مائة من عظماء أمة الإسلام غيروا مجرى التاريخ - (42) " البطل" (علي بن أبي طالب)
«لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
«لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»
(رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
إنه ابن عم محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وزوج ابنته فاطمة، وأخو جعفر بن أبي طالب، وابن خال الزبير ابن العوام، وابن أخ حمزة سيد الشهداء، وابن أخ العباس، وابن عم عبد اللَّه ابن العباس، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأبو الحسن والحسين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأول من أسلم من الصبيان، وبطل غزوة خيبر، وفدائي رسول اللَّه ليلة الهجرة، وأحد البدريين الـ 313، وأحد الصحابة الى 1400 الذين بايعوا بيعة الرضوان تحت الشجرة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين رشحهم الفاروق للخلافة، إنه وزير أبي بكر الصديق، ووزير عمر بن الخطاب، ووزير عثمان ابن عفان، وأحد أفراد قبيلة قريش العربية أشرف قبائل العرب، وأحد أبطال الصحابة الذين دمّر اللَّه على أيديهم دول الظلم والطغيان، إنه أحد أعظم أبطال التاريخ الإنساني عبر مختلف عصور الأرض، إنه تلميذ بيت النبوة، وخريج مدرسة محمد بن عبد اللَّه، إنه الإمام الفقيه، والأديب المفوه البليغ، إنه فدائي الإسلام العظيم، والبطل القوي الرحيم، العربي الشهم الكريم، إنه أسد اللَّه الغالب. . . . علي بن أبي طالب.
لن أبدأ الحديث عن أبي الحسن رضي اللَّه عنه وأرضاه من البداية التي يعرفها الجميع، فلقد بات أصغر طفلٍ من أطفال المسلمين يعرف قصة هذا الفدائي البطل الذي نام في فراش رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ليلة الهجرة، ولكنني سأبدأ الترجمة له من العام السابع للهجرة، وبالتحديد بعد صلح الحديبية مباشرةً، فلقد أراد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يؤدّب يهود "خيبر" الذين كانوا السبب الرئيسي لمعركة الأحزاب، فبعد معركة أحد طاف وفدٌ من قادة خيبر بالقبائل العربية لكي يحرضونهم على قتال المسلمين واستئصال شأفتهم إلى الأبد، فأصبح لزامًا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يؤدبهم على خيانتهم تلك، فخرج بالصحابة الـ 1400 أصحاب "بيعة الرضوان" الشهيرة نحو خيبر، وهناك قال للمسلمين: «لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فصار كل صحابي من الصحابة الكرام يتمنى أن يكون هو صاحب ذلك الشرف الكبير، وبات الصحابة يدوكون ليلتهم أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كلهم يرجون أن ينالوا ذلك الشرف، فقال رسول اللَّه: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ فقالوا: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه. فقال لهم: «فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ»، فأتي به، فبصق رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في عينيه، ودعا له فبرئ، حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فكان علي بن أبي طالبٍ رضي اللَّه عنه وأرضاه هو ذلك الرجل الذي يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله، وهو الذي فتح اللَّه به.
وفي "تبوك" أمّنه رسول اللَّه على أمهات المؤمنين وقال له: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيُّ بَعْدِي». ثم قبض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكان علي بن أبي طالب خير وزيرٍ لأبي بكرٍ الصديق -رضي اللَّه عنه-، ثم أصبح عليٌ وزيرًا لأخيه الفاروق من بعده، بل إن عليًا هو الذي منع عمر بن الخطاب من قيادة جيش "القادسية" بنفسه خوفًا على أخيه عمر بن الخطاب من أن يقتله الفرس المجوس غدرًا، ثم أصبح هذا الفدائي البطل وزير عثمان بن عفان رضي اللَّه عنه وأرضاه، وعندما قدم الإرهابيين لقتل خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قام هذا الفدائي كعادته، وربط عمامة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على رأسه، وحمل سيفه وانطلق نحو بيت عثمان بن عفان لكي يفديه بروحه بعد أن اصطحب ولديه الحسن والحسين و 700 من الصحابة ليذوذوا عن ذي النورين، إلّا أن عثمان وقف أمامهم وقال لهم: "أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله"، فما كان من علي وبقية أصحاب محمد إلّا أن استجابوا لأمر أمير المؤمنين، فقتل أولئك السفلة خليفة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ثم توجّهوا بعد ذلك إلى علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- يقولون له: نبايعك على الإمارة، فسبّهم علي -رضي اللَّه عنه- ورفض ذلك، وطردهم، فذهب هؤلاء القتلة من أهل الكوفة إلى الزبير بن العوام -رضي اللَّه عنه-، وطلبوا منه أن يكون أميرًا، ففعل معهم مثل ما فعل علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، فذهب القتلة من أهل البصرة إلى طلحة بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه وأرضاه وطلبوا أن يكون أميرًا، فرفض ذلك وردهم، فذهبوا إلى سعد بن أبي وقاص -رضي اللَّه عنه- ليكون الخليفة، فرفض هذا الأمر تمامًا، ودعا عليهم، وكان مستجاب الدعاء (فما مات أحدهم ميتةً طبيعة بعد ذلك)، فذهبوا إلى عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-، فرفض أيضًا، فولىّ أهل الفتنة أحد قتلة عثمان الإرهابي (الغافقي بن حرب) أميرًا على المدينة، واستمر الحال على هذا الأمر خمسة أيام، فخاف الصحابة أن يولي المنافقون القتلة أحدَهم لمنصب الخلافة، فيضيع بذلك الإسلام، فسارع الصحابةُ إلى علي -رضي اللَّه عنه- ونبّهوه لخطورة الموقف، وأن الإسلام مهدد، وأنه وحده من يمكنه إنقاذ الإسلام من أولئك السفلة، ووقالوا له: "إن لم تكن أميرًا، فسوف يجعلون الأمير منهم. أنت أحق الناس بهذا الأمر فامدد يدك نبايعك" وبعد شدٍ وجذبٍ أدرك علي -رضي اللَّه عنه- خطورة الموقف، فقبل الإمارة على مضض.
وبالرغم من أن عليًا قد أصبح خليفة للمسلمين، إلا أن الأمر لا زال بيد المتمردين الذين يحملون السلاح حتى هذه اللحظة، وهم أكثر عددًا، وعدّة من أهل المدينة. وفي هذا الوقت يذهب طلحة والزبير -رضي اللَّه عنهما- إلى علي -رضي اللَّه عنهما- بوصفه خليفة المسلمين ويقولان له: دم عثمان! فهما -رضي اللَّه عنهما- يريدان منه -رضي اللَّه عنه- أن يقتل من قتل عثمان -رضي اللَّه عنه-. فقال لهما: إن هؤلاء لهم مددٌ وعونٌ وأخشى إن فعلنا ذلك بهم الآن أن تنقلب علينا الدنيا.
وكان تفكير علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- أن ينتظر حتى تهدأ الأمور ويتملك زمامها جيدًا، وبعدها يقتل قتلة عثمان بعد محاكمتهم بشكل عادل، فلما سمع طلحة والزبير -رضي اللَّه عنهما- ذلك من علي -رضي اللَّه عنه-، قالا له: ائذن لنا بالعمرة، فأذن لهما، فتركا المدينة، وتوجها إلى مكة ومكثا فيها وقتًا. وفي هذا الوقت وصلت رسالة الصحابية نائلة بنت الفرافصة -رضي اللَّه عنها- إلى معاوية -رضي اللَّه عنهما- في الشام كما أسلفنا، فعلم بخبر قتل ابن عمه عثمان -رضي اللَّه عنه-، ووصله القميص، وأصابع وكف السيدة نائلة، وقالت له السيدة نائلة -رضي اللَّه عنها- في الرسالة التي بعثت بها إليه: إنك ولي عثمان بصفته ابن عمه، لذلك عرض معاوية على علي ابن أبي طالب أن يبايعه، واشترط عليه أن يأخذ بثأر عثمان -رضي اللَّه عنه-، وأن يقتص من قاتليه، وإن من لم يفعل ذلك، فقد عطّل كتاب اللَّه، ولا تجوز ولايته حينها! فكالت هذا اجتهاده -رضي اللَّه عنه-، ووافقه على هذا الاجتهاد مجموعة من كبار الصحابة، منهم قاضي قضاة الشام أبو الدرداء -رضي اللَّه عنه-، وعبادة بن الصامت -رضي اللَّه عنه- وغيرهما، والحقيقة أن هذا الأمر، وإن كان اجتهادًا، إلا أنهم قد أخطأوا في
هذا الاجتهاد، وكان الصواب أن يبايعوا عليًا -رضي اللَّه عنه-، ثم بعد ذلك يطالبوا بالثأر لعثمان -رضي اللَّه عنه- بعد أن تهدأ الأمور، ويستطيع المسلمون السيطرة على الموقف، لكن معاوية -رضي اللَّه عنه- كان على إصرار شديد على أن يأخذ الثأر أولًا قبل البيعة، حتى وإن أخذ علي -رضي اللَّه عنه-. الثأر بنفسه من القتلة فلا بأس، المهم أن يقتل القتلة، وقال معاوية -رضي اللَّه عنه-: إن قتلهم علي بايعناه!
فأرسل علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- إلى معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنه-. يحثّه على مبايعته لئلا يكون خارجًا عليه، لكن معاوية -رضي اللَّه عنه- يرى باجتهاده أن عدم الأخذ بثأر عثمان -رضي اللَّه عنه- مخالفة لكتاب اللَّه، وأن من خالف كتاب اللَّه لا تجوز مبايعته، ولم يكن في تفكير معاوية -رضي اللَّه عنه- خلافة، ولا إمارة كما يُشاع في كتب الشيعة، بل وفي كتب بعض أهل السنة الذين ينقلون دون تمحيص أو توثيق، فأرسل علي -رضي اللَّه عنه- ثلاث رسائل إلى معاوية -رضي اللَّه عنه- دون أن يرد معاوية، إلا أنه أرسل لعلي -رضي اللَّه عنه- رسالة فارغة، حتى إذا فتحها أهل الفتنة في الطريق لا يقتلون حاملها، ودخل حامل الرسالة على علي -رضي اللَّه عنه- مشيرًا بيده أنه رافض للبيعة، فقال لعلي -رضي اللَّه عنه-: أعندك أمان؟ فأمّنه عليّ -رضي اللَّه عنه-. فقال له: إن معاوية يقول لك: إنه لن يبايع إلا بعد أخذ الثأر من قتلة عثمان، تأخذه أنت، وإن لم تستطع أخذناه نحن.
فرفض ذلك علي -رضي اللَّه عنه-، وقال: إن معاوية خارجٌ عن الولاية، ومن خرج يُقاتَل بمن أطاع. فقرر -رضي اللَّه عنه- أن يجمع الجيوش، ويتوجه بها إلى الشام، وإن لم يبايع معاوية -رضي اللَّه عنه- يُقاتَل، وخالفه في ذلك ابنه الحسن -رضي اللَّه عنه- وعبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنه-، فقد قال الحسن -رضي اللَّه عنه-: "يا أبتِ، دع هذا فإن فيه سفك دماء المسلمين ووقوع الاختلاف بينهم" لكن عليًا -رضي اللَّه عنه- أصرّ على القتال واستعد للخروج إلى الشام.
في هذا الوقت كانت السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي اللَّه عنها- بمكة، معها جميع زوجات رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عدا السيدة أم حبيبة، فقد كانت بالمدينة، فاجتمعت بطلحة بن عبيد اللَّه، والزبير ابن العوام، والمغيرة بن شعبة رضي اللَّه عنهم جميعًا، واجتمع كل هؤلاء الصحابة، وبدءوا في مدارسة الأمر وكان رأيهم جميعًا -وكانوا قد بايعوا عليًا -رضي اللَّه عنه- أن هناك أولوية لأخذ الثأر لعثمان، وأنه لا يصح أن يؤجل هذا الأمر بأي حال من الأحوال، وقد تزعّم هذا الأمر الصحابيان طلحة بن عبيد اللَّه، والزبير بن العوّام -رضي اللَّه عنه-. ورأى الجميع أن بيعة علي لا تتم إلّا بعد أن ينفذ علي بن أبي طالب ما أمر اللَّه به في كتابه بالأخذ بالقصاص من القتلة، فخرجت أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير -رضي اللَّه عنهم- إلى البصرة لقتل الخونة من أهل العراق وإنهاء القضية من جذورها قبل أن تتطور، وتوجه علي إلى العراق ليتباحث مع أمه عائشة وإخوانه من الصحابة في سُبل الإصلاح.
فاجتمع الفريقان (عائشة وطلحة والزبير من جهة، وعلي من جهة) في العراق ليتباحثا في سُبِل الأخذ بدم عثمان، وأوشك الطرفان فعلا على إيجاد حل لهذه المسألة، ووافق عليٌ على إبعاد كل مجرمٍ ممن شارك في قتل عثمان من جيشه، فأصبح القتلة معزولون وحدهم، واتفق المسلمون على عقد الصلح في اليوم التالي، فعقد أولئك المجرمون اجتماعًا سريًا بعد أن أدركوا أن عليًا سيصالح أمه عائشة ومعها طلحة والزبير، فتشاوروا في الأمر، فقال بعضهم: قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلى اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلحوا على دمائنا، فإن كان الأمر هكذا ألحقنا عليا بعثمان! عند هذه الأثناء يظهر ذلك الشيطان الذي تحدثنا عنه سابقًا، لقد ظهر (عبد اللَّه بن سبأ) من بين القتلة وقال لهم: لو قتلتموه لاجتمعوا عليكم فقتلوكم. فقال أحدهم: دعوهم وارجعوا بنا كلٌ إلى قبيلته، فيحتمي بها، فوقف اليهودي عبد اللَّه بن سبأ مرة أخرى ليقول لهم: لو تمكّن علي بن أبي طالب من الأمر لجمعكم بعد ذلك من كل الأمصار وقتلكم! ثم وقف عبد اللَّه بن سبأ أمامهم وكأنه إبليس أبو الشياطين فقال لهم وهم يبتسم ابتسامة خبيثة: "ليس هناك حلٌ إلّا أن أن تشعلوا نار الفتنة من جديد بين جيش علي وجيش عائشة قبل أن يعقدوا الصلح غدًا كما هو متفق، فلتذهب مجموعة منكم في عتمة الليل ولتتوجه إلى جيش علي، وفئة أخرى إلى جيش عائشة، وتبدأ كل فئة في القتل في الناس، وهم نيام، ثم يصيح من ذهبوا إلى جيش علي ويقولون هجم علينا جيش عائشة، ويصيح من ذهب إلى جيش عائشة ويقولون: هجم علينا جيش علي"!
وفعلًا نجحت خطة ذلك اليهودي ابن السوداء في إحداث الفوضى، وقتل حواري رسول اللَّه الزبير ابن العوام، ثم قتل طلحة بن عبيد اللَّه وهو يقاتل بيدٍ واحدة بعد أن شلت يده الأخرى وهو يدافع بها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في أحد، ونظر علي لدماء المسلمين وهي تسيل فصرخ علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- في الناس أن كُفّوا، فلم يستمع أحدٌ إليه في معمعة المعركة، ثم أخذ يبكي وهو يقول: يا ليتني مت قبل هذا بعشرين سنة. فعاود النداء بصوت عالٍ: كفوا عباد اللَّه، كفوا عباد اللَّه. ولكن أحدًا لم يكن يستمع! فاحتضن عليٌ ابنه الحسن وهو يبكي ويقول: ليت أباك مات منذ عشرين سنة. فقال له الحسن: يا أبي قد كنت أنهاك عن هذا. فقال علي: يا بني إني لم أرَ أن الأمر يبلغ هذا!
وبذلك انتهت أحداث "موقعة الجمل" (نسبة للجمل التي كانت تركبه أم المؤمنين عائشة)، وقام علي بتكريم أمه عائشة وإرجاعها إلى المدينة. وبعد ذلك جاء الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنهما- بجيش الشام نحو العراق ليقتل الخونة من أهل العراق، ففعل أتباع ابن سبأ ما فعلوه من قبل في إشعال نار الفتنة بين الطرفين، فوقعت أحداث "موقعة صفين"، ولكن عليًا الهاشمي وابن عمه معاوية الأموي أدركا أن هناك أصابعًا خارجية لا تريد للفتوحات الإِسلامية أن تستمر، فاتفقا على وقف القتال وقبول التحكيم، فرجع معاوية إلى الشام، ورجع علي إلى الكوفة، لتبدأ بذلك أصعب مرحلة في حياة علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- على الإطلاق، وهي مرحلة إقامته بأرض العراق، هذه المرحلة التي رأى فيها عليٌ -رضي اللَّه عنه- مختلف ألوان الخيانات القذرة من شيعته، حتى تمنى لو أنه لم يرَهم في حياته، أولئك القوم الخونة من أتباع ابن سبأ هم الذين قتلوه فيما بعد وقتلوا ابنه الحسين وطعنوا ابنه الحسن، فكان أهل العراق من الشيعة على العكس تمامًا من أهل الشام الذين كانوا يسمعون ويطيعون لمعاوية من دون أي جدالٍ، وصدق الصادق المأمون محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- حين دعا للشام وأعرض عن العراق في الحديث الصحيح الذي أورده الشيخ الألباني من حديث عبد اللَّه بن عمر أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: «اللهم بارك لنا في مكتنا اللهم بارك لنا في مدينتنا اللهم بارك لنا في شامنا وبارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا» . فقال رجل: يا رسول اللَّه! وفي عراقنا؟. فأعرض عنه فرددها ثلاثًا كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا؟ فيعرض عنه فقال: «بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان».
ولندع علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه يصف لنا بنفسه الحالة النفسية السيئة التي وصل إليها من الشيعة في العراق وكيف أنه كان يتمنى أن يستبدل كل عشرة منهم بواحدٍ من أهل الشام الأبطال من جند معاوية وذلك من خلال كلامٍ له ورد في كتاب نهج البلاغة (وهو كتاب شيعي أصلًا):
يا أشباه الرجال ولا رجال!
لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة واللَّه جرت ندمًا وأعقبت سدمًا قاتلكم اللَّه!. . لقد ملأتم قلبي قيحًا، وشحنتم صدري غيظًا وجرعتموني نُغب التَّهام أنفاسًا، وأفسدتم على رأيي بالعصيان والخذلان لوددت لو أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم عشرة منكم برجل من أهل الشام أفٍ لكم!! لقد سئمت عتابكم. . . .، ما أنتم إلا كإبل ضل رعاتها فكلما جمعت من جانب انتشرت من آخر!!!
وفعلًا. . . . . انبثق من الشيعة مجموعة مجرمة تمرَّدت على علي رضي اللَّه عنه وأرضاه قامت بمحاربته واستباحة دماء المسلمين، فشغلوه بمعاركٍ انصرافيةٍ جانبيةٍ، فقام علي بن أبي طالب بقتالهم، هذه المجموعة سُمّيت بـ "الخوارج" وقد تنبأ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بخروجهم، وسمّاهم "كلاب أهل النار"، وهذه المجموعة قررت في النهاية قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص -رضي اللَّه عنهم- في نفس اليوم، فبعثوا ثلاثة رجال ليطعنوهم وقت الصلاة، فقتلوا علي بن أبي طالب، وطعنوا معاوية وقت الصلاة بطعنة كادت أن تقتله، وأنجى اللَّه عمرو بن العاص من الطعنة الثالثة، لتنتهي بذلك حياة أعظم فدائي في أمة الإِسلام بعد أن تجرع الألم والمرارة من خذلان شيعته الخونة!
وقبل أن نتحول بقطار التاريخ إلى حكاية عظيمٍ آخر من عظماء أمة الإِسلام المائة يجب علينا أن نطرح سؤالًا حيّرني كثيرًا فيما مضى ولا شك أنه مازال يحير الكثيرين وهو:
من الذي كان معه الحق في هذه الأحداث المؤلمة التي قامت؟ علي أم معاوية؟
الحقيقة التي قد يندهش منها البعض أن الحق لم يكن تمامًا مع أيٍ منهما!
فلا شك أن معاوية بن أبي سفيان -رضي اللَّه عنهما- كان مخطئًا في اجتهاده، وأنه كان الأجدر به الأخذ بوجهة نظر الإِمام علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- في التريث بالأخذ بدم عثمان من أولئك القتلة من أهل العراق، إلّا أن عليًا على الجهة الأخرى لم يكن ينبغي عليه أن يجعل الأمور تتطور إلى هذا الحد الذي أدى إلى قتل عشرات الآلاف من المسلمين من بينهم ثلاثة من العشرة المبشرين بالجنة كان هو أحدهم، فالصبر على قتلة عثمان كان مصلحةً للمسلمين كان فيها عليٌ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- محقّا ولا شك، ولكنها كانت مصلحة ترتب عليه مفسدة هي أربى منها، فخسارة شعرةٍ واحدة من رأس علي أو طلحة أو الزبير كانت تعادل ألف ألف رأسٍ من رؤوس المنافقين من أتباع الشيطان ابن سبأ، ومما يؤكد صحة هذا التحليل هو حديث رسول اللَّه صلى عليه وسلم الذي رواه الإِمام أحمد عن أبي سعيد "أن رسول اللَّه-صلى اللَّه عليه وسلم-، ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحليق، هم شر الخلق -أو من شر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق" فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يشير إلى فئة علي التي قاتلت الخوارج، وفيها يبين رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن فئة علي كانت الأقرب إلى الحق، ولم تكن الفرقة المحقة تمامًا، فكلتا الطائفتين قد اجتهدت للوصول إلى الحق، ولكن عليًا كان هو الأقرب إليه بلا شك.
ولكن. . . . كانت هناك فئة ثالثة من الصحابة كانت هي المحقة بالكلية في هذه الأحداث المؤلمة!
فمن تكون تلك الفئة الثالثة؟ وعلى أي أساسٍ كانت محقة؟ وماذا حصل بعد استشهاد علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه؟ وهل استقام الشيعة بعد موته أم استمروا (كالعادة!) في خياناتهم المعهودة؟ ومن هو السيد العظيم الذي حقن دماء المسلمين ليخلد اسمه ضمن قائمة المائة؟ ولماذا طمس الشيعة تاريخه على الرغم من أنه من آل البيت؟ ولماذا أرادوا قتله؟ من هو خامس الخلفاء الراشدين؟
يتبع. . . . .
- التصنيف:
- المصدر: