اقتناء الكلاب والقطط في ضوء الشرع (16)
وقال ابن المنذر: "إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل، وإلا فجائز".
{بسم الله الرحمن الرحيم }
تربية القطط
يجوز اتخاذ الهرة في المنزل ولا حرج لأن الهرة ليست مؤذية، ولا نجسة .
أما كونها ليست مؤذية: فهذا معلوم لا يمارى فيه بل هي مفيدة بأكلها الحيات والجرذ والحشرات وغيرها التي قد تكون في المنازل أو ساحاتها .
وأما كونها غير نجسة: فلحديث كبشة بنت كعب بن مالك:
فعَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ [وفي رواية:والد زوجها]- أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ، دَخَلَ فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَشَرِبَتْ مِنْهُ، فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ، قَالَتْ كَبْشَةُ: فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّهَا مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» ). [أبو داود]
** وعَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ، عَنْ أُمِّهِ، «أَنَّ مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي، فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا، فَجَاءَتْ هِرَّةٌ، فَأَكَلَتْ مِنْهَا، فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتِ الْهِرَّةُ، فَقَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ)، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا» [أبو داود]
وقوله (الطوافين) تشبيها بالخدم، فهي مع الناس في منازلهم وعند أوانيهم وأمتعتهم، لا يمكن أن يحترزوا منها.
حرج في حبس القطة الأنثى عن الذكور
إذا اعتنيت بالهرة من جهة المطعم والمشرب والعلاج، فلا حرج عليك في حبسها في بيتك وعدم السماح لها بالخروج منه إلا تحت ناظريك، سواء كان غرضك حجبها عن الذكور أم لا، إذ لا يجب على من يستأنس الحيوان الأليف أن يوفر له التزاوج من جنسه، وليس ذلك من المثلة ولا من التعذيب .
ويمكن أن يستدل على الجواز بحديث أَنَسٍ رضي الله عنه مرفوعا: ( «يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» ) نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ " رواه البخاري ومسلم
والنُّغَير: نوع من الطير. فدل الحديث على جواز حبسه، كما قال القاضي عياض رحمه الله : "
فيه جواز لعب الصبى بالطير الصغير، ومعنى هذا اللعب عند العلماء إمساكه له، وتلهيته بحبسه، لا بتعذيبه والعبث به " انتهى من " إكمال المعلم بفوائد مسلم "
ولازم الحبس حبسه عن التكاثر والتزاوج أيضا، فسكوت النبي صلى الله عليه وسلم، بل وإقراره، يدل على أن الحبس مع العناية بالطعام والشراب والعلاج ليس إثما ولا معصية، وإن أدى إلى قطع الحيوان عن جنسه .
يقول ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
"يجوز حبس الهر وإطعامه، ولا نظر لما في الحبس من العقوبة ؛ لأنها يسيرة محتملة، وكذا الطائر، وفي شرح التعجيز لابن يونس: أن القفص للطائر، كالإصطبل للدابة .
ودليل جواز حبسهما خبر البخاري وغيره ( «أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض» )؛ فأفهم أنها لو حبستها وأطعمتها: جاز، ولم تدخل النار بسببها .
وخبره أيضا: أنه صلى الله عليه وسلم (كان إذا دخل دار خادمه أنس بن مالك رضي الله تبارك وتعالى عنه لزيارة أمه رضي الله عنها يقول لولدها الصغير: يا أبا عمير ما فعل النغير) يمازحه عن طير كان يلعب به ويحبسه عنده " انتهى من " الفتاوى الفقهية الكبرى "
فظاهر حديث (الهرة) عدم اعتبار جانب التكاثر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر إلا الطعام .
ولا شك أن الأمر في حبس الإناث عن الذكور، ومنعها من التزاوج : أهون بكثير من تعقيمها، أو خصائها، والرخصة فيه أسهل وأقرب .
** وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( «عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ، فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ، لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا، إِذْ حَبَسَتْهَا، وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَرْضِ» ) [البخاري ومسلم] خشاش الأرض: حشرات الأرض وهوامها كالفأرة .
فهذا الحديث لم ينكر على المرأة أنها اتخذت هرة ولكنه بين أن إثم المرأة كونها لم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض .
وما سمي الصحابي الجليل أبو هريرة بهذا إلا لأنه كان يعطف على الهرر ويقتنيها، حتى اشتهر بهذه الكنية ونسي الناس اسمه حتى اختلف العلماء باسمه إلى قرابة ثلاثين قولاً. قال ابن عبد البر في «الاستيعاب»: والراجح أن اسمه عبد الرحمن بن صخر ولم يختلف أحد منهم أنه أبو هريرة .
ويجوز اقتناء الهرة، دون المبالغة والترف في العناية بها، ولكن لا يحل بيعها وشراؤها ولكن توهب هبة، وتعطى عطية، وذلك لحديث أبي الزبير قال سألت جابراً عن ثمن الكلب والسِّنَّوْرِ، قال: «زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك» . [رواه مسلم] السِّنَّوْرِ: الهر.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ» . [أبو داود وصححه الألباني]
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تضعيف هذه الأحاديث، ولكن قولهم مردود .
قال النووي في «المجموع»: "وأما ما ذكره الخطابي وابن المنذر أن الحديث ضعيف فغلط منهما، لأن الحديث في صحيح مسلم بإسناد صحيح".
وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» رداً على الجمهور الذين حملوا النهي في الحديث على كراهة التنزيه، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق والمروءات، فقال: " ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضٍ " .
وقال البيهقي في «السنن» رداً على الجمهور أيضاً: " وقد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوماً بنجاسته، ثم حين صار محكوماً بطهارة سؤره حل ثمنه، وليس على واحد من هذين القولين دلالة بينة ".
وجزم ابن القيم بتحريم بيعه في «زاد المعاد» وقال: " وكذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه وهو مذهب طاووس ومجاهد وجابر بن زيد وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو الصواب لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه فوجب القول به ".
وقال ابن المنذر: "إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل، وإلا فجائز".
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه كما سبق في صحيح مسلم .
وجاء في «فتاوى اللجنة الدائمة»:
" لا يجوز بيع القطط والقردة والكلاب وغيرها من كل ذي ناب من السباع لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وزجر عنه ولما في ذلك من إضاعة المال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ".
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: