مواعظ من بستان الواعظين (3-3)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
مواعظ من بستان الواعظين ورياض السامعين لابن الجوزي
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
مجلس في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
اجتهدوا بنا يا معاشر الإسلام في الصلاة والسلام على محمد خير الأنام, فعسى أن يشفعه فينا يوم تشقق السماء بالغمام...وأكثروا من الصلاة على حبيبكم محمد في جميع الأوقات, والأحايين والساعات, عسى الله أن يخلصكم من الأهوال والآفات, والعذاب والعقوبات, ويدخلكم الجنات العاليات, يوم تبدل الأرض والسموات.
عباد الله تمسكوا بالصلاة على شفيع المذنبين يوم قيام الساعة.
معشر المسلمين تحصنوا من عذاب النار, وخففوا عن ظهوركم ثقل الأوزار, بكثرة الصلاة على النبي المختار.
صلوا رحمكم الله على النبي الرفيع, والحبيب الشفيع, أكرم من ولد, وأعز من فقد.
عباد الله طيّبوا مجالسنا بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أعوذ بالله من اللئيم البخيل.الذي يبخل بالصلاة على رسول الملك الجليل, الذي خصّه الله بالكرامة والتفضيل, وائتمنه على الإيضاح عن بيان التأويل في جميع التنزيل....نعوذ بالله من لسان جامد عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم رسول الملك الماجد, العزيز الفرد الصمد الواحد...فما خلق الله تعالى أعجز ولا أبخل ممن يسمع ذكر محمد النبي الفاضل الزكي, ولا يصلى عليه, صلى الله عليه وسلم.
طوبى لمن رزق لساناً رطباً بذكر الله, والصلاة على محمد رسول الله, طوبى لمن رزقه مولانا لساناً مشغولاًُ بذكر الإله الكريم, وبالصلاة الرؤوف الرحيم.
المسبحون الله جل جلاله بالمساجد:
وصف الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه الرجال الذين يسبحون له بالمساجد, فقال تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا } يعني المساجد, { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ} [النور:36-37]
كيف تلهيهم تجارة أو بيع عن ذكر الله ؟ وتجارتهم مع الله رابحة, ومحاسنهم لذوي الألباب لائحة, ثناؤهم عطر الأنام, فهم بين الناس كالأعلام.
من اقتدى بهم تجنب الآثام والذنوب, وأقلع عن القبائح والعيوب, وبلغ من رحمة مولاه المنى والمرغوب, وبهم يتوصل إلى غاية المحبوب.
رجال تفكروا في العظمة والجبروت, واستقاموا على عبادة الحي الذي لا يموت,..تأسوا بسيد المرسلين, وعملوا أعمال الصالحين, واتبعوا سيرة المؤمنين.
رجال أقلقهم خوف الوعيد, تجنبوا الفواحش والآثام, ليلهم قيام, ونهارهم صيام, يطلبون رضا ذي الجلال والإكرام.
رجال كحلوا أعينهم بالسهر, وغضوا عما لا يحل من النظر, وشغلوا خواطرهم بالفكر, وأشغلوا قلوبهم بالعبر.
رجال لزموا مساجد الرحمن, وجالت قلوبهم في علوم القرآن, وما واعدهم وتواعدهم به الماجد الديان.
رجال قد نحلت منهم الأبدان..خوف العذاب والنيران, وشوقاً إلى نعيم الجنان.
رجال صحبوا القرآن بحسن العمل, ولم يغتروا بطول الأمل, ونصبوا لأعينهم تقريب الأجل, وسمت هممهم..واشتاقت نفوسهم إلى الملك الأعلى الأجل.
رجال إذا نظروا اعتبروا, وإذا سكتوا تفكروا, وإذا ابتلوا استرجعوا, وإذا جُهل عليهم حلموا, وإذا علموا تواضعوا, وإذا عملوا رفقوا, وإذا سئلوا بذلوا.
رجال قد عملوا بالسنة والكتاب, ونطقوا بالحكمة والصواب, حاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب, وخافوا من عقوبة رب الأرباب.
رجال رضوا من الدنيا بالقليل, فأزمعوا إلى الآخرة بالتحويل, ورغبوا في ثواب الملك الجليل, وحنّوا إلى النعيم الدائم الجزيل.
رجال منعوا أنفسهم التسويف والتعليل, وأشفقوا من هول اليوم العبوس الثقيل, الهائل المنظر الطويل.
رجال ضحكوا جهراً من سعة رحمة الله, وبكوا سراً من خوف عذاب الله, هم بالغداة والعشي في بيوته الطيبة, يدعون بألسنتهم رغباً ورهباً, ويسألونه بأيديهم خفضاً ورفعاً, ويشتاقون إليه بقلوبهم غدواً وعشياً.
رجال مؤمنتهم على الناس قليلة, وعلى أنفسهم ثقيلة, يدبون على الأرض..بغير مرح, ولا ميل ولا ترح, يمشون بالسكينة والوقار.
رجال يعبدون الرحمن, ويتلون القرآن, ويشفقون من عذاب النيران, قد تجنبوا كل ربية وبهتان, ولم يأمنوا مكر الملك الديّان.
رجال المساجد مأواهم, والله جل جلاله معبودهم ومولاهم, تركوا المعاصي خوفاً من الحساب والسؤال, وبادروا إلى الطاعة وحسن الأعمال.
رجال تنزهوا عن الغي واللهو والمحال, وحادوا عن طريق كل مطرود بطال, وأشفقوا من عقوبة ذي المجد والجلال, وعملوا ليوم لا بيع فيه ولا خلال.
رجال تحولوا عن الدنيا تحويلاً, وبدلوها تبديلاً, ولم يشتروا بعهد الله ثمناً قليلاً, وعلموا أن وراءهم يوماً عبوساً هائلاً ثقيلاً.
رجال ينتظرون الخاتمة كيف تكون, أولئك أولياء الله الصالحون. {أُولَـئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]