بدعة الاحتفال بالمولد النبوي
ليس الشأن أن تزعم أنك تحبه ولكن الشأن أن تثبت ذلك بالعمل
اعتاد الناس الاحتفال باليوم الثاني عشر من ربيع الأول على أنه يوم مولده صلى الله عليه وسلم، وتواتر كلام العلماء على أن ذلك بدعة في الدين:
قال الشيخ تاج الدين عمر بن علي المالكي المشهور بالفاكهاني: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة ولا يُنقل عمله عن أحد من علماء الأمة .
أرخ عمر باتفاق الصحابة رضي الله عنهم بالهجرة رمز انتصار دينه عليه السلام ولم يؤرخوا بمولده ولا بوفاته؟ ثم أين يوم مولده في حياة الصحابة؟
لم أجد إلى الآن دليلاً يدل على ثبوته من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا استدلال بل أجمع المسلمون أنه لم يوجد في القرون المفضلة. الشوكاني
أول من أَحدث الموالد هم الفاطميون في القرن الرابع لإفساد الدين فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوى ومولد على وفاطمة والحسن والحسين والخليفة الحاضر.
ومقصودهم من هذه الموالد الستة استغفال العوام ليتمكنوا من نشر مذهبهم الإسماعيلي الباطني وعقائدهم الفاسدة بين الناس وإبعادهم عن دين الله.
وعملوا المولد النبوي وموالد أهل البيت وأقاموا الموائد وأحسنوا إلى الفقراء خبثا ودسيسة على أهل الإسلام لاستمالة قلوب العوام ومن لا دراية لهم بدينهم.
فمن جاء ينكر فما ينكر؟ ينكر إطعام الطعام أم الصدقة أم تلاوة القرآن أم مدح الرسول وإظهار حبه؟! فلما حاربوا السنة انفسح لهم المجال لنشر البدعة.
ومن اطلع على مكرهم لم يستطع الإنكار لما ينتظره من القمع والتعذيب وشيئاً فشيئاً راجت البدعة واعتادها الناس وتعلقوا بها لما حفّها من الترغيب والترهيب.
فالعبيديون الروافض هم مَن فتح باب الاحتفالات البدعية على مصراعيه حتى إنهم كانوا يحتفلون بأعياد المجوس والنصارى لبعدهم عن الإسلام ومحاربتهم له.
والمولد وسيلة للغلو والشرك، ووسيلة للغلو في الأنبياء والصالحين، فإنهم قد يعظمونهم بالغلو والمدائح، التي فيها الشرك بالله، الشرك الأكبر.
لم يحتفل عليه الصلاة والسلام بمولده ولا الخلفاء من بعده ولو كان خيرا لسبقونا إليه إنما أحدثه الرافضة الفاطميون ثم تابعهم بعض المسلمين جهلا منهم.
وينبغي أن نعلم جيدا أننا عبيد مأمورون لا مشرعون علينا أن نمتثل أمر الله وعلينا أن ننفذ شريعة الله. وليس لنا أن نبتدع في ديننا ما لم يأذن به الله.
إن الاحتفال بالموالد عادة نصرانية فالنصارى هم من يحتفل بأعياد الميلاد وانتقلت هذه العادة إلينا لما ضعف تمسكنا بديننا وفشا فينا التشبه بأعدائنا
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: ذكرى المولد شيء محدث في الدين لا أصل له في صدر هذه الأمة. وتعظيم وقت أو مكان معين وتمييزه على ما عداه باطل .
ولو كانت هذه الاحتفالات خيراً لكان السلف الصالح أحق بها منا فإنهم كانوا أشد منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم على الخير أحرص .
وقد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف عظموا أئمتهم بالاحتفالات دون ترسم مسالكهم المستقيمة .
قال الشيخ رشيد رضا: من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر أئمة الدين والدنيا حال ضعفهم لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه فيعملونه بدلا مما يجب عليهم .
قال ابن الحاج العبدري: انظر رحمك الله إلى مخالفة السنة ما أشنعها وأقبحها وكيف تجر إلى المحرمات. فإنهم لما خالفوا السنة وفعلوا المولد لم يقتصروا على فعله .
بل زادوا عليه من الأباطيل المتعددة فالسعيد السعيد من شد يده على امتثال الكتاب والسنة والطريق الموصلة إلى ذلك وهي اتباع السلف الماضين .
لأنهم أعلم بالسنة منا إذ هم أعرف بالمقال وأفقه بالحال. وكذلك الاقتداء بمن تبعهم بإحسان وليحذر من عوائد أهل الوقت وممن يفعل العوائد الرديئة .
واتباع السلف أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه لأنهم أشد الناس اتباعاً ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم * والمنكِرون لكل أمر منـــكَر
أبُنَيّ إن من الرجـال بهيمةً * في صورة الرجل السميع المبصر
*
فَطِنٌ بكل مصيبة في ماله * فإذا أصيب بدينه لم يشعر
فَسَلِ الفقيه تكن فقيها مثله * من يسع في علم بلُبٍّ يَظفرِ
مع اختلاف الناس في مولده فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه ولو كان خير السبق السلف إليه فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله .
وإنما كمال محبته في متابعته وطاعته وإحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين .
وأكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع تجدونهم فاترين في أمر الرسول وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه أو يقرأ فيه ولا يتبعه .
وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة التي لم تشرع ويصحبها من الاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها ابن تيمية .
ليلة المولد ليست معلومة على الوجه القطعي وحينئذ فالاحتفال بها ليلة 12ربيع أول لاأصل له من الناحية التاريخية ومن الناحية الشرعية فالاحتفال بدعة .
وهذا الاحتفال إن كان من كمال الدين فلابد أن يكون موجودا قبل موت الرسول عليه السلام وإن لم يكن من كمال الدين فإنه لا يمكن أن يكون من الدين.
ولو كان خيرا ما حرمه الله تعالى سلف هذه الأمة وفيهم الخلفاء الراشدون والأئمة وما كان الله ليحرم سلف الأمة الخير ثم يمن به على أهل الرفض.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فأما ما اتفق السلف على تركه فلا يجوز العمل به لأنهم ما تركوه إلا على علم أنه لا يُعمل
الاحتفال بالمولد بدعة ومدعاة للإطراء والغلو في حق النبي عليه السلام وفيه تشبه بالنصارى الذين يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام.
إذا كان كما يقولون عن المولد أنه إظهار الشكر لله بإظهار السرور في هذا اليوم فلماذا لم يقم بهذا الشكر أحد من الصحابة أو التابعين أو الأئمة؟
بل كمال محبة رسول الله وتعظيمه في متابعته واتباع أمره واجتناب نهيه وإحياء سنته ظاهراً وباطناً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان.
لم يثبت عن رسول الله الاحتفال بيوم ميلاده ولا ثبت عن خلفائه الراشدين ولاعن صحابته الكرام وهم الذين يفدونه بأنفسهم ولو كان مشروعا ما خفي عليهم .
إذا كان في الاحتفال بالمولد دعاء غير الله فهي بدعة مكفرة أما إذا كان مجرد اجتماع لقراءة القرآن أو أكل الطعام فهذه بدعة صاحبها لا يكفر.
هل يجوز أكل اللحم الذي يذبح لمولد النبي وغيره من الموالد؟ جـ: ما ذبح في مولد نبي أو ولي تعظيما له فهو مما ذبح لغير الله وذلك شرك فلا يجوز الأكل منه.
الذبائح التي تكون في المولد: إن كان ذبحها لصاحب المولد فهذا شرك أكبر وإن كان ذبحها للأكل فينبغي ألا يؤكل منها ولا يحضر إلا للإنكار عليهم.
في يوم المولد النبوي نعمل وجبة إفطار ونقوم بتوزيعها على الجيران ونهنئ الجيران والأقرباء؟ جـ: الاحتفال بإهداء الطعام والتزاور في هذا اليوم بدعة.
ما حكم الصلاة خلف إمام يحتفل بالمولد النبوي؟ الجواب: إذا كان لا يفعل أو يقول في المولد ما يقتضي الكفر فإن الصلاة خلفه صحيحة لأن بدعته غير مكفرة .
وإن كان يقول ويفعل ما يقتضي الكفر مثل أن يدعو الرسول أو يصفه بما لا يكون إلا لله فإن الصلاة خلفه لا تصح لأنه لا تصح صلاته فلا يصح أن يكون إماماً.
شراء حلوى المولد في زمن الاحتفال به فيه نوع من الإعانة والترويج له بل فيه نوع من إقامة العيد، وهذا لا ينبغي.
إذا ثبت أن الاحتفال بالمولد بدعة فعليك بالابتعاد عن المشاركة فيه بأي وجه فلا تشارك أهله بالجلوس معهم على موائدهم أو أكل الحلويات التي يوزعونها .
وغار حراء الذي ابتدئ فيه بنزول الوحي وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده ولا أصحابه بعد النبوة ولا خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرها .
ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك .
قالوا: الاحتفال بالمولد من شكر الله على أعظم نعمة حصلت للعالمين. فنقول: الشكر يكون بالعبادة ولا يكون بالطبل والرقص والاختلاط المحرم
فنقول: إذا سلمنا بحصول ذلك كله فأين كان النبي وصحبه عن كرامته؟ هل غاب عنهم فضل ذلك اليوم واحتجزه الله عنهم حتى خصكم أنتم به فمنّ به عليكم؟!
ويقال للمخالف: من أولى بالنبي الخلفاء الراشدون أم أنتم؟ فلماذا لم يسنوا هذه السنة الحسنة بزعمكم فيكون لهم أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة .
فمن اتهم الذين لا يقيمون الموالد بالإساءة فقد اتهم الصحابة بالإساءة. ومن اتهم الذين لا يقيمون الموالد بالتقصير فقد اتهم الصحابة بالتقصير
ومن الفرية في العلم فساد القياس وتصور المسلّمات والأولويات في المشهورات التي لم يتعلق بها حكم شرعي ولو تعلق بها لتوافرت الهمم والدواعي على نقله .
فلما انعدم الدليل لديهم في هذا الأمر المشهور احتاجوا إلى أن يستدلوا على بدعتهم بشيء روي في حق كافر مذكور باسمه في القرآن بالذم، وهذا من العجب .
لقد ضل الناس حين اتبعوا طائفتين: طائفة غنوا ورقصوا لفرحهم برسول الله وتركوا العمل، وأخرى صاحوا ولطموا لحزنهم لمقتل ابن رسول الله وتركوا العمل .
ولذلك فإن من شبههم التي استندوا إليها قولهم: إن الفرح به صلى الله عليه وسلم مطلوب مأمور به لقوله تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا
فيقال في ذلك ما قد قيل من قبل: فأنتم إذاً أشد فرحاُ برسول الله صلى الله عليهم وسلم وأعلم بتأويل القرآن من الصحابة الذين لم يحتفلوا بمولده ولو مرة .
قال بن عبد الهادي: لا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه لأنه يتضمن أنهم جهلوا الحق وضلوا عنه واهتدى إليه هذا المستأخر .
وقد ذكر المؤرخون أن السماط كان يُمدّ في المولد ويوضع عليه خمسة آلاف رأس مشوي وعشرة آلاف دجاجة ومائة ألف زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى .
وجاء في وصف للمولد في العصر الحديث: أما الغواني فقد أكرهتهن الحكومة على التوبة من الرقص وغيره وكن في الموالد السابقة هن الأكثر اجتذابا للمتفرجين!
تلك كانت احتفالاتهم ولازالت: على همّ بطونهم وقضاء شهواتهم بدعوى حب النبي والفرح به! وليس الشأن أن تزعم أنك تحبه ولكن الشأن أن تثبت ذلك بالعمل .
فالفعل بدعة والفاعل: إما صادق الحب جاهل بالحكم أو عامي جاهل لا فهم له ولا معنى أو رافضي حاقد أو صوفي خبيث الطوية أو سفيه مستأكل أو ماجن فاسق
وعادة هذه الاحتفالات أنها لا تخلو من الشرك الأكبر كالاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم ودعائه من دون الله! فاللهم اشهد أنا برءاء منهم ومما يعملون .
محمد صالح المنجد
أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.
- التصنيف:
- المصدر: