فوائد من كتاب الصواعق المرسلة
إذا علم الإنسان بعقله أن..الرسول..أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينافي خبره كان الواجب عليه أن يسلم لما أخبر به الصادق الذي هو أعلم منه, وينقاد له, ويتهم عقله, ويعلم أن عقله بالنسبة إليه أقلّ من عقل أجهل الخلق بالنسبة إليه هو..
{بسم الله الرحمن الرحيم }
فوائد من كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة لابن القيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن الكتب المهمة للعلامة ابن القيم رحمه الله كتابه الموسوم بـ " الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة " وهو بحق صواعق أرسلها عليهم, فدمر بنيانهم, ودك حصونهم, فأجزل الله له المثوبة, ورحمه رحمةً واسعة.
والكتاب يوجد فيه فوائد متنوعة ذكرها العلامة ابن القيم رحمه الله, اجتهدت فاخترتُ شيئاً منها, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها.
الذين يعارضون الرسل بعقولهم بسبب جهلهم وضلالهم المركب والبسيط:
إذا علم الإنسان بعقله أن..الرسول..أخبر بشيء ووجد في عقله ما ينافي خبره كان الواجب عليه أن يسلم لما أخبر به الصادق الذي هو أعلم منه, وينقاد له, ويتهم عقله, ويعلم أن عقله بالنسبة إليه أقلّ من عقل أجهل الخلق بالنسبة إليه هو..
فيا لله العجب إذا كان عقله يوجب عليه أن ينقاد لطبيب..فيما يخبر به من قوى الأدوية والأغذية والأشربة..وصفاتها وكمياتها ودرجاتها..لظنه أنه...أعلم بهذا الشأن منه, وأنه إذا صدقه كان في تصديقه الشفاء والعافية مع علمه بأنه يخطئ كثيراً وأن كثيراً من الناس لا يشفى بما يصفه الطبيب بل يكون استعماله لما يصفه سبباً من أسباب هلاكه فكيف لا يسلك هذا المسلك مع الرسل صلوات الله وسلامهم عليه والذين عارضوا أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال المركب والبسيط ما لا يحصيه إلا من هو بكل شيء محيط
الصحابة رضي الله عنهم أعلم الأمة على الإطلاق:
كان الصحابة أعلم الأمة على الإطلاق, وبينهم وبين من بعدهم في العلم واليقين كما بينهم وبينهم في الفضل والدين, ولهذا كان ما فهمه الصحابة من القرآن أولى أن يصار إليه مما فهمه من بعدهم, فانضاف حسن قصدهم إلى حسن فهمهم, فلم يختلفوا في التأويل في باب معرفة الله وصفاته وأسمائه وأفعاله واليوم الآخر ولا يحفظ عنهم في ذلك خلاف لا مشهور ولا شاذ.
فكانت نصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل في صدورهم وأعظم في قلوبهم من أن يعارضوها بقول أحد من الناس كائناً من كان, ولا يثبت قدم الإيمان على ذلك
الاختلاف الذي لا يضرّ:
وقوع الخلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه, لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض, وعدوانه, وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤذي إلى التباين والتحزب, وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف, فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية, ولكن إذا كان الأصل واحداً, والغاية المطلوبة واحدة, والطريق المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف, وإن وقع كان اختلافاً لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة, فإن الأصل الذي بنوا عليه هو كتاب الله وسنة ورسوله, والقصد واحد وهو طاعة الله ورسوله, والطريق واحد وهو النظر في أدلة القرآن والسنة, وتقديمها على كل قول ورأي وقياس, وذوق, وسياسة.
العلم المزكي للنفوس المكمل للفطر المصحح للعقول الذي خصه الله باسم العلم:
فليس العلم في الحقيقة, إلا ما أخبرت به الرسل عن الله عز وجل طلباً وخبراً, فهو العلم المزكي للنفوس, المكمل للفطر, المصحح للعقول, الذي خصه الله باسم الله...وشهد لأهله أنهم أولو العلم, فقال تعالى: {وقال الذين أُوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} [الروم:56]
والمراد أولو العلم بما أنزله على رسله ليس إلا, وليس المراد أولو العلم بالمنطق والفلسفة وفروعهما.
وقال تعالى: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضي إليك وحيه وقل ربِّ زدني علماً} [طه:114] فالعلم الذي أمره باستزادته هو علم الوحي, لا علم الكلام والفلسفة والمنطق.
فساد القلب واللسان والعقل:
كل شيء عصي الرب سبحانه به, فإنه يفسده على صاحبة, فمن عصاه بماله أفسده عليه, ومن عصاه بجاهه أفسده عليه, ومن عصاه بلسانه أو قلبه أو عضو من أعضائه أفسده عليه, وإن لم يشعر بفساده, فأي فساد أعظم من فساد قلب خربٍ من محبة الله, وخوفه, ورجائه, والتوكل عليه, والإنابة إليه, والطمأنينة بذكره, والإنس به, والفرح بالإقبال عليه, وهل هذا إلا قلب قد استحكم فساده, والمصاب لا يشعر, وأي فساد أعظم من فساد لسان تعطل عن ذكر, وما جاء به, وتلاوة كلامه, ونصيحة عباده وإرشادهم, ودعوتهم إلى الله, وأي فساد أعظم من فساد جوارح تعطلت عن عبودية فاطرها وخالقها وخدمته, والمبادرة إلى مرضاته.
وبالجملة فما ما عُصي الله بشيء إلا أفسده على صاحبه, ومن أعظم معصية العقل إعراضه عن كتابه ووحيه الذي هدى به رسوله, وأتباعه, والمعارضة بينه وبين كلام غيره, فأي فساد أعظم من فساد هذا العقل.
أنواع من تيسير الله عز وجل كتابه للذكر
لا تجد كلاماً أحسن تفسيراً, ولا أتمَّ بياناً من كلام الله سبحانه, ولهذا سماه سبحانه بياناً, وأخبر أنه يسره للذكر, وتيسيره للذكر يتضمن أنواعاً من التيسير:
إحداها: تيسير ألفاظه للحفظ.
الثاني: تيسير معانيه للفهم.
الثالث: تيسير أوامره ونواهيه للامتثال.
القرآن الكريم كتاب خضعت له الرقاب, وسجدت له عقول ذوي الألباب:
كتاب لم ينزل من السماء كتاب أهدى منه, خضعت له الرقاب, وسجدت له عقول ذوي الألباب, وشهدت العقول والفطر بأن مثله ليس من كلام البشر, وأن فضله على كل كلام كفضل المتكلم به على الأنام, وأنه نور البصائر من عماها, وجلاء القلوب من صداها, وشفاء الصدور من أدوائها وجواها, فهو حياتها الذي به حباها, ونورها الذي انقشعت به عنها ظلماؤها, وغذاؤها الذي به قوام قوتها, ودواؤها الذي حفظ به صحتها, وهو البرهان الذي زاد على برهان الشمس ضياء ونوراً, فلو:... {اجتمعت الإنسُ والجنُّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بِمِثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً } [الإسراء:88]
فوائد متفرقة:
* كلما كان الرجل عن الرسول أبعد كان عقله أقلّ وأفسد, فأكمل الناس عقولاً أتباع الرسل, وأفسدهم عقولاً المعرض عنهم, وعما جاءوا به, ولهذا كان أهل السنة والحديث أعقل الأمة, وهو في الطوائف كالصحابة في الناس.
* تسمية كفار قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الصبأة, صار هذا ميراثاً منهم لكل مبطل, وملحد, ومبتدع, يلقب الحق وأهله بالألقاب الشنيعة المنفرة.
* من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه ورخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: