عهد بني العباس في العراق - الهادي أبو محمد
الهادي أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور، وأمه أم ولد بربرية اسمها الخيزران؛ ولد بالري سنة سبع وأربعين ومائة، وبويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه. (تولى الخلافة 169هـ وحتى 170هـ).
الهادي أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور، وأمه أم ولد بربرية اسمها الخيزران؛ ولد بالري سنة سبع وأربعين ومائة، وبويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه.
قال الخطيب: ولم يل الخلافة قبله أحد في سنه، فأقام فيها سنة وأشهرًا، وكان أبوه أوصاه بقتل الزنادقة، فجدّ في أمرهم، وقتل منهم خلقًا كثيرًا؛ وكان يسمّى موسى أطبق؛ لأن شفته العليا كانت تقلص، فكان أبوه وكّل به في صغره خادمًا كلما رآه مفتوح الفم قال: موسى أطبق، فيفيق على نفسه ويضم شفتيه، فشهر بذلك.
قال الذهبي: وكان يتناول المسكر، ويلعب، ويركب حمارًا فارهًا، ولا يقيم أبهة الخلافة، وكان مع هذا فصيحًا، قادرًا على الكلام، أديبًا، تعلوه هيبة وله سطوة وشهامة.
وقال غيره: كان جبارًا، وهو أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة، والأعمدة، والقسيّ الموترة؛ فاتبعه عماله به في ذلك، وكثر السلاح في عصره.
مات في ربيع الآخر سنة سبعين ومائة؛ واختلف في سبب موته؛ فقيل: إنه دفع نديمًا له من جرف على أصول قصب قد قطع فتعلق النديم به فوقع فدخلت قصبة في منخره، فماتا جميعًا.
وقيل: أصابته قرحة في جوفه.
وقيل: سمته أمه الخيزران لما عزم على قتل الرشيد ليعهد إلى ولده.
وقيل: كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور الكبار، وكانت المواكب تغدو إلى بابها، فزجرهم عن ذلك، وكلمها بكلام وقح، وقال: لئن وقف ببابك أمير لأضربن عنقه! أما لك مغزل يشغلك، أو مصحف يذكرك، أو سبحة؟ فقامت ما تعقل من الغضب، فقيل: إنه بعث إليها بطعام مسموم، فأطعمت منه كلبًا فانتثر فعملت على قتله لما وعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه؛ وخلّف سبعة بنين.
ومن شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه.
نصحت لهارون فرد نصيحتي ... وكل امرئ لا يقبل النصح نادم
وأدعوه للأمر المؤلف بيننا ... فيبعد عنه؛ وهو في ذاك ظالم
ولولا انتظاري منه يومًا إلى غد ... لعاد إلى ما قلته وهو راغم
ومن أخبار الهادي، أخرج الخطيب عن الفضل قال: غضب الهادي على رجل فكلم فيه، فرضي، فذهب يعتذر، فقال له الهادي: إن الرضا قد كفاك مؤنة الاعتذار.
وأخرج عن عبد الله بن مصعب قال: دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأشنده مديحًا له، حتى إذا بلغ قوله:
تشابه يومًا بأسه ونواله ... فما أحد يدري لأيهما الفضل
فقال له الهادي: أيما أحب إليك ثلاثون ألف معجّلة، أو مائة ألف تدور في الديوان؟
قال: تعجّل الثلاثون ألفًا، وتدور المائة ألف، قال: بل تعجلان لك جميعًا، فحمل له ذلك.
وقال الصولي: لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا الخيزران أم الهادي والرشيد، وولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان، ولدت الوليد وسليمان، وشاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى، ولدت للوليد بن عبد الملك يزيد الناقص وإبراهيم، ووليا الخلافة.
يزاد على ذلك باي خاتون سرّية المتوكل الأخير، ولدت العباس وحمزة ووليا الخلافة، وكزل سريته أيضًا ولدت داود وسليمان وولياها.
ثم قال الصولي: لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي من جرجان إلى بغداد.
قال: وكان نقش خاتمه: الله ثقة موسى، وبه يؤمن.
قال الصولي: ولسلم الخاسر في الهادي يمدحه:
موسى المطر ... غيث بكر
ثم انهمر ... ألوى المرر
كم اعتسر ... وكم قدر
ثم غفر ... عدل السير
باقي الأثر ... خير وشر
نفع وضر ... خير البشر
فرع مضر ... بدرٌ بدر
لمن نظر ... هو الوزر
لمن حضر ... والمفتخر لمن غبر
قال: وهذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن، وهو أول من عمله، ولم نسمع لمن قبله شعرًا على جزء جزء.
وأسند الصولي عن سعيد بن سلم قال: إني لأرجو أن يغفر الله للهادي بشيء رأيته منه، حضرته يومًا وأبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه، إلى أن قال:
يا خير من عقدت كفاه حجزته ... وخير من قلّدته أمرها مضر
فقال له الهادي: إلا من؟ ويلك! قال سعيد: ولم يكن استثنى في شعره، فقلت: يا أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان، ففكر الشاعر فقال:
إلا النبيّ رسول الله، إن له ... فضلًا، وأنت بذالك الفضل تفتخر
فقال: الآن أصبت وأحسنت، وأمر له بخمسين ألف درهم.
وقال المدائني: عزّى الهادي رجلًا في ابن له فقال: سرّك وهو فتنة وبلية، ويحزنك وهو ثواب ورحمة.
وقال الصولي: قول سَلم الخاسر في الهادي جامعًا بين العزاء والهناء.
لقد قام موسى بالخلافة والهدى ... ومات أمير المؤمنين محمد
فمات الذي غم البرية فقده ... وقام الذي يكفيك من يتفقد
وقال مروان بن أبي حفصة كذلك ... لقد أصبحت تختال في كل بلدة
بقبر أمير المؤمنين المقابر ... ولو لم تسكّن بابنه بعد موته
لما برحت تبكي عليه المنابر ... ولو لم يقم موسى عليها
حنينًا كما حنّ الصفيا العشائر
حديث من رواية الهادي: قال الصولي: حدثني محمد بن زكريا هو الغلابي، حدثني محمد بن عبد الرحمن المكي، حدثنا قسورة بن السكن القهري، حدثنا المطلب بن عكاشة المري، قال: قدمنا على الهادي شهودًا على رجل شتم قريشًا وتخطى إلى ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فجلس لنا مجلسًا أحضر فيه فقهاء زمانه، وأحضر الرجل فشهدنا عليه، فتغير وجه الهادي، ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال: سمعت أبي المهديّ يحدث، عن أبيه المنصور، عن أبيه محمد، عن أبيه علي، عن أبيه عبد الله بن عباس، قال: من أراد هوان قريش أهانه الله، وأنت يا عدو الله لم ترضَ بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- اضربوا عنقه، أخرجه الخطيب من طريق الصولي، والحديث هكذا في هذه الرواية موقوف، وقد ورد مرفوعًا من وجه آخر.
مات في أيام الهادي من الأعلام: نافع قارئ المدينة، وغيره.
- التصنيف:
- المصدر: