اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع (8)
" وهذا الحديث احتج به من رأى أن النجاسة إذا أصابت الأرض، فإنها تطهر بالشمس والريح ونحو ذلك، كما هو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو مذهب أبي حنيفة " انتهى
{بسم الله الرحمن الرحيم}
- الدليل الثاني: روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " «كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا، وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ» "
فدل الحديث على أن مجرد مرور الكلب في المسجد لا يـمنع من الصلاة فيه، ولا ينجس المسجد .
وأما بولها في المسجد، فأجاب بعض العلماء بأن بولها لم يكن في المسجد، وإنما كانت تقبل وتدبر في المسجد، وتبول خارجه.
وأجاب آخرون بأن هذا كان قبل الحكم بنجاسة الكلب ووجوب تطهير نجاسته .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال، على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجعل الأبواب عليها. ويشير إلى ذلك ما زاده الإسماعيلي في روايته من طريق ابن وهب في هذا الحديث، عن ابن عمر قال: " كان عمر يقول بأعلى صوته: اجتنبوا اللغو في المسجد".
قال ابن عمر: وقد كنت أبيت في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الكلاب إلخ، فأشار إلى أن ذلك كان في الابتداء، ثم ورد الأمر بتكريم المسجد حتى من لغو الكلام .وبهذا يندفع الاستدلال به على طهارة الكلب .
واستدل بذلك ابن بطال على طهارة سؤره لأن من شأن الكلاب أن تتبع مواضع المأكول، وكان بعض الصحابة لا بيوت لهم إلا المسجد فلا يخلو أن يصل لعابها إلى بعض أجزاء المسجد، وتعقب بأن طهارة المسجد متيقنة وما ذكر مشكوك فيه، واليقين لا يرفع بالشك، ثم إن دلالته لا تعارض دلالة منطوق الحديث الوارد في الأمر بالغسل من ولوغه " [فتح الباري]
وقال الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي حفظه الله:
"في الحديث إشكالان: الإشكال الأول: إقبال الكلاب وإدبارها هذا الحديث أشار العلماء إلى الجواب عنه، وقالوا: إن الرواية تقبل وتدبر أي في المسجد وأما البول فليس في المسجد وإنما وقع الإقبال والإدبار داخل المسجد وأما قضية البول فإنه لم يكن داخل المسجد، وقد أشار الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في شرحه لصحيح البخاري أعني «الفتح» إلى هذا الجواب .
لكن لو قلنا إنها تقع على رواية تقبل وتدبر وتبول في المسجد فإننا نقول تبول في المسجد، بولها في المسجد لا يخلو من حالتين:
أولاً: إما أن تبول على علم فحينئذ لا إشكال فيه أنه يقوِّي أن يقال بأنها ليست بنجسة إذا ثبت أن النبي- صلى الله عليه وسلم - والصحابة اطلعوا على بولها وصلوا على المكان الذي بال فيه الكلب وليس في الحديث ما يدل على ذلك .
ثانياً: أنه أجيب بأن هذا متقدم على أمره-عليه الصلاة والسلام- بغسل الإناء من ولوغ الكلب وهذا أقوى الأجوبة، وتوضيحه: أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن له أبواب وقد جاء في رواية ابن عمر رضي الله عنهما وأشار إليها أيضاً الحافظ رحمه الله في الفتح إلى أنه قد اعتني بعد ذلك بالمسجد وجعل له ما يحفظه ومنع من دخول الكلاب إليه، وهذا يدل على أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم عنايته، فإذا كان آخر الأمرين ونظرت إلى أحاديث الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب وجدتها من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وكلاهما رضي الله عنهما متأخر الإسلام وحينئذ قالوا: إن هذا الذي ورد في الحديث إنما هو في الشأن المتقدم وما جاء من الأمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب إنما هو في الشأن المتأخر .
والأصل: أنه يعمل بالمتأخر ويكون ناسخاً للمتقدم، وحينئذ لا إشكال فيه، هذا بالنسبة للإقبال والإدبار في المسجد"
[الجواب الثاني]: أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يكونوا يرشون نجاسات الكلاب بالماء، لأن الشمس والريح كانت تحيلها وتزيلها؛ لهذا بوب أبو داود في سننه على هذا الحديث بقوله: "بَابٌ فِي طُهُورِ الْأَرْضِ إِذَا يَبِسَتْ". [سنن أبي داود]
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وهذا الحديث احتج به من رأى أن النجاسة إذا أصابت الأرض، فإنها تطهر بالشمس والريح ونحو ذلك، كما هو أحد القولين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وهو مذهب أبي حنيفة " انتهى
فالحاصل؛ أن ظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه يدل على نجاسة لعاب الكلب، ولا يترك هذا الظاهر لمجرد وجود حالات مخصوصة من هذا العموم، مع أن الاحتمال يدخلها أيضا من وجوه أخرى .
- التصنيف: