فوائد من كتاب الصلاة للعلامة ابن القيم (1-2)

منذ 2019-10-01

لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذُّنُوب, وأكبر الكبائر, وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس, وأخذ الأموال, ومن إثم الزنا, والسرقة, وشرب الخمر, وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد:

فقد اختصت الصلاة من سائر الأعمال بخصائص ليست لغيرها, فقد افترضها الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم في السماء ليلة المعراج, وهي أول ما يحاسب عليها العبد من أعماله يوم القيامة, وهي أول فروض الإسلام. وآخر ما يفقد من الدين, ولا حظ في الإسلام لمن تركها عمداً, قال عبدالله بن شفيق: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاًَ تركه كفر إلا الصلاة.

ولأهمية الصلاة فقد خصّها أئمة الإسلام بالتصنيف, فصنفوا في جميع الأمور والأحكام المتعلقة بها, وممن خصها بالتصنيف العلامة ابن القيم رحمه الله, فله في ذلك كتابان, الأول: " حكم رفع اليدين في الصلاة " خصصه لمناقشة هذه المسألة, والثاني: كتاب الصلاة, ناقش فيه عدداً من المسائل المتعلقة بالصلاة وأشبعها بحثاً كما هي عادته رحمه الله, من تلك المسائل: هل ينفع قضاء الصلاة إذا تركها العبد عمداً حتى خرج وقتها, وقد قال العلامة الألباني رحمه الله عن هذا البحث أثناء كلامه عن الحديث رقم (1257) من السلسة الضعيفة, " ولابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام ممتع في رسالة " الصلاة" فليراجعها من شاء, فإن فيها علماً غزيراً, وتحقيقاً بالغاً لا تجده في موضع آخر.

وحيث يوجد في كتابه: الصلاة, الكثير من الفوائد المتعلقة بالصلاة, فقد اخترتُ شيئاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها, ومنها:

 

ترك الصلاة من أعظم الذنوب:

لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذُّنُوب, وأكبر الكبائر, وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس, وأخذ الأموال, ومن إثم الزنا, والسرقة, وشرب الخمر, وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة

المصلون في الناس قليل:

المصلون في الناس قليل, ومقيمو الصلاة منهم أقل القليل, كما قال عمر رضي الله عنه: الحاج قليل, والرَّكب كثير.

من خلت قلوبهم من محبة الله فالصلاة كبيرة عليهم:

ليس من كانت الصلاة ربيعاً لقلبه, وحياةً له وراحةً, وقرَّةً لعينه, وجلاء لحزنه, وذهاباً لهمِّه وغمِّه, ومفزعاً له يلجأ إليه في نوائبه ونوازله كمن هي سحت لقلبه, وقيد لجوارحه, وتكليف له, وثقل عليه, فهي كبيرة على هذا, وقرة عين وراحة لذلك. قال تعالى:  {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين * الذين يظنون أنهم مُلاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون}  [البقرة:45-46]

فإنما كبرت على غير هؤلاء لخلو قلوبهم من محبة الله تعالى وتكبيره وتعظيمه والخشوع له, وقلَّة رغبتهم فيه, فإن حضور العبد في الصلاة, وخشوعه فيها, وتكميله لها, واستفراغه وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله.

وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظيمه من الصلاة كحظِّ القلب الخالي الخراب من ذلك.

فإذا وقف الاثنان بين يدي الله في الصلاة, وقف هذا بقلبٍ, مُخبتٍ له, خاشع له, قريب منه...قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة...فاجتمع همه على الله وقرت عينه به وأحسه بقُربه من الله قرباً لا نظير له, ففرغ قلبه له, وأقبل عليه بكليته.

تفقه المصلى في معاني الأسماء والصفات:

* وههنا أمر عجيب يحصل لمن تفقه في معاني الأسماء والصفات, وخالطه بشاشة الإيمان بها قلبه, بحيث يرى لكل اسمٍ وصفةٍ موضعاً من صلاته, ومحلاً منها.

فإذا قال: " الله أكبر " شاهد كبرياءه.

فإذا قال " سبحانك اللهم وبحمدك, وتبارك اسمك, وتعالى جدُّك, ولا إله غيرك " شاهد بقلبه رباً منزهاً عن كلِّ عيبٍ, سالماً من كلِّ نقصٍ, محموداً بكل حمدٍ.

فحمدُه يتضمنُ وصفه بكل كمال, وذلك يستلزم براءته من كلِّ نقصٍ

تبارك اسمه, فلا يذكر على قليلٍ إلا كثره, وعلى خيرٍ إلا أنماه وبارك, ولا على آفة إلا أذهبها, ولا على شيطانٍ إلا ردّه خاسئاً داحراً.

وتعالى جدُّه, أي: ارتفعت عظمته, وجلَّت فوق كُلِّ عظمة, وعلا شأنه على كل شأن, وقهر سلطانه على كل سلطان, فتعالى جدُّه أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته, أو في إلهيته, أو في أفعاله, أو في صفاته.

فإذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, فقد آوى إلى ركنه الشديد, واعتصم بحوله وقوته من عدوه, الذي يريد أن يقطعه عن ربه, ويباعده عن قُربه, ليكون أسوأ حالاً.

فإذا قال:{ الحمد لله رب العالمين}  وقف هنيئةً يسيرة ينتظر جواب ربه له, بقوله: " حمدني عبدي " فإذا قال: { الرحمن الرحيم}  انتظر الجواب بقوله: " أثنى عليَّ عبدي " فإذا قال: { مالك يوم الدين} انتظر جوابه: " يمجدني عبدي "

فيا لذة قلبه, وقُرة عينه, وسرور نفسه بقوله ربه: ( عبدي ) ثلاث مرات, فوالله  لولا ما على القلوب من دخان الشهوات, وغيم النفوس لاستُطيرت فرحاً بقول ربها وفاطرها ومعبودها: " حمدني عبدي" و" أثنى عليَّ عبدي" و" مجدني عبدي"

فإذا قال:  { إياك نعبدُ وإياك نستعين }  ففيهما سرُّ الخلق والأمر, والدنيا والآخرة, وهي متضمنة لأجلِّ الغايات, وأفضل الوسائل, فأجل الغايات عبوديته, وأفضل الوسائل إعانته, فلا معبود يستحق العبادة إلا هو, ولا معين على عبادته غيره, فعبادته أعلى الغايات, وإعانته أجلُّ الوسائل.

ثم يشهد الداعي بقوله:  {اهدنا الصراط المستقيم }  شدَّة فاقته وضرورته إلى هذه المسألة, التي ليس هو إلى شيءٍ أشدّ فاقة وحاجة منه إليها ألبته, فإنه محتاج إليه في كل نفس وطرفة عين.

ولما كان العبد مفتقراً في كل حالٍ إلى هذه الهداية, في جميع ما يأتيه ويذره, من:

أمور قد أتاها على غير الهداية, فهو يحتاج إلى التوبة منها.

وأمورٍ قد هدي إلى أصلها دون تفصيلها, أو هدي إليها من وجه دون وجهٍ, فهو يحتاج إلى تمام الهداية فيها ليزداد هُدى.

وأمورٍ هو يحتاج إلى أن يحصل له من الهداية فيها بالمستقبل مثل ما حصل له في الماضي.

وأمورٍ هو خالٍ عن اعتقاد فيها, فهو يحتاج إلى الهداية فيها فهو يحتاج إلى الهداية فيها.

وأمورٍ لم يفعلها فهو يحتاج إلى فعلها على وجه الهداية.

وأمورٍ قد هُدي إلى الاعتقاد الحق والعمل الصواب فيها فهو محتاج إلى الثبات عليها

  • 2
  • 1
  • 3,963

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً