فوائد مختارة من بعض كتب العلامة ابن القيم (1-3)
{احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [الصافات:22] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين....أما بعد: فكتب العلامة ابن القيم رحمة الله, التي طُبعت له تزيد على الثلاثين كتاباً, منها الكتب التسعة التالية:
- تهذيب سنن أبي داود
- المنار المنيف في الصحيح والضعيف
- الكافية الشافعية في الانتصار للفرقة الناجية[ القصيدة النونية]
- رفع اليدين في الصلاة
- أحكام أهل الذمة
- إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان
- الطرق الحكمية في السياسة الشرعية
- جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم
- هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى
وقد احتوت هذه الكتب على مباحث في فنون عديدة, في العقيدة, والحديث, والفقه, وغيرها, وسال قلم العلامة ابن القيم رحمه الله كعادته في مصنفاته, فاحتوت تلك الكتب على العديد من الفوائد, وقد يسّر الله الكريم لي فاخترتُ شيئاً منها, وذكرتُ في نهاية كل فائدة اسم الكتاب الذي نقلت منه, أسأل الله أن ينفع بتلك الفوائد, ويبارك فيها.
سر من أسرار التوحيد:
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: ( « أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله» ) سِرّ من أسرار التوحيد وهو أن الشفاعة إنما تنال بتجريد التوحيد, فمن كان أكمل توحيداً, كان أحرى بالشفاعة, لا أنها تنال بالشرك الشفيع كما عليه أكثر المشركين. [ تهذيب سنن أبي داود]
سر افتتاح الصلاة بلفظ " الله أكبر "
وفي افتتاح الصلاة بهذا اللفظ - المقصود منه: استحضار هذا المعنى, وتصوره – سر عظيم يعرفه أهل الحضور, المصلون بقلوبهم وأبدانهم, فإن العبد إذا وقف بين يدي الله عز وجل, وقد علم أنه لا شيء أكبر منه, وتحقق قلبُه ذلك, وأُشربه سرّه استحيى من الله, ومنعه وقاره وكبرياؤه أن يشغل قلبه بغيره, وما لم يستحضر هذا المعنى فهو واقف بين يديه بجسمه, وقلبُه يهيم في أودية الوساوس والخطرات.
فلو كان الله أكبر من كل شيء في قلب هذا لما اشتغل عنه, وصرف كُليه قلبه إلى غيره, كما أن الواقف بين يدي الملك المخلوق لمّا لم يكن في قلبه أعظم منه لم يشغل قلبه بغيره ولم يصرفه عنه. [ تهذيب سنن أبي داود]
تلقى السنة بالسمع والطاعة, وعدم ردها بدعوى عدم ظهور الحكمة:
تُتلقى السنة بالسمع والطاعة والإذعان, سواء ظهر لنا وجه حُكمه أو لم يظهر.
ولو رُدَّت السنن بعدم ظهور الحكمة والمناسبة, لكان ذلك ردّاً على الرسول صلى الله عليه وسلم, وخروجاًَ عن المتابعة, وخلعاً لربقة العبودية من العنق, ولو ساغ للعبد أن لا يقبل من السنة إلا ما رأى فيه الحكمة والمناسبة, لبطل الدين وتلاعب به المبطلون وصار عُرضة لردّ الرادين, وعياذاً بالله من هذا الرأي الباطل.
[رفع اليدين في الصلاة]
منزلة السنة مع كتاب الله تعالى:
الذي يجب على كل مسلم اعتقاده: أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنة واحدة تخالف كتاب الله, بل السنن مع كتاب الله تعالى على ثلاث منازل: المنزلة الأولى: سنة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل.
المنزلة الثانية: سنة تفسر الكتاب, وتبين مراد الله منه, وتقيد مطلقه.
المنزلة الثالثة: سنة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب فتبينه بياناً مبتدأً.
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة, وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة. [الطُّرُق الحكمية في السياسة الشرعية]
تفسير قول أُبي بن كعب رضي الله عنه: أجعل لك صلاتي كلها:
عن أبي بن كعب رضي الله عنه, قال: «قلت: يا رسول الله, إني أكثر الصلاة عليك, فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال: ( ما شئت ) قلت: الربع ؟ قال: ( ما شئت, وإن زدت فهم خير ) قلت: النصف ؟ قال: ( ما شئت, وإن زدت فهو خير ) قال: أجعل لك صلاتي كلها, قال: ( إذن تكفى همك, ويغفر لك ذنبك ) » [أخرجه الترمذي] .
وقال: حديث حسن صحيح, وسئل شيخنا أبو العباس عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأُبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه, فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه صلى الله عليه وسلم؟ فقال (إن زدت فهو خير لك) فقال له: النصف؟ فقال ( إن زدت فهو خير لك ) إلى أن قال: أجعل لك صلاتي كلها, أي: أجعل دعائي كله صلاةً عليك, قال: ( إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك ) لأن من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم صلاةً صلى الله عليه بها عشراً, ومن صلى الله عليه كفاه هماه, وغفر له ذنبه. هذا معنى كلامه رضي الله عنه[جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على خير الأنام صلى الله عليه وسلم]
قواعد عظيمة فوائد جليلة اشتملت عليها كلمات التلبية:
قد اشتملت كلمات التلبية على قواعد عظيمة وفوائد جليلة.
إحداها: أن قولك " لبيك " بتضمن إجابة داع دعاك ومناد ناداك, ولا يصح في لغةٍ ولا عقل إجابة من لا يتكلم ولا يدعو.
الثانية: أنها تتضمن المحبة...ولا يقال " لبيك " إلا لمن تحبه وتعظمه.
الثالثة: أنها تتضمن التزام العبودية....أي أنا مقيم على طاعتك
الرابعة: أنها تتضمن الخضوع والذُّلَّ أي خضوعاً لك, بعد خضوع
الخامسة: أنها تتضمن الإخلاص.
السادسة: أنها تتضمن الإقرار بسمع الرب تعالى.
السابعة: أنها تتضمن التقرب من الله, ولهذا قيل: من الإلباب, وهو التقرب.
الثامنة: أنها جعلت في الإحرام شعار الانتقال من حال إلى حال, ومن منسك إلى منسك, كما جعل التكبير في الصلاة شعار الانتقال من ركن إلى ركن.
التاسعة: أنها شعار التوحيد, وملة إبراهيم, الذي هو روح الحج ومقصده.
العاشرة: أنها متضمنة لمفتاح الجنة وباب الإسلام الذي يُدخل منه إليه, وهو كلمة الإخلاص والشهادة لله بأنه لا شريك له.
الحادية عشرة: أنها مشتملة على الحمد الذي هو من أحبِّ ما يتقرَّب به العبد إلى الله, وأول من يُدعى إلى الجنة أهله, وهو فاتحة الصلاة وخاتمتها.
الثانية عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بالنعمة كلها..أي النعم كلها لك ومنك.
الثالثة عشرة: أنها مشتملة على الاعتراف بأن الملك كله لله وحده.
[ تهذيب سنن أبي داود]
تحريف التوراة والإنجيل:
التوراة التي بأيدي النصارى تُخالف التوراة التي تخالف اليهود, والتي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه...والتوراة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم وهو يعلمون قطعاً أن ذلك ليس في التوراة التي أنزلها الله على موسى ولا في الإنجيل الذي أنزله على المسيح.
والأناجيل عندهم أربعة يخالف بعضها بعضاً...وبينها من التفاوت والزيادة والنقص ما يعلمه الواقف عليها....وفيها ذكر القول ونقيضه.
[هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ]
حضور أعياد الكفار:
لا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه, ولا مساعدتهم, ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله, وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم.
فقال أبو القاسم هبة الله بن الحسين بن منصور الطبري الفقيه الشافعي: ولا يجوز للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لأنهم على منكر وزور, وإذا خالط أهل المعروف أهل المنكر بغير الإنكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له, فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم, فيعم الجميع, نعوذ بالله من سخطه. [أحكام أهل الذمة]
مفارقة أهل الأهواء والبدع في الدنيا أسهل من مرافقتهم في الآخرة.
فوالله لمفارقة أهل الأهواء والبدع في هذه الدار أسهل من مرافقتهم إذا قيل: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} [الصافات:22] قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وبعده الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم. .[الكافية الشافعية في الانتصار للفرقة الناجية]
أسباب عدم قبول الحق:
الأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جداً:
فمنها: الجهل به, وهذا السبب هو الغالب على أكثر النفوس, فإن من جهل شيئاً عاداه وعادى أهله, فإن انضاف إلى هذا السبب بُغضُ من أمره بالحق ومٌعاداته له وحسده كان المانع من القبول أقوى, فإن انضاف إلى ذلك إلفه وعادته ومرباه على ما كان عليه آباؤه ومن يحبُّه ويعظمه قوي المانع, فإن انضاف إلى ذلك توهُّمُه أن الحقَّ الذي دُعي إليه يحول بينه وبين جاهه وعزَّه وشهواته وأغراضه قوي المانع من القبول جداً, فإن انضاف إلى ذلك خوفهُ من أصحابه وعشيرته وقومه على نفسه وماله وجاهه...زاد المانع من قبول الحقَّ قوة.
ومن أعظم هذه الأسباب: الحسد, فإنه داء كامن في النفس, ويرى الحاسدُ المحسودَ قد فُضِّل عليه, وأُوتي ما لم يؤت نظيره فلا يدعه الحسدُ أن ينقاد له ويكون من أتباعه[هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى ]
الجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان:
الجهاد بالحجة والبيان مقدم على الجهاد بالسيف والسنان, ولهذا أمر به تعالى في السور المكية حيث لا جهاد باليد إنذاراً وتعذيراًًًًً. فقال تعالى: {فلا تُطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً }[الفرقان:52] فالجهاد بالعلم والحجة جهاد أنبياء الله ورسله وخاصته من عباده المخصوصين بالهداية والتوفيق والاتفاق, ومن مات ولم يغزوُ, ولم يحدث نفسه بغزوٍ مات على شعبة من نفاق[الكافية الشافعية في الانتصار للفرقة الناجية]
- التصنيف: