ازرع شجرتك
فلابد إخوتي أن نتابع قلوبنا بإستمرار فهي محل نظر الرب.... لابد أن ننظفها من خبث الرياء ونغسلها بماء الإخلاص...
كتبت
سمر سمير
قال تعالى" {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} "
قال ابن عباس: الكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله
وهي كلمة الإخلاص
فكيف نزرع شجرة الإخلاص في قلوبنا وما هي ثمراتها؟
هذا ما سنتحدث عنه في هذا المقال بإذن الله
كثيرا ما نسمع عن علماء ذاع صيتهم قرونا عديدة حتى وصلنا علمهم وانتفعنا به.....وآخرون لا نعرف حتى أسمائهم
وكذلك نجد كتابا معينا انتشر وارتوى من مَعِينه الكثـيرين ...وكتبا أخرى لا يعرفها أحد..
فنتساءل ما السر في ذلك ؟؟
فإذا الإجابة هي كلمة واحدة ....الإخلاص
الإخلاص ......هو الذي رفع هذا وخفض هذا
هو الذي كتب القبول لهذا ولم يكتب لذاك
ولكن ما هو الإخلاص ؟
ببساطة هو التصفية والتنقية من الشوائب
وشرعا هو قصد الله وحده بالعبادة وتصفية العمل من إرادة غير وجه الله ونسيان رؤية الخلق
قال سبحانه " { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي } "
هكذا أمر الله نبيه بإخلاص العبادة له وحده
فالإخلاص سر الخلاص وهو سفينة نوح من يركبها ينجو ومن يعرض عنها يهلك
وهو مسك القلب وأصل الدين
بل الإخلاص هو الإيمان كما في هذا الحديث..
«عن أبي فراس -رجلٌ من أسلم- قال:نادى رجل فقال: يا رسول الله! ما الإيمان؟ قال: "الإخلاص". » صححه الألباني في صحيح الترغيب
كما أنه شرط قبول العمل فهو كالبذرة الطيبة التي تزرع في تربة القلب فتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من أزكى الثمرات في الدنيا والآخرة
فالطريق إلى الله يقطع بالقلوب وليس بالأقدام
والله ينظر إلى قلوبنا لا إلى أجسامنا
وأعمال القلوب أكثر أهمية ونفعا من أعمال الجوارح
فالقلب سيد الجوارح ..إذا صلح القلب صلحت الجوارح وإذا فسد فسدت
فقد قال الله تعالى"
{لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ }
فتقوى القلب وإخلاص النية في النحر أعظم عند الله من لحوم الأضحية
فقد يقف رجلان يصليان جنبا إلى جنب .....يؤديان نفس الحركات والسكنات ويقرأون نفس القراءة
لكن الفرق بينهما كالفرق بين السماء والأرض
وقد يتصدق رجل بمبلغ صغير مخلصا فيه النية لله فيكون أجره أكبر ممن يتصدق بالملايين رياءا ومباهة أمام الناس..
فما جزاؤه هذا الأخير...؟؟
اقرأوا إن شئتم قوله تعالى" {وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } "
إذًا العبرة ليس بالعمل ولكن بالإخلاص في العمل ....
ويا ليته فقط يخرج بدون أجر بل قد يعاقب على عدم إخلاصه في العمل لحديث أول من تسعر به النار وذكر فيه الشهيد والجواد وطالب العلم لغير الله...
فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى كما ذكر في حديث عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ) [متفق عليه] .
وقد صدر البخاري صحيحه بهذا الحديث وجعله كالخطبة له
وقال عنه كثير من العلماء هو ربع الدين وقال آخرون بل ثلث الدين
الآن
فلنتخيل وعاء أو كوب به حبر في أسفله ماذا إذا وضعنا عليه الماء .؟؟
لابد أن الماء سيتغير لونه بسبب الحبر
ما علاقة هذا بموضوعنا
اقرأوا معى الحديث القادم وهو من أجمل الأحاديث التي قرأتها في هذا الباب ...حديث
(إنما الأعمال كالوعاءِ ، إذا طاب أسفلُه طاب أعلاه ، و إذا فسد أسفلُه فسدَ أعلاه)...صححه الألباني في صحيح الجامع
هكذا النية كالحبر إذا وضعت في أسفل الكوب (وهو العمل) فإنها تنتشر فيه
إذا كانت طيبة فسيكون العمل طيب
وإذا كانت فاسدة فسيكون العمل فاسد....
فلابد إخوتي أن نتابع قلوبنا بإستمرار فهي محل نظر الرب....
لابد أن ننظفها من خبث الرياء ونغسلها بماء الإخلاص...
لابد أن نراقب نياتنا قبل وأثناء وبعد العمل
ونسأل أنفسنا ماذا أردنا من هذه الصدقة؟؟ هل ابتغاء وجه الله أم ليقال كريم..؟؟
ولماذا نتعلم العلم هل امتثالا لأمر الله ؟؟؟أم لنماري به السفهاء ونباهي به العلماء ونصرف به وجوه الناس إلينا؟؟؟
الآن بعد أن عرفنا الإخلاص وغرسناه في تربة القلب ...ماذا سنجني من ثماره اليانعة وفروعه المتدلية؟؟
دعونا نرى ثمراته :
1-أنه يحول العبادة الواحدة إلى عبادات كثيرة بل يحول المباحات إلى عبادات
كيف ذلك ؟
بتعديد النوايا الصالحة في العبادة الواحدة فهذه تجارة العلماء
ونية المؤمن أبلغ من عمله وقد يبلغ المؤمن بنيته ما لا يبلغه بعمله
وهل نسيتم حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: «رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ:( إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ.»
تخلفوا عن غزوة تبوك وأعينهم تفيض من الدمع لقلة ذات اليد أو لمرض فشاركوا من ذهب الأجر وهم في أماكنهم
ياله من فضل .!!.كريم سبحانه..
قد تجد إنسانا يبني مسجدا أو يكفل أيتاما أو يبني بئرا فترجو صادقا من قلبك أن تكون مثله لتفعل كما فعل ...فيكتب الله لك الأجر بنيتك
...ألا فلنكثر من النوايا الصالحة لعل الله يتقبلها منا ويكتب لنا بها الأجر فهو جواد سبحانه
قال تعالى" {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} "
محياي أي حياتي لله....فلنجعلها لله حقا بتجديد النية في كل ما هو مباح
فإذا أردت أن تأكل مثلا فقد تنوى أنك تأكل للتقوى على طاعة الله...ولتحافظ على بدنك فلبدنك عليك حق ... ولتستشعر نعم الله عليك وتشكرها.....وغيرها الكثير من النيات التي قد تجعل العمل القليل كثير الخير والبركة بإذن الله
حتى اللقمة يضعها الزوج في فم زوجته يؤجر عليها. كما في الحديث
( «وَإِنَّكَ لَنْ تُنفِق نَفَقةً تبْتغِي بِهَا وجْهَ اللهِ إِلاَّ أُجرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى ما تَجْعلُ فِيِّ امْرَأَتكَ» )
قال الإمام أحمد(يا بني انو الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير.).
2-كذلك من ثمراته شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لحديث ( « أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه» )
3-أيضا تحفظ من الشيطان ..فلا سبيل للشيطان إلى المخلصين
قال تعالى" {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} "
4-غفران الذنوب لقوله صلى الله عليه وسلم( «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» )
5-النجاة من النيران لقوله صلى الله عليه وسلم( «إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» )
6-الإخلاص يصرف الفواحش والشهوات عنك
قال تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام
" {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}
فنجى الله سيدنا يوسف بسبب إخلاصه وإحسانه من فتنة امرأة العزيز
7-الإخلاص رفعة لك في الدنيا والآخرة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد( «إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة» )
هذه إخوتي كانت بعضا من ثمار هذه الشجرة الوارفة شجرة الإخلاص التي أصلها في القلب ثابت وجذورها ممتدة داخل القلب وفروعها في السماء تثمر في كل وقت وكل حين حتى بعد موت الإنسان..
فإذا أردت من هذه الثمار اليانعة الطيبة فنقي قلبك من شوائب الرياء وإرادة الخلق فلابد من التخلية قبل التحلية....ثم ازرع بذرة الإخلاص في تربة القلب ثم تعاهدها بالمراقبة واسقها بالصدق حتى تجني ثمارها في الدنيا قبل الآخرة....
- التصنيف: