فوائد من كتاب شفاء العليل (1-2)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
في صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أظفاره »
- التصنيفات: طلب العلم -
فوائد من شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم:
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة ابن القيم رحمه الله كتابه الموسوم بـ " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل " وهو كتاب عظيم يبحث في موضوع مهم من موضوعات العقيدة وهو موضوع : القضاء والقدر, وقد أشبعه بحثاً على وفق منهج أهل السنة والجماعة, فجزاه الله عما قدم للإسلام والمسلمين خيراً.
وفي ثنايا البحث في أبواب الكتاب التي بلغت ثلاثين باباً, سال قلم العلامة ابن القيم رحمه الله بالعديد من الفوائد المتنوعة, يسّر الله الكريم لي فجمعتُ شيئاً منها, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.
حكم ومنافع الطهارة والوضوء:
كم في الطهارة من حكمة ومنفعة للقلب والبدن, وتفريح للقلب, وتنشيط للجوارح, وتخفيف من أحمال ما أوجبته الطبيعة وألقاه عن النفس من دَرَن المخالفات, فهي منظفة للقلب والروح والبدن,...وتأمل كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل, فجُعِل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشمُّ والذوق. وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي والذنوب كلها, منها يدخل إليها, ثم جعل في اليدين وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطى, ثم في الرجلين اللتين بهما يمشي ويسعى. ولما كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة جعل مكانه المسح, وجعل ذلك مخرجاً للخطايا من هذه المواضع,...ففي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أظفاره » ) فهذا من أجلِّ حكم الوضوء وفوائده.
ولو لم يكن فيه من المصلحة والحكمة إلا أن المتوضئ يطهر يديه بالماء وقلبه بالتوبة, ليستعد للدخول على ربه ومناجاته والوقوف بين يديه طاهر البدن والثوب والقلب. فأي حكمة ورحمة ومصلحة فوق هذا.
الجزاء من جنس العمل:
قال تعالى: {سيذكر من يخشى * ويتجنبها الأشقى * الذي يصلى النار الكبرى * ثم لا يموتُ فيها ولا يحيى} [الأعلى:10-13] فإن الجزاء من جنس العمل, فإنه في الدنيا لما لم يحي الحياة النافعة الحقيقة التي خُلق لها, بل كانت حياته من جنس حياة البهائم, ولم يكن ميتاً عديم الإحساس, كانت حياته في الآخرة كذلك.
من توفيق الله لعبده أن يستخير قبل وقوع المقدور ويرضى بعد وقوعه:
في المسند من حديث سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( «من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى, ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله, ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله عز وجل, ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله » ) فالمقدور يكتنفه أمران: الاستخارة قبله والرضا بعده, فمن توفيق الله لعبده وإسعاده إياه أن يختار قبل وقوعه, ويرضى بعد وقوعه, ومن خذلان الله له أن لا يستخيرهُ قبل وقوعه, ولا يرضى به بعد وقوعه.
تلاوة القرآن ربيع للقلوب, وشفاء للصدور, ونور للبصائر, وحياة للأرواح:
ثم يأخذ بعد ذلك في تلاوة ربيع القلب, وشفاء الصدور, ونور البصائر, وحياة الأرواح, وهو كلام رب العالمين, فيحل به في ما شاء من روضات مُونقات, وحدائق مُعجبات, زاهية أزهارها, مونقة ثمارها, قد ذللت قطوفها تذليلاً, وسهلت لمتناولها تسهيلاً, فهو يجتني من تلك الثمار: خيراً يؤمر به, وشراً ينهى عنه, وحكمةً, وموعظةً, وتبصرةً, وتذكرةً, وعبرةً,...وإزالةً لشبهة, وجواباً عن مسألة, وإيضاحاً لمشكل, وترغيباً في أسباب فلاح وسعادة, وتحذيراً من أسباب خسران وشقاوة, ودعوة إلى هدى.
النعمة فتنة لا كرامة:
قال تعالى: { بل هي فتنة}أي: النعم التي أوتيها فتنة, نختبره فيها, ومحنة نمتحنه بها, لا يدل على اصطفائه واجتبائه, وأنه محبوب لنا مقرب عندنا, ولهذا قال في قصة قارون: {أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدُّ منه قوة وأكثرُ جمعاً }[القصص:78] فلو كان إعطاء المال والقوة والجاه يدل على رضاء الله سبحانه عمن آتاه ذلك وشرف قدره وعلو منزلته عنده لما أهلك من آتاه من ذلك أكثر مما آتى قارون, فلما أهلكهم مع سعة هذا العطاء وبسطته عُلِم أن عطاءه إنما كان ابتلاء وفتنة لا محبةً ولا ورضاً واصطفاءً لهم على غيرهم, أي النعمة فتنة لا كرامةً, {ولكن أكثرهم لا يعلمون}[يونس:55]
اللذة والألم:
لا بد من حصول الألم لكل نفس مؤمنة أو كافرة, لكن المؤمن يحصلُ له الألم في الدنيا أشدَّ, ثم ينقطع, ويعقبهُ أعظم اللذة, والكافرُ يحصل له اللذة والسرور ابتداءً ثم ينقطع ويعقبه أعظم الألم والمشقة, وهكذا حال الذين يتبعون الشهوات فيلتذون بها ابتداءً ثم تعقبها الآلام بحسب ما نالوه منها, والذين يصبرون عليها يألمون بفقدها ابتداء ثم يعقب ذلك الألم من اللذة والسرور بحسب ما صبروا عنه, وتركوا منها, فالألمُ واللذة أمر ضروري لكل إنسان. لكن الفرق بين العاجل المنقطع اليسير, والآجل الدائم العظيم بون.