إذا أردت الراحة والسعادة فابدأ بنفسك
هبة حلمي الجابري
نريد أن نخرج من دائرة فلسفة حطب النار التي يلقي فيها الكل باللوم على الآخرين وينسى نفسه، كن أنت الفاعل ولا تكن ردة الفعل.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
لطالما آلمتني تلك العيون الذابلة والقلوب المُمُزقة والأصوات المعذبة، كلما سرتُ في طريق أو تكلمتُ مع صديق، أشعر بها بين السطور حين أقرأ، وبين الكلمات والتنهيدات حين أسمع، تشكي سوء معاملة من قد يكون أقرب الناس إليها، ومن كانت تنتظر منه السند، من كانت تظنه الصدر الحاني الذي يربِّت على ظهرها وقت حاجتها إليه، بل قبل أن تحتاج إليه.
يرسمون في خيالهم - بريشة العاجز - ذلك البطل الخارق الذي ينقذهم وينتشلهم من براثن أحزانهم، يعيد لهم حقهم، وينتقم ممن خذَلهم، ويُلوِّن حياتهم بألوان السعادة والبهجة، ولكن للأسف لا يأتي ذلك البطل!
ينتظرون أمرًا غير عادي يغيِّر واقعهم، ويُصلح حال الناس ونفوسهم وأخلاقهم؛ فيعيشون في سلام ووئام، ويمشون في جنة على الأرض!
نعلم ونوقن أننا في زمن القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر؛ قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.
زمن يشعر فيه المتمسك بتعاليم الإسلام وأخلاقه بغربة، فقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء» [رواه مسلم] ، وزاد جماعة من أئمة الحديث في رواية أخرى: «قيل: يا رسول الله، مَن الغرباء؟» «قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس» .
زمن اختلطت فيه المبادئ وتاهت القيم بين تلال من المفاهيم المجتمعية المشوهة والتربية الخاطئة، والفهم الخاطئ للدين، وأهواء النفوس البعيدة عن تعاليم الإسلام وشرعه.
فلماذا العجب والحيرة والتخبط؟
هذا واقع أخبرنا به المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإما أن تستسلم استسلام العاجز وترمي بالكرة في ملعب غيرك، وتقف موقف المتفرج المنتظر لما يحدث، وإما أن تتعامل تعامل المؤمن الفطن الموقن بوعد الله؛ يقول تعالى: ﴿ { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ﴾ [الرعد: 11].
فإذا أردت أن تغيِّر حياتك وواقعك ونفسيتك، وتبحث عن السعادة، فأنت البطل الذي يستطيع فعل ذلك، فحياتك لن تصبح أفضل بالصدفة، ولا تنتظر وتبني أحلامك بصلاح حالك على غيرك، إن الصحابة تغيروا أولًا، فغيروا العالم، فكن مثلهم وتغير حتى تغيِّر عالَمَك.
إن قلوب العباد ليست بيدك، ليس بيدك سلطة لتغيير الناس، ولا تستطيع أن تجبرهم على التغيير، وحتى لو فعلت عَنوة، فسيكون تغييرًا ظاهريًّا سَرعان ما يغلبه الطبع، لن تُجدي محاولات التغيير إلا إذا فتح الله لك أبواب قلوبهم وكان عن قناعة، فركز على ما تستطيعه - وهو تغيير نفسك - أولًا.
زوجك أو والدك أو والدتك أو أخوك أو مديرك، أو أيًّا من كان، هل ظلمك وأساء معاملتك؟ إذا عصى الله فيك فأطع الله فيه، هو سيحاسب على فعله وأنت ستحاسب على فعلك، فهوِّن عليك ما أنت فيه، ووفر طاقتك وصحتك التي تُفنيها في حزنك وغضبك، وكيفية الثأر لنفسك، فتضيع أجمل أيام العمر في مشاعر سلبية لا تحل المشكلة ووجِّهها توجيهًا إيجابيًّا، وغير رؤيتك من محاولة تغييره إلى تغيير نفسك، وسيغير الله حتمًا ما في قلبه في يوم من الأيام، إن التحدي الحقيقي هو أن تغير نفسك قبل أن تطلب من الآخرين تغيير أنفسهم.
نريد أن نخرج من دائرة فلسفة حطب النار التي يلقي فيها الكل باللوم على الآخرين وينسى نفسه، كن أنت الفاعل ولا تكن ردة الفعل.
ولكن ما التغيير المطلوب؟ هل هو تغيير باللسان فقط؟ الكل يحسن الكلام عن التغيير، ولكن قليلون هم من يرون أنهم بحاجة إلى التغيير، والأقل من يبدؤون بتغيير أنفسهم قبل دعوة الآخرين للتغيير؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « «يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع في عينه» » [رواه ابن حبان، وصححه الألباني].
والمعنى أنه يبصر عيب غيره وإن كان صغيرًا ويتحدَّثُ به، ولا يُبصِر عيب نفسه الظاهر، مع أن العبد ينبغي عليه ألا ينشغل بذنوب العباد وينسى نَفْسه؛ لأنه سَيُسأل عما قدم لنفسه، وقد يكون التغيير المطلوب لتستقيم حياتك يسيرًا، فيكفي أن تفهم شخصية من أمامك، تعرف ما يحب وما يكره ميوله وأفكاره وتتعامل معه على أساسها، فإذا كنت تحب السكر وجاءك ضيف لا يحب إضافة الكثير منه، هل من الكرم أن تضيف له كمية كبيرة من السكر لأنك تحبه؟ وأحيانا يحتاج التغيير إلى مجهود ومشقة وطريق طويل، لكن النتيجة المرجوة تستحق ذلك التعب؛ فضعها أمامك وسِرْ نحوها بخطوات حثيثة وكن متفائلًا مُحسنًا الظنَّ بربك؛ قد يستجيب من أمامك بسرعة وقد يقاوم ذلك التغيير في البداية، فلا تيئَس واصبر فالثمرة تحتاج إلى وقت لتنضج.
وإذا جاء التغيير بغير ما تمنَّيت؛ فانتبه واجعل من نفسك عليك رقيبًا، فلعلك انطلقت نحو التغيير ولكن في اتجاه خاطئ، فعدِّل مسارك وعُد مسرعًا، واعلم أنك ما دمت قد أخذت بالأسباب، فلن يضيعك الله أبدًا، وسيعينك وسيكتب لك الخير حيث كان - حتى لو كان على غير ما ترجو - وتذكر قول الله تعالى: ﴿ {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ﴾ [البقرة: 216].
ولا تفتح للشيطان أبواب تثبيطك، يقف في طريقك؛ ليثنيك متعللًا بلماذا يجب أن أتغيِّر أنا وهو لا؟! أين كبريائي وكرامتي؟! هكذا أكون قد هزمت! وغيرها من الأفكار التي تجعلك تقاوم ذلك التغيير.
استعذْ بالله من وساوس الشيطان وذكِّر نفسك بأنك من تريد رضا الله، ذكِّرها بأنك تريد أن تفوز في مضمار السباق إلى الجنة ( {سابقوا} ) و( {سارعوا} )، ولا يهمك ردة فعل من أمامك، ولكن ما يهمك أن تلقى الله وقد أخذت بالأسباب، وسعيت للإصلاح، وبحثت عن السعادة والراحة لنفسك، فما أعظم أن تصل للسلام النفسي رغم كل المنغصات.
كونك تبحث عن حل لمشكلتك، فتلك أُولى خطوات الإيجابية، فأمسك بذلك الخيط ولا تُفلته، فلعل حلها يبدأ من عندك، حتى وإن كانت بقية خيوط الحل المتشابكة في يد صاحبك، فلا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ويكون خيطك سببًا لفك ذلك التشابك، فليس من الضروري أن نعيش حياة خالية من المشاكل والمنغصات، بل روعة العيش فى الرضا ومحاولة التغلب على الصعاب وقهرها.
إذا أردت الراحة والسعادة، فابدأ بنفسك؛ غيِّر من أفكارك ورؤيتك للأمور، وانطلق، فلعل راحتك بين يديك أو تحت قدميك وأنت لا تدري؛ لأنك تبحث عنها بين أيادي وأقدام غيرك.
فما أجمل أن تغير من نفسك بالفعل، ولكن قبلها عليك أن تغير من أفكارك ونظرتك للأمور؛ لتستريح وتعيش الطمأنينة والرضا؛ فهذا ابن تيمية رحمه الله يعلنها صريحة: «ماذا يصنع أعدائي بي، إن سعادتي في قلبي أينما ذهبت فهي معي، فسجني خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة».
انفُض عن نفسك غبار الحزن، وفكَّ قيود السلبية، وانطلِق نحو سماء التغيير الرحب؛ لتفوز بوعد الله بتغيير حالك بعد أن غيَّرت من نفسك.