منظومة مقاصد الشريعة المسماة: مكامنُ الفَراقدِ في علم المقاصد

منذ 2019-09-29

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( ولله سبحانه في كل صنع من صنائعه وأمر من شرائعه حكمة باهرة، وآية ظاهرة، تدل على وحدانيته. وحكمته لا تنكرها إلا العقول السخيفة، ولا تنبو عنها إلا الفطر المنكوسة) . [مفتاح دار السعادة: 2/66].

 

الحمد لله لا تُحصى موانحه، ولا تعد فواتحه، أكرمنا بطاعته، وشرفنا بدينه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبة والتابعين .... أما بعد:

فيظل علم مقاصد الشريعة من أهم العلوم وأنفسها ، لا غنى لفقيه عنها، ولا منال لمجتهد دونها ، وما وقعت الأغاليط إلا بسبب الجهل عنها، أو التقصير فيها، كما قال العلامة الجويني رحمه الله...

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( ولله سبحانه في كل صنع من صنائعه وأمر من شرائعه حكمة باهرة، وآية ظاهرة، تدل على وحدانيته. وحكمته لا تنكرها إلا العقول السخيفة، ولا تنبو عنها إلا الفطر المنكوسة) . [مفتاح دار السعادة: 2/66].

وقال الشاطبي رحمه الله: ( المقاصد أرواح الأعمال ) . [الموافقات: 3/44].

وقال أيضا : ( فزلّة العالم أكثر ما يكون عند الغفلة عن اعتبار مقاصد الشرع في ذلك المعنى الذي اجتهد فيه ).

ولهذه الأهمية شاركنا بتقريبه نظما، وتليينه رصفا، عبر منظومة متواضعة، نرجو سهولتها ودنوها من التلاميذ، سُميت ( مكامن الفراقد في علم المقاصد )

اعتمدت فيها كتاب الدكتور مسعود صبري حفظه الله لسهولته واختصاره ( بداية القاصد إلى علم المقاصد ) .

مضيفا إليه بعض كلام الأئمة، وفوائد الأصوليين . وقد بلغت نحو (١٤٠) بيتا...!

وأسأل الله العلي العظيم نفعها وحسن عاقبتها، وأن ييسر لها من يشرحها ويفك معانيها للناس، حتى تغطي حاجة الطالب، وتلبي منية الراغب، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..

وكتب/ حمزة بن فايع الفتحي

محايل عسير

المُفتتح

الحمدُ لله على التشريع... والفقهِ للأحكام والتفريعِ

منَّ علينا ربُّنا وأحكما... سبحانَه علّمنا وألهما

ومَن يكن حاز من الأسرارِ... فهو الفقيهُ حقاً باقتدارِ

وصلَّى ربُّنا بلا نقصانِ...على النبي المُرسل البرهان ِ

وآله وصحبِه الحُذاقِ ...من فقهوا الشرعَ بلا شقاق ِ

فضل المقاصد الشرعية

وبعدُ فالعلمُ بذي المقاصدِ .. من أعظمِ العلوم والفوائد ِ

لأنها الأسرارُ للشرائع ِ... وفهمُها من غير ما شنائعِ

وإنها ضربٌ من اجتهاد ِ...وليس تغنينا عن ارتياد ِ

وفقهُها يبعث في القلوب ِ...ثبوتاً أو إهمالَ للمطلوبِ

بدونِما نصٍ ولا إجماعِ .. كما يقولُ "العِز ُ" ذو الإبداع ِ

ومقصدي تقريبُها للناسِ...من كُتُب الأئمة الأشماسِ

و"موجزِ البدء" لذاك القاصد ِ... "الدرعميْ" محرر الفرائد ِ

وقد أُضيف بعده مسائلا... معلّقا ومُردفاً وناقلا

سمّيتُها "مكامِنَ الفراقدِ"...في كشف أسرارِ ذهِ المقاصد ِ

واللهَ أرجو النفعَ والتَّحبابا...وأن تكون حُلوةً رِضابا

بداية تاريخ المقاصد

وابتدأت لدى أصولِ الفقهِ...حتى أتى أربابُ هذا الكُنهِ

"كالعزِّ "و" البلخيْ" معَ "الشاشيّ"... والشاطبيْ البارعِ والدُهليّ

وأُفردَ اليومَ بذاك "الطاهرِ"... في سِفرِه المُرصّع الجواهرِ

فخُذه بالتركيز والإتقان ِ... فإنه الفريدُ في الزمانِ

وإنها الأسرارُ والمعاني... والمغزَى والمرادُ للبيانِ

وإنه علمٌ دقيقُ الفهمِ...للبارع اللطيفِ عند الحُكمِ

واختبطَت مذاهبُ الأئمةْ ...لهجر ذي المقاصد المهمة ْ

وسرِّ ذي الأوامرِ النواهي...وقاله "الجويني" بانتباهِ

تعريفه وموضوعه

واصطلحوا بأنها المعاني ... والحِكَمُ الساميةُ المَغاني

في تلكمُ الأحكامِ والأبوابِ...مِن شرعنا المكمَّل الصوابِ

موضوعُه المصالحُ المفاسد ُ... و"الشاطبيْ" واضعهُ المجاهد ُ

يُفيد في الفهم وفِي الترجيحِ...والفتوى والتجديد والتصحيح ِ

والفرقُ للحكمة والمقاصد ِ...مرادفٌ في غالبٍ وسائدِ

وقيل للمعنى بذاك الوصفِ...كالقصر في الأسفارِ للتخففِ

والمقصدُ التيسير للخلائقِ ...ودفعُ ما كان من المخانقِ

وغالبُ الأعلام: ذي المصالحُ.. مقاصدٌ حقاً ولا تجانحُ

وفرّقوا في مقصِدِ الخطاب ِ.. ومقصد الأحكام والأبواب ِ

كقولِه في "العصر لا يُصلينْ"... افترقوا فيه ولَم يُعنِّفنْ

في ظاهرٍ أو قصدِه المَخفيّ...أن يُسرعوا السير بلا رخيّ

نشاة علم المقاصد

ونشأةُ المقصدِ في مراحلِ.... من أولِ التشريع للأفاضلِ

نحو "أبي المعالي" "والغزالي" ... و"العز" و"القَرافي" في التوالي

والثالثةْ" الشاطبي" و"ابن الطاهر"ِ... وكل ما كان من المعاصر ِ

"برهانُ" والمستصفى" والإحكام ُ"... قواعدُ" الفروقُ" والتمامُ

تجاربُ "التيميّ" و"الزرعيّ"...في الفتوى والتقرير ذي المرعيّ

وبعدَهم جاء أبو المقاصدِ..." الشاطبيْ" وصاحبُ الأماجدِ

"كالطاهر" الفاضل و"العلّالِ" ... "والحسَنيْ" الريسونيْ" و"الجمَال" ِ

موقف المدارس الفقهية من علم المقاصد

وموقفُ المدارس الفقهيةْ... ثلاثُ في النهج وفي الكيفيةْ

أولها الظاهرُ في الأخبارِ ...يَجنحُ للحرفِ وللإعسارِ

والثانيّ التعطيلُ للأدلة... للعقل، والغربِ، ولِلمذلةْ

واعتمدوا مقولةَ "الطُّوفيّ"... وثَمّ شرعُ الله في المقفيّ

وزعموا "الفاروق" أن قد عطّلا...سهمَ المؤلفةْ وذاك سهّلا

والثالثةْ: مدرسةُ التوسطِ...تربطُ في البين بلا تَخبُّطِ

تميلُ للنصوص بالأسباب ِ... وتنشد اليُسر بلا اضطراب ِ

تراعي الأسرار والأحكاما... وتَعقِل النصوص والمَراما

نحو فتاوى "الزرقا" و" السعديّ" ...و"الباز" والعثيمِيّ" المهديّ

أقسام المقاصد من حيث محل صدورها والحاجة إليها

وقُسمت من جهة المَحَلِ...مقاصدُ الشارع والمُجلي ِ

وقُسّمت من جهة الحواجي ..ضروري تحسينيّ واحتياجي

ضروريْ تختل بها الحياةُ ... كالدين والنفس ولا وعاةُ

تُعرفُ بالخمس كذي الكلية ْ...والعقل والأموال والذرية

كشِرعة الصلاةِ والجهاد ِ...وحرمة المُسكر والفسادِ

والحاجي التوسيع والتخفيفِ... كالفطرِ للمريض والضعيفِ

تحسينيْ من محاسنِ العاداتِ...وطيّب الأخلاق والصفاتِ

كالسَّتر للعورة والطهارةْ ...وأدبِ الطعام والنضارة ْ

ويُكمَل الضروري بالحاجيّ...والحاجي بالأحسنِ والمَرضي ّ

وقُسِّمت لذلك القطعيّ... مقطوعُ أو ظني أو وهميّ

كالأمن والتيسير والعدالة ...والحفظ للأعراضِ والأصالةْ

والظن كالسد لذي الذرائع ِ...للعقلِ تحميه من الشنائعِ

والثالثُ الوهميّ دون مستندْ...كالربا والخمر وأكل ما فسَدْ

وبينَ ذي المقصد والأدلةْ.. علائقٌ تُفهم للأجلةْ

فالنص مصدرٌ لذي المقاصد ِ...وإنها وسيلةٌ للقاصدِ

والاجتهادُ شرطُ كلِ أمرٍ مُجمَعِ... ولا يكون دون قصدٍ أرشدِ

تناسبٌ شرطٌ لتلك العلةْ...وفيها قد ساقوا بدون قلةْ

والمصلحُ المُرسلُ ليس يُعتبرْ...حتى يجيْ لمقصدٍ وينتصرْ

مُستحسنٌ معدولُ لأجل مصلحةْ... أقوى تكون عنده وراجحةْ

سدّ الذرائع يحفظ المقاصدا... ويمنع الإخلال والمفاسدا

وصحبُه من أفضل الأناسي...لفهم ذي الشرعِ بلا التباسِ

والشرعُ قد جاء لذي المصالحِ ِ... بالنص والعُرف بلا تجانحِ

ضوابط العمل بالمقاصد

ثم هنا ضوابطُ المقاصدِ... تُطلب للبحث وكل ناشد ِ

الأولُ اختصاصُها بالعلما...كالخْل بالخل وليس يَعْمَى

والثاني من مقاصد الشريعة... والملة الطيبة الرفيعة ْ

يحقّق المصالح الجليةْ... وليس مغشوشا ولا وهميةْ

ملائمٌ لسائر الأحكامِ... مجانفٌ لذلك الصدامِ

يُقدِّمُ الأعظما ثم الأعظما...والأصون العالي وليس المغنَما

كالحفظ للروح قُبيلَ المالِ...والأصلح العام قبيل حالي!

وأن يكون الحكمُ بالإعلال ...غير تعبد كذا ابتهال ِ

وأن يكون جاء باليقين ِ... أو ظن ما طاب بغير مينِ

وأن تكون بينةْ وظاهرةْ... كحرمة المُسكر والمجاهرة ْ

مطَردٌ في الدرب والزمانِ... وليس مخصوصاً بذي البلدانِ

مُنضبطٌ بالحدِ والمعالمِ... دون مخالف وغير هاضمِ

وحيثما تَعارضَ المقاصد ُ... وتلكمُ الدلائل الفراقدُ

فإنه إن صح ذ الدليلُ... وكان واضحا فلا يميلُ

إلا إذا المقصِدُ ذو بَراهنِ...فيؤخذنْ من غيرِ ما تهاونِ

كذلك المقصدُ لا يُنازعُ...بالأثرِ الجزئي ولا يُمانَع ُ

وحَلُّه يُخصُ أو يؤول ُ...أو أنه يُحملُ أو ينزّلُ

طرق ثبوت المقاصد

ويَثبتُ المقصد بالكتاب ِ... والسنة الغراء والأسباب ِ

سكوتُه استقراءُ والتعليلُ...وتلكمُ الآثار لا قليلُ

كمقصد التيسير رفعِ الحرجِ...وحبه الطهرَ وغير العِوجِ

ويسّرا بعدُ ولا تُعسّرا...ورحمةً بُعثتُ لا منفِّرا

ومن يكن تتبع الأجزاءَ ... يدرك ذَا الكلَّ ولا غُثاءَ

كقولهم بطلانَ ذاك الغَررِ...لما به من حَرجٍ أو ضَررِ

واستَقرِئ العلةَ للأحكامِ ... تنَلْ بها روائعَ المرامِ

كقوله : من أجلِ ذَا كتبنا... وكونها دُولةَ قد قسَمنا

ومن يكن يجهل ذَا النزولا... يسئ ما جاء لنا منقولاً

كالظلم في "الإنعام" ثم "المائدة"... وقصة الشارب يبغي الشاردةْ

وقصة الصفا تُعز السعيَ...ومن لها وعَى يُجيدُ النفيَ

مسكوتُه متروكُ لاجتهادِ... وآخرٌ مقصودُ للعبادِ

كتركِه الأذانَ في العِيدينِ... فإنه مقصودُ دون مَينِ

والعقلُ والفطرةُ في المقاصدِ...جليّة من غير ما تباعدِ

والعقلُ لا يُعارضُ الشرائعا...والأصلحَ الأنفعَ والروائعا

والأثرُ المنقولُ عن صحابي ... مطلوبُ للقُرب وللُّبابِ

كالشورى في السقيفة والقرآنِ...يُجمع بينهم بلا نُكران ِ

وسائل المقاصد

وسائلُ المقصد ذي تُقسمُ... على اعتبارات لها وتُنظمُ

فمِنها للنص ولاتفاقِ... وللضروراتِ بلا شقاقِ

وللعبادات وذا القبولِ... وللتغير بلا عدولِ

قواعدُ المقاصد

مُكملٌ يجري كهذا الأصلِ ... وليس من بطْلٍ له ونقلِ

كأكلِه الميتةَ للهلاكِ...وحفظِه النفسَ بلا شراكِ

ويُحفظ الكليْ مع الأجزاءِ ...كقتله يُقتلُ دونَ ناءِ

وحينما يختل ذَا الضروري... يختل ذا الحاجيْ بغير دورِ

كحفظه النفسَ لأجلِ اللهِ... يقوم بالدِّين بلا تناهي

وحينما تسقطُ للإغماءِ... يسقط طهرُها بلا عناءِ

وحينما تسقطُ ذي الطهارةْ... لا تسقط الصلاة بالجدارة ْ

والجلبُ والدرءُ لذي المفاسد ِ...مردُّه للشرع لا العوائدِ

كبذلِه النفسَ لأجل الدين ِ... وليس للأهواء والحنينِ

قواعد المقاصد

وليس تكليفٌ لذي المَشاقِ... وقصده ما فيه من إرفاق ِ

والشرعُ موضوعٌ لذي المصالح ِ..ما فيه من شرٍ ولا تجانحِ

وقعّدوا من غير ما تباعدِ...لذي الوسائلْ حكمُ ذي المقاصدِ

وإنها أخفضُ منها في الرتبْ... كما قضى أئمةٌ بلا عتَبْ

وكل ما لم يُفضِ للمقصود ِ... تسقطُ في الحكم بلا قيودِ

وكلُ مقصدٍ له وسائلُ... مخيّرٌ فيها ولا تَجادلُ

ما لا يتِمُّ واجبٌ إلا به ِ... فحُكمهُ واجب ُعند صحبهِ

تصرفُ الراعيّ بالرعيةْ... منوطُ بالمصلحةِ المرضية ْ

تُحصّل الأعلى من المصالح ِ... وإن يفُت أدناهما في الراجح ِ

وتُدفعُ العُظمى من المفاسدِ ...بالأدنى في الفعل وفِي المَشاهد ِ

عدد المقاصد وتقسيمها

وخمسةٌ نصّوا عليها الكبرى... الدينُ والنفسُ وهذهِ النُّهى

والنسلُ والأنسابُ ثم العِرضُ... حريةٌ عدلٌ وهذي بعضُ

وقُسّمت من حيث هذي المصلحة... ضرورةٌ، وحاجةٌ، ومنفعةْ

وزينةٌ فضولُ والأقسام ُ...وهكذا تُعتبر الأفهام ُ

وقُسّمت للعامِ في أقسام ِ... مقاصدُ الخَلق بلا ملام

مقاصدٌ عاليةُ المقامِ...نحو عمارة وفطرة الأنامِ

مقاصدٌ كليةٌ جزئية ْ ... مكلّفون دونما رويةْ

وتمّت المنظومةُ العصيةْ... في مقصدِ الشريعة المرضية

نسجتُها في خمسة الأيام ِ...بفضل هذا الواهب العلامِ

ونبتغي بنظمِها التسهيلا... وجعلها مرجعَاً أو إكليلا

يؤمّها الطلابُ للتثبيتِ...بدون إهمالٍ ولا تشتيتِ

فاسكثرنْ منها مع الشروحِ...تحظَ بفهمٍ ثاقبٍ رجيحِ

والحمدُ لله على الإتمامِ...وضبط هذا العلم والإفهامِ

وصلّى ربُّنا على الرسولِ... وصحبِه من غير ما غُفُولِ

١٤٤١/١/١١

حمزة بن فايع الفتحي

رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير

  • 9
  • 1
  • 5,910

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً