سادسا: لاقتفاء أثر البقية الباقية قبل أن تغرق السفينة
محمد حسين يعقوب
العزلة راحة من خلاط السوء كما ترجم البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ، فالوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة؛ فإن مجالسته غنيمة وربح، وكل قرين بالمقارن يقتدي
- التصنيفات: الولاء والبراء - محاسن الأخلاق -
مرت بنا خُطوب، وضلت أقدامنا الدروب، وتوالت المحن فهلك من هلك وثبت من ثبت، ودبت العِلل، وتغايرت الحُلل، فلم تعد إلا شرذمة قليلة مستضعفون في الأرض يخافون أن يتخطفهم النَّاس، تلك البقية الباقية مازالوا يحلمون بنصر الله، موقنين بأنه آت لا محالة، وأنَّه قريب ولو كره الكافرون.
…فهؤلاء هم عباد الله المخلصون، بهم يندفع البلاء، فلولا عبادٌ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع لصب العذاب صبا، إنَّهم الصفوة، وإن كانوا من الندرة بمكان إلا أنهم ما زالوا فينا ولكنهم يتناقصون، والخوف كل الخوف أن يهلك هؤلاء فحينها يأتيك ما تحاذر ولابد.
إخوتاه ..
…إنَّ السبيل لدفع ما نحن فيه من البلية يبدأ من الأخوة الإيمانية، فحين ترتبط بهذه الفئة المباركة تكون على أمل النجاة قبل أن تغرق السفينة، وإن وجود نماذج متعددة لهؤلاء الأخيار هو الطريق الأمثل لنصرة دين الله في الأرض.
…إنني أريدك أن تبحث عن القوَّامين الذين يقيمون الليالي ولا يفترون، عن الصَوَّامين الذين يصومون صيام داود لا يسأمون، عن المتصدقين الذين ينفقون أموالهم سرًّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور، عن الدعاة الذين يجوبون مشارق الأرض ومغاربها لإعلاء كلمة التوحيد، هذه النماذج موجودة ولكنها قليلة، ولا سبيل لنموها وتكثير سوادها إلا بالأخوة حين تقف في الصلاة ملتصقًا برجل صالح من أمثال هؤلاء ربَّما تنزل عليه رحمة تصيبك منها ما فيه خيرك إلى يوم الدين.
…حين تسمع عمن يقيم نصف الليل أو أكثر، من يختم القرآن كل ثلاث أو أربع فتسير في ركبه وتخطو خطوة، وتود أن يكون عملك كعمله إن عجزت فربَّما تجد هذه الأعمال في صحيفتك بإخلاص النية.
إخوتاه ...
…هذه فائدة مرافقة الصالحين، بل إنَّ مؤاخاة هؤلاء وحبهم في الله يثمر ثمرة عظيمة هي أن يجمعك الله بهم في الجنة، وربما يكون ذلك سبب دخولك الجنة وإعلاء درجتك فيها لقوله - صلى الله عليه وسلم - «المرء مع من أحب».
…وحين تشارك هؤلاء العلم الصالح يهون عليك ما يثبطك عنه الشيطان وتنفرك نفسك من فعله، فتعتاد الصيام والقيام وتلاوة القرآن والعمل لدين الله تعالى، وتعظم أوامر الله ونواهيه، وتتخلق بأخلاق الصالحين من التواضع ورؤية النفس بعين الجناية والانكسار بين يدي الله جل وعلا، وهكذا لا تعدم خيرًا في اقتفاء أثرهم والسير في دروبهم والجلوس معهم.
…قال - صلى الله عليه وسلم: «مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إمَّا أن يحذيك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك وإمَّا أن تجد ريحًا خبيثة».
…فإن لم تجد هؤلاء فالعزلة راحة من خلاط السوء كما ترجم البخاري ـ رحمه الله تعالى ـ، فالوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة؛ فإن مجالسته غنيمة وربح، وكل قرين بالمقارن يقتدي، وصحبة أهل البطالة بل صحبة من لم يشمر عن ساعد الجدّ في سلوك طريق الله تعالى فإنها كصحبة أهل الشر، وصحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار فتأمل هذا يا عبد الله، وخذ بحظك من صحبة أخلاء الإيمان، واقتفِ أثرهم قبل أن يعمنا البلاء والله المستعان.
الأخوة لماذا؟