الإخلاص مجاهدة
فريد الأنصاري
فسائر الأعمال والعبادات في الإسلام إنما هي خادمة لهذا الركن الركين، وفروع لهذا الأصل العظيم. هو غايتها، وهو مقياس صحتها وفسادها. ولذلك وجب أن يُجعل الإخلاصُ – كما جعله الله في كتابه، وبَيَّنَهُ الرسولُ في منهاجه
- التصنيفات: تربية النفس -
فهو فَصُّ الفطرية، ومُحُهَّا الذي تنطوي عليه، بما هي محاولة لإعادة بناء النفس على ما بُنيت عليه أول ما خُلقت، وقد كان أول بنائها على الفطرة، وقد سبق أن أصل الفطرة الإنسانية إنما هو إخلاص التوحيد لله رب العالمين. فكان مدارُ الفطرية - دعوةً وتربيةً - إنما هو على إفراد الله جلَّ جلالُه بالعبودية، وحده دون سواه، ونبذ سائر ضروب الشرك والشركاء، ظاهرا وباطنا.
فسائر الأعمال والعبادات في الإسلام إنما هي خادمة لهذا الركن الركين، وفروع لهذا الأصل العظيم. هو غايتها، وهو مقياس صحتها وفسادها. ولذلك وجب أن يُجعل الإخلاصُ – كما جعله الله في كتابه، وبَيَّنَهُ الرسولُ في منهاجه - مدارَ الدين والدعوة جميعا، وإلا صار العمل الإسلامي كله إلى انحراف وضلال!
إلا أن إخلاص التوحيد ليس مجرد معلومات تُلَقَّن، ولا منظومات تُستظهر، بل هو حقيقةٌ إيمانيةٌ عظمى، وخُلُقٌ قرآني عميق، لا يُنال إلا بمجاهدة ومكابدة! ولذلك قيدنا ركنيته ببيان طريقة التحقق به؛ بقولنا: "الإخلاصُ مجاهدةً".
إذ مقتضاه راجع إلى معنى السير إلى الله على طريق الفناء في طاعته؛ لتحقيق خالص العبدية له وحده جل علاه، حتى لا يبقى منك شيء لسواه! فتجعل كل رغائبك وكل أهوائك وكل ذراتك، الظاهرة والباطنة، فانية في قصده هو جل جلاله، حتى يتحقق لك دوام الشهود لعبديتك الكاملة له، فلا تكون في شيء من عبادتك وعاداتك إلا بالله وله! {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايْ وَمَمَاتِيَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162-163].
هذا هو المقصد الأساس من المدرسة القرآنية، والغاية الكبرى لبرنامج الربانية، والجامع المانع لمفهوم الفطرية. فمن أراد الإخلاص حقيقةً، وجب أن يتحقق بطريقة التخلق بمقامه، ومعراج الرقي إلى منـزله، وإلا كان ممن يتمنى على الله الأماني! وليس لذلك دون مكابدة القرآن ومجاهدة النفس به من سبيل! وإنما الموفق من وفقه الله.