الوليد بن يزيد بن عبد الملك
جلال الدين السيوطى
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الخليفة الفاسق، أبو العباس، تولى الخلافة 125هـ وحتى 126هـ.
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، الخليفة الفاسق، أبو العباس، تولى الخلافة 125هـ وحتى 126هـ.
ولد سنة تسعين، فلما احتضر أبوه لم يمكنه أن يستخلفه؛ لأنه صبي، فعقد لأخيه هشام، وجعل هذا ولي العهد من بعد هشام، فتسلم الأمر عند موت هشام في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة.
وكان فاسقًا، شريبًا للخمر، منتهكًا لحرمات الله، أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة، فمقته الناس لفسقه، وخرجوا عليه فقتل في جمادى الآخرة سنة ست وعشرين.
وعنه أنه لما حوصر قال: ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أرفع عنكم المؤن؟ ألم أعط فقراءكم؟ فقالوا: ما ننقم عليك في أنفسنا، لكن ننقم عليك انتهاك ما حرم الله، وشرب الخمر، ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله.
ولما قتل وقطع رأسه وجيء به يزيد الناقص نصبه على رمح، فنظر إليه أخوه سليمان بن يزيد، فقال: بعدًا له أشهد أنه كان شروبًا للخمر، ماجنًا، فاسقًا، ولد راودني على نفسي.
وقال المعافى الجويري: جمعت شيئًا من أخبار الوليد ومن شعره الذي ضمنه له فجربه من خرقه وسخافته، وما صرح به من الإلحاد في القرآن والكفر بالله.
وقال الذهبي: لم يصح عن الوليد كفر ولا زندقة، بل اشتهر بالخمر والتلوط، فخرجوا عليه لذلك.
وذكر الوليد مرة عند المهدي فقال رجل: كان زنديقًا، فقال المهدي: مه، خلافة الله عنده أجل من أن يجعلها في زنديق.
وقال مروان بن أبي حفصة: كان الوليد من أجمل الناس وأشدهم وأشعرهم.
وقال أبو الزناد: كان الزهري يقدح أبدًا عن هشام في الوليد ويعيبه، ويقول: ما يحل لك إلا خلعه، فما يستطيع هشام، ولو بقي الزهري إلى أن يملك الوليد لفتك به.
وقال الضحاك بن عثمان، أراد هشام أن يخلع الوليد ويجعل العهد لولده، فقال الوليد:
كفرت يدًا من منعم لو شكرتها ... جزاك بها الرحمن بالفضل والمن
رأيتك تبني جاهدًا في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني
أراك على الباقين تجني ضغينة ... فيا ويحهم إن مت من شر ما تجني
كأني بهم يومًا وأكثر قيلهم ... ألا ليت أنا حين يا ليت لا تغني
وقال حماد الراوية: كنت يومًا عند الوليد، فدخل عليه منجمان، فقالا: نظرنا فيما أمرتنا فوجدناك تملك سبع سنين، قال حماد: فأردت أن أخدعه فقلت: كذبا ونحن أعلم بالآثار وضروب العلم، وقد نظرنا في هذا فوجدناك تملك أربعين سنة، فأطرق ثم قال: لا ما قالا يكسرني، ولا ما قلت يغرني، والله لأجبين المال من حلة جباية من يعيش الأبد، ولأصرفنه في حقه صرف من يموت الغد. وقد ورد في مسند أحمد حديث: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد لهو أشد على هذه الأمة من فرعون لقومه".
وقال ابن فضل الله في المسالك: الوليد بن يزيد، الجبار العنيد، لقبًا ما عداه، ولقمًا سلكه فما هداه، فرعون ذلك العصر الذاهب، والدهر المملوء بالمعائب، يأتي يوم القيامة يقدم قومه فيوردهم النار، ويرديهم العار، وبئس الورد المورود، والمورد المردي في ذلك الموقف المشهود، رشق المصحف بالسهام، وفسق ولم يخفف الآثام.
وأخرج الصولي عن سعيد بن سليم قال: أنشد ابن ميادة الوليد بن يزيد شعره الذي يقول فيه:
فضلتم قريشًا، غير آل محمد ... وغير بني مروان أهل الفضائل
فقال له الوليد: أراك قد قدمت علينا آل محمد، فقال ابن ميادة: ما أره يجوز غير ذلك، وابن ميادة هذا هو القائل في الوليد أيضًا من قصيدة طويلة:
هممت بقول صادق أن أقوله ... وإني على رغم العداة لقائله
رأيت الوليد بن اليزيد مباركًا ... شديدًا بأعباء الخلافة كاهله