القواعد العشر في الدعوة إلى الله - (8) دفع الشر بالخير

منذ 2019-09-26

عجيب كم ضل كثير من الدعاة -مع الأسف- عن منهج الله؛ لما هجروا القرآن إلى غيره من الأهواء، مستجيبين لردود الأفعال.

وهي تفسير للقاعدة السابقة، وبيان لها، وتحقيق خاص لمناطها العام: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}، فالعلاقة بين القاعدتين، هي العلاقة بين المبدأ الكلي والتطبيق الجزئي، كما العلاقة بين المطلق والمقيد، وذلك مثلاً حيث يواجهك الخصوم في الدعوة إلى الله من أهلك وعشيرتك، أو حكومتك، أو يحاصرونك؛ فاقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تلتفت إلى غيره، إياك أن تغلبك الرغبة الجامحة في الانتقام؛ لا يستفزنك تحرشهم، ولا يثيرنك جهلهم وعنتهم، خاصة وأن مناط الأحكام في الدعوة في هذا الزمان غالب أمره أنه يتنزل في بلاد المسلمين، ويخاطب من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

فكيف تنزع إلى العنف الجاهلي؟ حاشا الجهاد في سبيل الله فهو ذروة سنام الإسلام، إنك إن تفقد منهج القرآن، وتخطئ سنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله؛ تفقد صفة الداعي إلى الخير. والله أمرك أن تدعو إلى الخير، كما بينت لنا الآية قبل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} [آل عمران:104]، وتفقد صفة الداعي إلى الله، فلا تكون داعية إلا إلى نفسك.


حذار من التشنج، حذار من الغضب لنفسك. ما دمت قد جعلت نفسك لله فاجعل الكل لله، ولا تتحرك في الدعوة إليه تعالى إلا بما تقدر أنه لله. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

تلك مقدمة مسلمة في منهج الله، نتيجتها واضحة حاسمة، هي: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]. تلك هي الحكمة المذكورة بوضوح في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]. عجيب كم ضل كثير من الدعاة -مع الأسف- عن منهج الله؛ لما هجروا القرآن إلى غيره من الأهواء، مستجيبين لردود الأفعال. ألا ما أوضح القرآن، لو يبصرون .. {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17]، ولكن الضلال عمى.


اقرأ مرة أخرى .. وتدبر: {اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، ذلك هو الأصل في المنهج الدعوي، وما سواه جزئي حادث، ولكل حادث حديث. وإنما الغاية عندنا في هذا الكتاب تقعيد الأصول.

فريد الأنصاري

عالم دين وأديب مغربي، حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية تخصص أصول الفقه.

  • 5
  • 0
  • 2,358
المقال السابق
تبصرة (2) الاستقامة
المقال التالي
(9) الصبر

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً