فوائد من كتاب الوابل الصيب (4-4)
فوائد من كتاب الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيم
بسم الله الرحمن الرحيم
التاسعة والثلاثون: أن في القلب قسوةً لا يُذيبها إلا ذكر الله تعالى, فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى...لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة, فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار.
الأربعون: أن الذكر شفاء القلب ودواؤه, والغفلة مرضه, قال مكحول: ذكر الله تعالى شفاء, وذكر الناس داء.
الحادية والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها, والغفلة أصل معاداته وأُسُّها, فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه فيواليه, ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه ويعاديه.
الثانية والأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله عز وجل واستُدفعت نقمه بمثل ذكر الله تعالى, فالذكر جلاب للنعم, دفاع للنقم.
الثالثة والأربعون:أن الذكر يوجب صلاة الله عز وجل وملائكته على الذاكر ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح وفاز كل الفوز قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّـهَ ذِكْرًا كَثِيرً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [ الأحزاب:41-43] فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هي على الذاكرين له كثيراً.
الرابعة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة في الدنيا فليستوطن مجالس الذكر, فإنها رياض الجنة.
الخامسة والأربعون:أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكراً لله عز وجل, فأفضل الصُّوَّام أكثرهم ذكراً لله عز وجل في صومهم, وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وأفضل الحجاج أكثرهم ذكراً لله عز وجل, وهكذا سائر الأعمال.
السادسة والأربعون: أن ذكر الله عز وجل من أكبر العون على طاعته, فإنها يُحببها إلى العبد, ويُسهلها عليه, ويُلذذها له, ويجعل قرة عينه فيها, ونعيمه وسروره بها, بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل, والتجربة شاهدة بذلك.
السابعة والأربعون: أن ذكر الله يُسهل الصعب ويُيسر العسير ويُخفف المشاق, فما ذكر الله عز وجل على صعب إلا هان وعلى عسير إلا تيسر, ولا مشقة إلا خفت, ولا شدة إلا زالت ولا كربة إلا انفرجت فذكر الله تعالى هو الفرج..بعد الغم والهم
الثامنة والأربعون: أن ذكر الله تعالى يُذهب عن القلب مخاوفه كلها, وله تأثير عجيب في حصول الأمن, فليس للخائف الذي اشتد خوفه أنفع من ذكر الله عز وجل, فإنه بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه..والغافل خائف مع أمنِه.
التاسعة والأربعون: أن عُمال الآخرة في مضمار السباق, والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار, ولكن القتر والغبار يمنع من رؤية سبقِهم, فإذا انجلى الغبار وانكشف رآهم الناس وقد حازوا قَصَبَ السِّبق.
الخمسون: أن دُور الجنة تُبنى بالذكر, فإذا أمسك الذاكرُ عن الذكر أمسكت الملائكة عن البناء.
الحادية والخمسون: أن الملائكة تستغفر للذاكر كما تستغفر للتائب.
الثانية والخمسون: أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق, فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل, قال الله عز وجل في المنافقين: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّـهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142] قال كعب: من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق.
الثالثة والخمسون: أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء, فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر, والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به, قال مالك بن دينار: ما تلذَّذ المُتلذِّذون بمثل ذكر الله عز وجل.
الرابعة والخمسون: أنه يكسو الوجه نُضرة في الدنيا, نوراً في الآخرة, فالذاكرون أنضر الناس وجوهاً في الدنيا, وأنورهم في الآخرة.
الخامسة والخمسون: أن في دوام الذكر في الطريق, والبيت, والحضر, والسفر, والبقاع, تكثير الشهود للعبد يوم القيامة, فإن البقعة, والدار, والجبل, والأرض تشهد للذاكر يوم القيامة.
السادسة والخمسون: وهي التي بدأنا بذكرها, وأشرنا إليها إشارة, فنذكرها ها هنا مبسوطة لعظيم الفائدة بها, وحاجة كل أحدٍ, بل ضرورته إليها, وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد, وهم أعداؤه, فما ظنك برجل قد احتوشه أعداؤه المُحنقُون عليه غيظاً, وأحاطوا به, وكُل منهم يناله بما يقدر عليه من الشِّر والأذى ؟!
ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل.
فالشيطان لا يُحرزُ العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله عز وجل.
قراءة القرآن أفضل من الذكر:
قراءة القرآن أفضل من الذكر, والذكر أفضل من الدعاء, هذا من حيث النظر إلى كل كل منهما مجرداً, وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل.
الصلاة أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده:
لما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء, وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كُلّ من القراءة والذكر والدعاء بمفرده, لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.
أنواع الذكر:
الذكر نوعان:
أحدهما: ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته, والثناء عليه بها, وتنزيهه وتقدسيه عما لا يليق به تبارك وتعالى.
وهذا أيضاً نوعان: أحدهما: إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر, وهذا النوع هو المذكور في الأحاديث, نحو: ( سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر ) فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء, وأعمُّهُ, نحو: ( سبحان الله عدد خلقه ) فهذا أفضل من قولك: ( سبحان الله ) وقولك: ( الحمد عدد ما خلق في السماء, وعدد ما خلق في الأرض, وعدد ما بينهما, وعدد ما هو خالق ) أفضل من مجرد قولك: (الحمد لله) الثاني: الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته, نحو قولك: ( الله عز وجل يسمع أصوات عباده, ويرى حركاتهم, ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم, وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم, وهو على كل شيء قدير, وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته الواجد, ونحو ذلك.
النوع الثاني من الذكر: ذكر أمره ونهيه وأحكامه, وهو أيضاً نوعان:
أحدهما: ذكره بذلك إخباراً عنه بأنه أمر بكذا, ونهى عن كذا, وأحب كذا, وسخط كذا, ورضي كذا.
والثاني: ذكره عند أمره فيُبادر إليه, وعند نهيه فيهرُبُ منه.
فذكر أمره ونهيه شيء, وذكره عند أمره ونهيه شيء آخر, فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر فذكره أفضل الذكر, وأجلُّه, وأعظمه فائدة..ومن ذكره سبحانه وتعالى: ذكرُ آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه, ومواقع فضله على عبيده.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: