فوائد مختارة من بعض كتب العلامة ابن القيم (2-3)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سر يعرفه من عرف أحكام الأرواح, واقتران الشياطين بالمحال التي تُلابسها, فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم يُرَ في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت
- التصنيفات: طلب العلم -
حاجة الأرواح الشديدة إلى معرفة خالقها وفاطرها ومحبته وذكره:
ليست حاجة الأرواح قطُ إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها, ومحبته, وذكره, والابتهاج به, وطلب الوسيلة إليه, والزلفى عنده, ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه, فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف, وله أطلب, وإليه أقرب, وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل, وإليه أكره, ومنه أبعد, والله تعالى ينزل العبد من نفسه حيث يُنزله العبد من نفسه.
فمن كان لذكر أسمائه وصفاته مبغضاً, وعنها مُعرضاً نافراً ومُنفراً, فالله له أشدُّ بغضاً, وعنه أعظمُ إعراضاً, وله أكبر مقتاً, حتى تعود القلوب على قلبين:
قلب ذكرُ الأسماء والصفات قوته وحياتهُ, ونعيمُه وقُرةُ عينه, لو فارقه ذكرها ومحبتها ساعة لاستغاث: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
والقلب الثاني: قلب مضروب بسياط الجهالة, فهو عن معرفة ربه ومحبته مصدود, وطريق معرفة أسمائه وصفاته كما أُنزلت عليه مسدود, قد قمَشَ شُبهاً من الكلام الباطل, وارتوى من ماءٍ آجن غير طائل, تعجُ منه آياتُ الصفات وأحاديثها إلى الله عجيجاً, وتضجُ منه إلى مُنزلها ضجيجاً, مما يسمونه تحريفاً وتعطيلاً.
مُزجي البضاعة من العلم النافع المورث عن خاتم الرسل والأنبياء, لكنه مليء بالشكوك والشُّبه والجدال والمراء.[الكافية الشافعية في الانتصار للفرقة الناجية]
لا يلزم من كثرة الثواب العمل أن يكون أحب إلى الله من العمل الذي أقل منه:
لا يلزم من كثرة الثواب أن يكون العمل الأكثر ثواباً أحبّ إلى الله تعالى من العمل الذي هو أقلّ منه, بل قد يكون العمل الأقل أحبّ إلى الله تعالى, وإن كان الأكثر أكثر ثواباً...فقراءة سُورة بتدبر ومعرفة وتفهم وجمع القلب عليها, أحبُّ إلى الله تعالى من قراءة ختمة سرداً وهذاً, وإن كثر ثواب هذه القراءة, وكذلك صلاة ركعتين يُقبل العبد فيهما على الله تعالى بقلبه وجوارحه, ويُفرغ قلبه كلّه لله تعالى فيهما, أحبّ إلى الله تعالى من مئتي ركعةٍ خالية عن ذلك, وإن كثر ثوابها عدداً.
ولهذا قال الصحابة رضي الله عنهم : إن اقتصاداً في سبيل وسنة, خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسُنّه.
فالعمل اليسير الموافق لمرضاة الرب وسنة رسوله, أحبَّ إلى الله تعالى من العمل الكثير إذا خلا عن ذلك أو عن بعضه.
ولهذا قال تعالى:{الذي خلق الموت والحياة ليبلُوكم أيّكمُ أحسن عملاً } [الملك/2] وقال: {إنا جعلنا ما على الأرض زينةً لها لنبلوهم أيّهُمُ أحسنُ عملاً } [الكهف/7] وقال تعالى : } وهُو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشُهُ على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملاً { [هود/7]
فهو سبحانه وتعالى إنما خلق السموات والأرض والموت والحياة وزين الأرض بما عليها ليبلو عباده أيهم أحسن عملاً لا أكثر عملاً, والأحسن هو : الأخلص والأصوب, وهو الموافق لمرضاته ومحبته, دون الأكثر الخالي من ذلك, فهو سبحانه وتعالى يُحب أن يُتعبد له بالأرضي له وإن كان قليلاً, دون الأكثر الذي لا يرضيه والأكثر الذي غيره أرضى له منه.[المنار المنيف في الصحيح والضعيف]
قبول الأعمال ثلاثة أنواع:
القبول ثلاثة أنواع:
قبول رضا ومحبةٍ, واعتدادٍ ومباهاةٍ, وثناءٍ على العامل به بين الملأ الأعلى.
وقبول جزاء وثواب, وإن لم يقع موقع الأول.
وقبول إسقاط للعقاب فقط, وإن لم يترتب عليه ثواب وجزاء كقبول صلاة من لم يحضر قلبه في شيء منها, فإنه ليس ه من صلاته إلا ما عقل منها, فإنها تسقط الفرض, ولا يُثابُ عليها. .[المنار المنيف في الصحيح والضعيف]
الأعمال تتفاضل بما في القلوب وبمتابعة الرسول وكون العمل أحب إلى الله:
والأعمالُ تتفاضلُ بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والمحبة, والتعظيم والإجلال, وقصد وجه المعبود وحده دون شيءٍ من الحظوظ سواه حتى تكون صورة العملين واحدة, وبينهما في الفضل ما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وتتفاضل أيضاً بتجريد المتابعة, فبين العملين من الفضل بحسب ما يتفاضلان به في المتابعة, فتتفاضل الأعمالُ بحسب تجريد الإخلاص والمتابعة تفاضلاً لا يحصيه إلا الله تعالى. وينضاف هذا إلى كون أحد العملين أحبّ إلى الله في نفسه.[المنار المنيف في الصحيح والضعيف]
الأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة:
الأحاديث الموضوعة عليها ظلمة وركاكة, ومجازفات باردة تنادي على وضعها واختلافها على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل حديث: ( من صلى الضحى كذا وكذا ركعة, أُعطي ثواب سبعين نبيناً ) وكأن هذا الكذاب الخبيث لم يعلم أن غير النبي صلى الله عليه وسلم, لو صلى عمر نوح عليه السلام لم يعط ثواب نبي واحد.[المنار المنيف في الصحيح والضعيف]
حسن الخلق مع الناس يقوم على أركان خمسة:
حسن الخلق مع الناس, جماعه أمران: بذل المعروف قولاً وفعلاً, وكف الأذى قولاً وفعلاً.
وهذا إنما يقوم على أركان خمسة: العلم, والجود, والصبر, وطيب العود, وصحة الإسلام.
أما العلم فلأنه به يعرف معالي الأخلاق وسفسافها, فيمكنه أن يتصف بهذا ويتحلى به, ويترك هذا ويتخلى عنه.
وأما الجود فسماحة نفسه وبذلُها وانقيادها لذلك إذا أراده منها.
وأما الصبر فلأنه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيأ له.
وأما طيب العود فإن يكون الله تعالى خَلَقه على طبيعة منقادة سهلة القيادة, سريعة الاستجابة لداعي الخيرات.والطبائع ثلاثة: طبيعة حجرية صلبة قاسية, لا تلين, ولا تنقاد, وطبيعة مائية هوائية سريعةُ الانقياد, مستجيبة لكل داع, كالغصن أيُّ نسيم يعطفه, - وهاتان منحرفتان, الأولى لا تقبل, والثانية لا تحفظ- وطبيعة قد جمعت بين اللين والصلابة والصفاء, فهي تقبل بلينها, وتحفظ بصلابتها, وتدرك حقائق الأمور بصفائها, فهذه الطبيعة الكاملة التي ينشأ عنها كل خُلُق صحيح.
وأما صحة الإسلام فهو جماع ذلك والمصحح لكل خلق حسن, فإنه بحسب قوة إيمانه وتصديقه بالجزاء وحسن موعود الله وثوابه يسهل عليه تحمل ذلك, ويلذُّ له الاتصاف به, والله الموفق المعين.[تهذيب سنن أبي داود]
الغضب:
* قوى الناس متفاوته تفاوتاً عظيماً في ملك قواهم عند الغضب, والطمع, والحزن, والخوف, والشهوة, فمنهم من يملك ذلك, ويتصرف فيه, ومنهم من يملكه ذلك ويتصرف فيه.
* الغضب مرض من الأمراض, وداء من الأدواء, فهو في أمراض القلوب نظير الحُمى والوسواس والصَّرع في أمراض الأبدان.
* من الغضب ما يُمكنُ صاحبه أن يملك نفسه عنده, وهو الغضب في مبادئه, فإذا استحكم وتمكن منه لم يملك نفسه عند ذلك, وكذلك الحُزنُ الحامل على الجزع, يُمكنُ صاحبه أن يملك نفسه في أوله, فإذا استحكم وقهر لم يملك نفسه, وكذلك الغضب....فهو اختياري في أوله, اضطراري في نهايته.
* العاقل لا يستدعي الغضب ولا يريده, بل هو أكره شيء إليه, وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( «جمرة في قلب ابن آدم, أما رأيتم من احمرار عينيه وانتفاخ أوداجه ؟ » ) والعاقل لا يقصد إلقاء الجمرة في قلبه.
* الغضبان...إذا اشتد به الغضب يألمُ بحمله, فيقول ما يقول, ويفعل ما يفعل, ليدفع عن نفسه حرارة الغضب, فيستريح بذلك, وكذلك يلطم وجهه, ويصيح صياحاً قوياً, ويشق ثوبه, ويُلقي ما في يده, دفعاً لألم الغضب, وإلقاءً لحمله عنه, وكذلك يدعو على نفسه وأحبِّ الناس إليه.
ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها دفعاً لحرارة الغضب, وأنهم لا يريدون مقتضاها, فلا يمتثله خواصهم, بل يؤخرونه, فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم.
* يحصل للغضبان إغماء وغشي, وهو في هذه الحال غير مكلف قطعاً, كما يحصل للمريض,...وقد ينكر كثير من الناس أن الغضب يُزيل العقل, ويبلغ بصاحبه إلى هذه الحال, فإنه لا يعرف من الغضب إلا ما يجد من نفسه, وهو لم يعلم غضباً انتهى إلى هذه الحال, وهذا غلط فإن الناس متفاوتون في الغضب تفاوتاً عظيماً.
* ما يتكلم به الغضبان في حال شدة غضبه من طلاق أو شتم, ونحو ذلك, من نزعات الشيطان....والغضب من الشيطان, وأثرُه منه, كما في الصحيح أن رجلين استبا عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجه أحدهما وانتفخت أواداجه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( « إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» )وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( «إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان من النار وإنما تُطفأً النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» )وهذا يدل على..أن الشيطان يُغضبه ليحمله بغضبه على فعل ما يحبه الشيطان.[إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان]
سر مبيت الشيطان على خيشوم الإنسان إذا نام, وملابسته ليده:
وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سر يعرفه من عرف أحكام الأرواح, واقتران الشياطين بالمحال التي تُلابسها, فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم يُرَ في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت
وأما ملابسته ليده, فلأنها أعمّ الجوارح كسباً وتصرفاً ومباشرةً لما يأمر به الشيطان من المعصية, فصاحبها كثير التصرف والعمل بها, ولهذا سميت: جارحة, لأنه يجرح بها, أي يكسب. [ تهذيب سنن أبي داود]