وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً
أبو الهيثم محمد درويش
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ (31)} [المدثر]
- التصنيفات: التفسير -
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً} :
جعل الله تعالى عدد زبانية جهنم من الملائكة نكالاً وعذاباً على أهل النار, كما جعله اختباراً لهم في الدنيا ليعلم الله من يصدق رسله بالغيب ومن يسارع بالإنكار والتكذيب والتشكيك, فأما أهل الإيمان فما يزيدهم إلا إيمانا وأما أهل الكتاب فقد أنزل هذه الآيات ليظهر الحق الموافق لما عند أهل الكتب السابقة فيدخل المؤمنون منهم في دين الله, وليزداد المؤمنون يقيناً بكلام ربهم, وليتشكك الكافرون ومرضى القلوب.
والهداية بيد الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء , ولله جنود السماوات والأرض وما رسالات الله إلا تذكرة ورسالات هداية من الله لخلقه.
قال تعالى:
{وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ (31)} [المدثر]
قال السعدي في تفسيره:
{ { وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً } } وذلك لشدتهم وقوتهم. { {وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا } } يحتمل أن المراد: إلا لعذابهم وعقابهم في الآخرة، ولزيادة نكالهم فيها، والعذاب يسمى فتنة، كما قال تعالى: { {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} } ويحتمل أن المراد: أنا ما أخبرناكم بعدتهم، إلا لنعلم من يصدق ومن يكذب، ويدل على هذا ما ذكر بعده في قوله: { {لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} } فإن أهل الكتاب، إذا وافق ما عندهم وطابقه، ازداد يقينهم بالحق، والمؤمنون كلما أنزل الله آية، فآمنوا بها وصدقوا، ازداد إيمانهم، { {وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ} } أي: ليزول عنهم الريب والشك، وهذه مقاصد جليلة، يعتني بها أولو الألباب، وهي السعي في اليقين، وزيادة الإيمان في كل وقت، وكل مسألة من مسائل الدين، ودفع الشكوك والأوهام التي تعرض في مقابلة الحق، فجعل ما أنزله الله على رسوله محصلا لهذه الفوائد الجليلة، ومميزا للكاذبين من الصادقين، ولهذا قال: { {وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} } أي: شك وشبهة ونفاق. { {وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلً} ا } وهذا على وجه الحيرة والشك، والكفر منهم بآيات الله، وهذا وذاك من هداية الله لمن يهديه، وإضلاله لمن يضل ولهذا قال:
{ { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} } فمن هداه الله، جعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه، وزيادة في إيمانه ودينه، ومن أضله، جعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه وحيرة، وظلمة في حقه، والواجب أن يتلقى ما أخبر الله به ورسوله بالتسليم، فإنه لا يعلم جنود ربك من الملائكة وغيرهم { { إلَّا هُوَ} } فإذا كنتم جاهلين بجنوده، وأخبركم بها العليم الخبير، فعليكم أن تصدقوا خبره، من غير شك ولا ارتياب، { {وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ } } أي: وما هذه الموعظة والتذكار مقصودا به العبث واللعب، وإنما المقصود به أن يتذكر به البشر ما ينفعهم فيفعلونه، وما يضرهم فيتركونه.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن