فقال الوليد بن هشام بن المغيرة: رأيت ملوك الشام دونوا ديواناً، وجندوا جنداً،  فاصنع مثلهم فأخذ عمر بقوله.

وأخيرا فان هناك روايتين بخصوص توقيت وضع الديوان: رواية تحدد ذلك بسنة 15هـ، في شهر محرم، وأخرى تجعل ذلك سنه 20هـ، في شهر المحرم.

ونوافق على ترجيح التاريخ الأخير، لأن وضع الديوان بالفعل وتقرير قواعده الدائمة التي يقوم عليه نظامه يحتاج إلى استقرار الفتوح اولاً،

أما سنه 15 هـ، (عام موقعة القادسية، أو قبلها بقليل)، فلم تكن تمت الفتوح بعد، وربما بدأ تفكير عمر في الديوان قبل سنة 20هـ بعام مثلا، حين بدأ يفرض عطاء للفاتحين، ثم انشئ بالفعل 20هـ.
 

التجوال في كافة نواحي الدولة الاسلامية:
كان عمر بن الخطاب نسيج وحده، عبقريا، سبق عصره بعصور. لقد اھتدى -آخر حياته- إلى أن أفضل سبل الادارة الحقة تلك التى ينزل فيھا المسئول الاول عن المسلمين إلى حيث تقيم الرعية في أوطانھا مھما تباعدت عنه، ويقسم العام على أقاليم دولته المختلفة، بحيث يقيم في كل مصر من أم صارھا وقتا مساويا لبقيتھا، يتابع أحوال الناس عن كثب، ويرقب حياتھم مشاركا إياھم فيھا، سائلا عن حاجاتھم، التي لا تصل إليه في دار الخلافة، خاصة بعد اتساع الدولة، بحيث يصدق عليھا وصف الامبراطورية بعد حركة الفتوح الاسلامية الكبرى.

يلخص عمر رغبته، التي لم يمھله – للاسف- القدر لتحقيقھا في كلمات جامعات، ملؤھا العزم، والحزم، والاخلاص، فيقول: "لائن عشت -إن شاء الله- لأسيرن في الرعية حولاً، فإني أعلم أن للناس حوائج تقطع دوني، أما عمالھم فلا يرفعونھا إليّ، وأما ھم فلا يصلون إلي، فأسير إلى الشام، فأقيم بھا شھرين، ثم أسير إلى الجزيرة، فأقيم بھا شهرين، ثم أسير إلى مصر فأقيم بھا شھرين، ثم أسير إلى البحرين، فأقيم بھا شهرين، ثم أسير إلى الكوفة فأقيم بھا شهرين، ثم أسير إلى البصرة، فأقيم بھا شهرين، و الله لنعم الحولُ ھذا.


تأليف: هاشم عبد الراضي محمد عيسي   

كتاب: الخلفاء الراشدين

  • 0
  • 0
  • 3,040
المقال السابق
(4) منهج عمر في مراقبة ومحاسبة الولاة
المقال التالي
(6) كيفية التصرف في الأراضي المفتوحة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً