سبب نزول قوله تعالى: (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها)
عبد الحي يوسف
ولله المثل الأعلى- مثل الطبيب يراجعه المريض فيغير له الدواء حيناً بعد حين، إلى أن يحصل الشفاء، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل يغير في التشريع في الأحكام مراعاة لحال المكلفين، والنسخ لا يدخل في العقائد ولا يدخل في الأخبار، وإنما هو فقط في الأحكام.
- التصنيفات: التفسير -
الآية السادسة بعد المائة: قول الله عز وجل: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة:106].
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان ربما ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل وينساه بالنهار.
وهذا -ولله المثل الأعلى- مثل الطبيب يراجعه المريض فيغير له الدواء حيناً بعد حين، إلى أن يحصل الشفاء، ولله المثل الأعلى، فالله عز وجل يغير في التشريع في الأحكام مراعاة لحال المكلفين، والنسخ لا يدخل في العقائد ولا يدخل في الأخبار، وإنما هو فقط في الأحكام.
مثاله: كانت عدة المرأة أول الإسلام إذا مات زوجها حولاً كاملاً، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} [البقرة:240] فنسخ هذا بقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [البقرة:234].
والله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على العرب، وكان عندهم عادات مضطربة، ومن بين عاداتهم أن المرأة إذا توفي زوجها كانت تدخل حفشاً -والحفش أردأ بيت وأظلمه- فتقعد فيه، ولا تمس ماء سنة كاملة، ولا تغير لباساً، ولا تخرج من هذا المكان، بل يأتونها بالطعام في مكانها، فإذا انتهت السنة خرجت وأخذت بعرة ورمت بها، قالوا: هذا كناية وكأنها تقول: إن الذي عانيته في سبيل زوجي الذي مات لا يساوي عندي إلا كما تساوي هذه البعرة.
أي: أنا لست مهتمة بالسنة التي قضيتها في الضنك والعذاب.
وقيل: ترمي بالبعرة كناية عن انقطاع ذكرى زوجها، وبعد سنة كاملة يكون عليها الوسخ، فتحتك بشاة أو ببعير؛ لأن الماء لا يستطيع أن ينظفها، تقول أم سلمة: فقلما احتكت بشيء إلا مات.
فالقرآن نزل على هؤلاء الناس، وأبطل هذه العادات الباطلة كلها، وأثبت العدة سنة، وبعد مدة لما استقر الأمر جعل الله عز وجل العدة أربعة أشهر وعشراً، لمعرفة براءة الرحم؛ لأن الجنين يتم تكوينه في أربعة أشهر، والعشرة أيام احتياط من أجل أن تشعر بالحركة.
وكذلك الخمر، فالعرب كانوا يشربون الخمر، ولا يظنون أن يأتي عليهم يوم يفارقونها، فالله عز وجل حرم الخمر أولاً قرب أوقات الصلاة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء:43]، فكان الخمر محرماً قرب أوقات الصلاة، أما بعد العشاء فإن من أراد أن يشرب يشرب، حتى نزل قول الله عز وجل: {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] فصارت الخمر حراماً بالليل والنهار.