الأخوة لماذا؟ - ثانيا: لتمحيص عيوبنا في مرآتها
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه».
… مازال السؤال يتردد في أعماقنا، لماذا الحديث عن الأخوة الآن؟ وما هو المأمول أن تحققه هذه الأخوة المنشودة، ومازال الواقع يفصح لنا بكثير من الآمال المرجوة.
…الأخوة مرآة يرى فيها المؤمن عيوبه ضمن ركني التربية (التخلية والتحلية)، ولو فات هذا الأمر لعمَّ الفساد أرجاء المعمورة ولابدَّ، إذ سيزداد الشر ويتقلص الخير تباعًا، وتنمو الشبهات وتستحكم الشهوات والغفلات، فبكلمة واحدة من أخٍ ناصح لك أمين تنكسر هذه الموجات على صخرة "الأخوة الإيمانية ".
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه».
…فالمؤمن مرآة أخيه، فإذا رأى أحدكم بأخيه أذى فليمط عنه، فأنت ترى من أخيك ما ربَّما لا يراه هو من نفسه، كما يُرسم في المرآة ما هو مختفٍ عن المرء فيراه إذا نظر فيها، وإنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المرآة.
…وما أسْمَى أن تدل أخاك على عيبه أو تدعو الله أن يُخْليه من هذه العيوب!! وما أجمل أن تلتمس من الدّعاء لأخيك قبل أن تواجهه بعيبه!! وأن تحتال بكل حيلة كي تتقي أن تُصارحه فيخجل منك أو تأخذه العزة، ولك هنا في ضرب الأمثلة والتعريض أبوابًا متسعة، فلا تضيق صدر أخيك بالمواجهة المباشرة، اللهمَّ إلا إذا كنت تعرف أنَّ دلالتك إياه بمواطن عيوبه لا تزعجه، بل هو ممن يرى أنَّ خير الناس إليه من يهدى إليه عيوبه.
إخوتاه ..
…إنَّ أحوالنا تغايرت وعُدنا مرة أخرى إلى السُّفول والحضيض لما صرنا لا نتناصح في دين الله، والدين النصيحة، فقوام الدين على بذل النُّصح بين المسلمين، وخيرية الأمة مرهونة بقيامها بحق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران/110]، والقلب الذي لا ينكر ويأبى العيوب والزلل قلب أغلف انظر كيف قال - صلى الله عليه وسلم -: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذونه بسنته ويقتدون بأمره ثمَّ إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».
…فهذا أضعف الإيمان وأقله، فينبغي ألا نتسامح في تنبيه بعضنا بعضًا إذا خالف الصواب أو بالأحرى في ترك دقيق الآداب الشرعية التي هي شعار الملتزمين باتباع سنة خاتم النبيين والمرسلين، وإلا تعرضنا إلى صدأ القلب وغلبة قسوته من إلفه للمعاصي واستهانته بها من كثرة حدوثها أمامه دون نكير.
…قال عُمر في مجلس من المهاجرين والأنصار! أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوه.
فقال بشر بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القِدح. فقال عُمر: أنتم إذن أنتم إذن.
إخوتاه ..
…كم من سنن أميتت بعد أن أحياها جيل الصحوة بسبب عدم تعاهدنا إياها، وكم من منكرات راجت بضاعتها فينا بعد أن كنا نعدها من الموبقات، كان الإخوة بالأمس لا يتسامحون في ترك النوافل فكيف الآن بضياع الجماعات؟ كان المظهر علامة على الجوهر فكيف بمن صار جل التزامه في إعفاء اللحية أو في ارتدائها النقاب.
…لا ـ إخوتاه ـ إنَّ الأخ الملتزم ينبغي أن يكون هو القوّام الصوّام القائم بشرع الله، نعم المظهر شيء مهم جدًّا، وبه يتمايز النَّاس فيعرف المسلم الملتزم من غيره، بل بالأصالة كان ذاك لمعرفة المسلم من الكافر لما لذلك من أحكام في الشرع مثل إلقاء السلام وعدم مشروعية البدء بسلام الكافر لنهي الشرع عن ذلك، فضلاً عن أداء حقوق المسلم المعروفة من تشميت للعاطس وإجابة الدعوة واتباع الجنائز وعيادة المرضى ونحوها، أمَّا أهل الذمة فلهم أحكامهم.
الشاهد ـ إخوتاه ـ أننا بحاجة إلى هذه المرآة الإيمانية، المرآة التي نمحص فيها عيوبنا، ونتواصى من خلالها بالحق ثمَّ بالصبر، وهي لنا من الضرورة بمكان في عصر فشت فيه المنكرات، والتبس الحق فيه بالأباطيل وكثرت فيه الشبهات، وصُدَّ فيه عن سبيل الله، وهُجرت فيه سنة خير الورى عليه أفضل الصلاة والسلام، فهل تفيقون؟ اللهمَّ إليك المشتكى.
- التصنيف:
- المصدر: