الوليد بن عبد الملك
جلال الدين السيوطى
قال الذهبي: أقام الجهاد في أيامه، وفتحت فيها الفتوحات العظيمة، كأيام عمر بن الخطاب.
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
الوليد بن عبد الملك (1)، أبو العباس، قال الشعبي: كان أبواه يترفانه، فشب بلا أدب.
قال روح بن زبناع: دخلت يومًا على عبد الملك -وهو مهموم- فقال: فكرت فيمن أوليه أمر العرب، فلم أجده، فقلت أين أنت من الوليد؟ قال: إنه لا يحسن النحو، فسمع ذلك الوليد، فقام من ساعته، وجمع أصحاب النحو، وجلس معهم في بيت ستة أشهر، ثم خرج وهو أجهل مما كان، فقال عبد الملك: أما إنه قد أعذر.
وقال أبو الزناد: كان الوليد لحانًا، قال على منبر المسجد النبوي: يا أهلُ المدينة.
وقال أبو عكرمة الضبي؟ قرأ الوليد على المنبر: يا لَيْتُها كانت القاضية، وتحت المنبر عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك، فقال سليمان: وددتها والله.
وكان الوليد جبّارًا، ظالِمًا.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن شوذب قال: قال عمر بن عبد العزيز -وكان الوليد بالشام، والحجاج بالعراق، وعثمان بن جبارة بالحاجز، وقرة بن شريك بمصر-: امتلأت الأرض والله جورًا (2).
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن إبراهيم بن أبي زرعة، أن الوليد قال له: أيحاسب الخليفة؟ قال: يا أمير المؤمنين، أنت أكرم على الله أم داود؟ إن الله جمع له النبوة والخلافة ثم توعده في كتابه فقال: {يَا دَاوُود} الآية [ص: 26] ،
لكنه أقام الجهاد في أيامه، وفتحت في خلافته فتوحات عظيمة، وكان ذلك يختن الأيتام، ويرتب لهم المؤدبين، ويرتب للزمني من يخدمهم، وللأضراء من يقودهم، وعمر المسجد النبوي ووسعه، ورزق الفقهاء والضعفاء والفقراء، وحرم عليهم سؤال الناس، وفرض لهم ما يكفيهم، وضبط الأمور أتم ضبط.
وقال ابن أبي عبلة: رحم الله الوليد وأين مثل الوليد؟ افتتح الهند والأندلس، وبنى مسجد دمشق، وكان يعطيني قطع الفضة أقسمها على قراء مسجد بيت المقدس.
ولي الوليد الخلافة بعهد من أبيه في شوال سنة ست وثمانين، ففي سنة سبع وثمانين شرع في بناء جامع دمشق، وكتب بتوسيع المسجد النبوي وبنائه، وفيها فتحت بيكند، وبخارى، وسردانية، ومطمورة، وقميقم، وبحيرة الفرسان عنوة، وفيها حج بالناس عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فوقف يوم النحر غلطًا، وتألم لذلك.
وفي سنة ثمانٍ وثمانين فتحت جرثومة، وطوانة.
وفي سنة تسع وثمانين فتحت جزيرتا منورقة وميورقة.
وفي سنة إحدى وتسعين فتحت نسف، وكش، وشومان، ومدائن وحصون من بحر أذربيجان.
وفي سنة اثنتين وتسعين فتح الأندلس بأسره، ومدينة أرامبيل وقتربون.
وفي سنة ثلاث وتسعين فتحت الديبل، وغيرها ثم الكرخ، وبرهم، وباجة، والبيضاء، وخوارزم، وسمرقند، والصغد.
وفي سنة أربع وتسعين فتحت كابل، وفرغانة، والشاش، وسندرة، وغيرها.
وفي سنة ست وتسعين فتحت طوس، وغيرها، وفيها مات الخليفة الوليد في نصف جمادى الآخرة، وله إحدى وخمسون سنة.
قال الذهبي: أقام الجهاد في أيامه، وفتحت فيها الفتوحات العظيمة، كأيام عمر بن الخطاب.
قال عمر بن عبد العزيز: لما وضعت الوليد في لحده إذا هو يركض بين أكفانه، يعني ضرب الأرض برجله.
ومن كلام الوليد: لولا أن الله ذكر آل لوط في القرآن ما ظننت أن أحدًا يفعل هذا.
مات في أيام الوليد من الأعلام: عتبة بن عبد السلمي، والمقدام بن معد يكرب، وعبد الله بن بشر المازني، وعبد الله بن أبي أوفى، وأبو العالية، وجابر بن زيد، وأنس بن مالك، وسهل بن سعد، والسائب بن يزيد، والسائب بن خلاد، وخبيب بن عبد الله بن الزبير، وبلال بن أبي الدرداء، وسعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن جبير شهيدًا، قتله الحجاج لعنه الله، وإبراهيم النخعي، ومطرف، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، والعجاج الشاعر، وآخرون.
__________
1 تولى الخلافة 86 وحتى 69هـ.
2 أخرجه أبو نعيم في الحلية "309/5".