اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع (12)
" إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه كي يطهر هذا الإناء يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب، هذا عند الحنابلة والشافعية .. فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان [منظف كانوا يستعملونه قديماً] والصابون ونحوهما، أو غسله غسلة ثامنة، فالأصح أنه لا يجزئ، لأنه طهارة أمر فيها بالتراب تعبدا، ولذا لم يقم غيره مقامه .
{بسم الله الرحمن الرحيم }
قال ابن عبد البر رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم: ( «كل إهاب دبغ فقد طهر» ) قد دخل فيه كل جلد، إلا أن جمهور السلف أجمعوا على أن جلد الخنزير لا يدخل في ذلك ".
وقال رحمه الله – أيضاً -: " وَأَمَّا قَوْلُهُ: ( «أَيُّمَا إِهَابٌ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» ) فَإِنَّمَا يَقْتَضِي جَمِيعَ الْأُهُبِ، وَهِيَ الْجُلُودُ كُلُّهَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَاءَ فِي ذَلِكَ مَجِيءَ عُمُومٍ، وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا منهَا ... وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى إِلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ، فَإِنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: (أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ)؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَجِلْدُهُ مِثْلُ لَحْمِهِ، فَلَمَّا لَمْ تَعْمَلْ فِي لَحْمِهِ وَلَا فِي جِلْدِهِ الذَّكَاةُ، لَمْ يَعْمَلِ الدِّبَاغُ فِي إِهَابِهِ شَيْئًا".
والقول الثاني: أن الدباغة لا تطهر إلا جلد الحيوان الذي يؤكل لحمه، وأما الحيوان غير مأكول اللحم، فلا تطهر الدباغة جلده، وهذا هو مذهب الأوزاعي، ورواية عن الإمام أحمد، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في أحد قوليه .
واختار هذا القول: جمع من العلماء المعاصرين، كالشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين رحمة الله على الجميع .
واستدلوا بحديث سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ « أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ، قَالَتْ: مَا عِنْدِي إِلَّا فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ، قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا، قَالَتْ: بَلَى . قَالَ: (فَإِنَّ دِبَاغَهَا: ذَكَاتُهَا) » [رواه النسائي وصححه الدارقطني، والنووي، والألباني] .
" فَشَبَّهَ الدَّبْغَ بِالذَّكَاةِ؛ وَالذَّكَاةُ إنَّمَا تُعْمَلُ فِي مَأْكُولِ اللَّحْمِ" [المغني" لابن قدامة]
وتظهر ثمرة الخلاف في حكم الانتفاع بالأشياء المصنوعة من جلد حيوان غير مأكول اللحم، فمن يرى أن الدباغة تطهره يجيز الانتفاع بهذه الجلود، ومن يرى أن الدباغة لا تطهر جلود الحيوانات غير مأكولة اللحم لا يجيز الانتفاع بهذه الجلود، ولا الجلوس عليها ولا استعمالها .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما هو الضابط في استخدام الجلود وما يحل من ذلك وما يحرم ؟
فقال: " من المعلوم أن الجلود في السوق هي جلود مدبوغة، والجلود المدبوغة عند كثير من العلماء طاهرة، وإن كانت من حيوان نجس. والصحيح أنها ليست بطاهرة إذا كانت من حيوان نجس؛ لأن نجس العين لا يطهر لو غسل بماء البحر .
أما إذا كانت الجلود مما هو مباح الأكل ولكن لا تدري أنت هل هي جلود مذبوحة أو ميتة فلا يهمنك؛ لأنه حتى لو كانت جلود ميتة أو جلود حيوانٍ مذبوح على غير الطريقة الإسلامية فإنها إذا دبغت تكون طاهرة مثل بعض الفراء، تكون مبطنة بجلد من جلود الضأن الصغار، فنقول: البسها ولا حرج عليك، حتى لو فرض أنها من ميتة أو فرض أنها مما ذكي ذكاة غير شرعية؛ لأنه إذا دبغ فإنه يطهر" والحاصل:
أنه لا حرج في استعمال الأشياء المصنوعة من جلد الحيوان المأكول اللحم، وأما المصنوع من جلود السباع، فلا يجوز استعماله مطلقا. وأما ما صنع من جلد حيوان غير مأكول اللحم، فالأولى ترك استعماله؛ لقوة الخلاف فيه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: " ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم .
أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة، ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم؛ والأحوط ترك استعماله، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه» )، وقوله عليه الصلاة والسلام: ( «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» )".
تطهير نجاسة الكلب
من ذهب إلى نجاسة لعاب الكلب فإنه يوجب طهارة الثوب إذا مسه هذا اللعاب.
ويكون التطهير على الصفة الواردة في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، والأَوْلى أن يكون التراب في الأولى كما سبق في رواية مسلم.
قال النووي رحمه الله تعالى: "يستحب جعل التراب في الأولى، فإن لم يفعل ففي غير السابعة أولى، فإن جعله في السابعة جاز " [المجموع]
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى: "زيادة (أولاهن بالتراب) وقد رويت بلفظ (السابعة بالتراب) والأرجح الرواية الأولى كما قال الحافظ وغيره على ما بينته فى صحيح أبى داود، لكن يخالفها حديث عبد الله بن مغفل (وعفروه الثامنة).
وحديث أبى هريرة أولى لسببين:
- الأول: ورود هذه الزيادة عنه من طريقين.
- الثانى: أن المعنى يشهد له لأن ترتيب الثامنة يقتضى الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه " [ارواء الغليل]
واختلف العلماء هل يجب استعمال التراب أم يجوز أن يستعمل شيئاً آخر كالصابون أو غيره من المنظفات ؟
فمذهب الإمام الشافعي إلى أنه يجب استعمال التراب, ولا يجزئ استعمال غيره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم عيَّنَه وأمر به .
ومذهب الإمام أحمد أنه يجوز أن يستعمل غير التراب كالصابون ونحوه .
وجاء في «الموسوعة الفقهية»:
" إذا ولغ الكلب في إناء، فإنه كي يطهر هذا الإناء يجب غسله سبعا إحداهن بالتراب، هذا عند الحنابلة والشافعية .. فإن جعل مكان التراب غيره من الأشنان [منظف كانوا يستعملونه قديماً] والصابون ونحوهما، أو غسله غسلة ثامنة، فالأصح أنه لا يجزئ، لأنه طهارة أمر فيها بالتراب تعبدا، ولذا لم يقم غيره مقامه .
ولبعض الحنابلة: يجوز العدول عن التراب إلى غيره عند عدم التراب، أو إفساد المحل المغسول به. فأما مع وجوده وعدم الضرر فلا . وهذا قول ابن حامد " انتهى .
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: