فوائد من كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي (1-4)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق, والغرور نوع جهل يُوجب اعتقاد الفاسد صحيحاً والردئ جيداً, وسببه وجود شبهه أوجبت ذلك, وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكُّنُه منهم ويقلُّ على مقدار فطنهم وغفلتهم وجهلهم
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فأكبر عدو للإنسان في هذه الحياة الشيطان الرجيم, الذي يسعى سعياً حثيثاً في إضلال بني آدم, بطرق ووسائل شتى.
وقد حذر العلماء من مكره وصنوف غروره, ومن هؤلاء: الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتابه" تلبيس إبليس " فكان كما قال محقق الكتاب الدكتور أحمد بن عثمان المزيد: من أجمع ما كتب في هذا الباب...فقد أتى على ذكر أغلب صور التلبيس التي يكيد بها إبليس بني آدم.
والشيطان لا يترك أحداً لا يلبس عليه - نسأل الله أن يحفظنا من كيده وشره – ففي كتاب ابن الجوزي رحمه الله مآخذ, يقول الدكتور أحمد المزيد: "رغم ما لكتاب " تلبيس إبليس " من مزايا, فإنه لم يخلُ –مع ذلك- من مآخذ ونقائص.من ذلك: وقوع مؤلفه في أخطاء عقدية, حيث خالف في تقريرها منهج السلف, وقد علقت على ذلك في مواضعه من التحقيق.وهذا مأخذ كبير على المؤلف والكتاب."
والكتاب من أشهر كتب ابن الجوزي رحمه الله, ويوجد فيه فوائد, يسر الله الكريم لي فجمعتُ بعضها, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.
الأمر بلزوم السنة والجماعة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( «من أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليزم الجماعة, فإن الشيطان مع الواحد, وهو مع الاثنين أبعد» ) [ قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح] .
قال الأوزاعي: اصبر نفسك على السنة, وقف حيث وقف القوم, وقُل بما قالوا, وكُفَّ عما كفَّوا عنه, واسلك سبيل سلفِك الصالح, فإنهُ يسعُك ما وسِعهم.
قال سفيان: لا يستقيم قول إلا بعمل, ولا يستقيم قول وعمل إلا بنية’ ولا يستقيم قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة.
قال سفيان: إذا بلغك عن رجل بالمشرق أنه صاحب سُنةٍ فابعث إليه بالسلام, وإذا بلغك عن آخر بالمغرب أنه صاحب سنة فابعث إليه بالسلام, فقد قلَّ أهل السنة والجماعة.
قال أيوب: إني لأخبرُ بموت الرجُلِ من أهل السُّنة, فكأني أفقدُ بعض أعضائي.
عن ابن شوذب: إنَّ من نعمة الله على الشاب إذا نسك (تعبد) أن يؤاخي صاحب سُنة يحمله عليها.
عن سفيان الثوري قال: استوصوا بأهل السنة خيراً فإنهم غرباء.
قال الجنيد: الطُّرُق كُلها مسدودة على الخلق, إلا من اقتفى أثر الرسول, واتبع سُنته, ولزم طريقته, فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه.
ذم البدع والمبتدعين
عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «من فعل أمراً ليس عليه أمرنا فهو رد » ) [أخرجاه في الصحيحين] . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( «من رغب عن سُنتي فليس مِنّي » ) [انفرد بإخراجه البخاري] .
عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسم: ( « أنا فرطكم على الحوض, وليختلجن رجال دوني, فأقول: يا ربي أصحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك» ) [أخرجاه في الصحيحين] .
كان ابن طاوس جالساً وعنده ابنه فجاء رجل من المعتزلة فتكلم في شيء, فأدخل ابن طاوس أصبعيه في أذنيه, وقال: يا بني أدخل أصبعك في أذنيك حتى لا تسمع من قوله شيئاً, فإن هذا القلب ضعيف, ثم قال: أي بني اسدد, فما زال يقول: اسدد حتى قام الآخر.
قال رجل من أهل الأهواء لأيوب: أكلمك بكلمة؟ قال:لا, ولا نصف كلمة.
قال سفيان الثوري: البدعة أحب إلى إبليس من المعصية, المعصية يُتاب منها, والبدعة لا يُتاب منها.قال فيضل بن عياض: من جلس إلى صاحب بدعة فاحذروه.
التحذير من فتن إبليس ومكايده
اعلم أن الآدمي لما خُلق رُكِّب فيه الهوى والشهوة ليجتلب بذلك ما ينفعه, ووضع فيه الغضب ليدفع به ما يؤذيه, وأُعطي العقل كالمؤدب يأمره بالعدل فيما يجتلب ويجتنب, وخُلق الشيطان محرضاً له على الإسراف في اجتلابه واجتنابه, فالواجب على العاقل أن يحذر حذره من هذا العدو الذي أبان عداوته من زمن آدم, وقد بذل نفسه وعمره في إفساد أحوال بني آدم.
وقد أمر الله عز وجل بالحذر منه فقال: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة:169]
وقال: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268]
وقال: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء:60]
وقال: {وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّـهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33] وفي القرآن من هذا كثير.
وينبغي أن يعلم أن إبليس الذي شغله التلبيس أول ما التبس الأمر عليه, فأعرض عن النصح الصريح على السجود, وأخذ يفاضل بين الأصول, فقال: { خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ } [الأعراف:12] ثم أردف ذلك بالاعتراض على الملك الحكيم فقال: { أَرَأَيتَكَ هـذَا الَّذي كَرَّمتَ عَلَيَّ }[الإسراء:62] والمعنى أخبرني لِمَ كرمتهُ, غور هذا الاعتراض أن الذي فعلت ليس بحكمه, ثم أتبع ذلك بالكبر.فقال: { أَنا خَيرٌ مِنهُ } [الأعراف:12] ثم امتنع من السجود, فأهان نفسه التي أراد تعظيمها باللعنة والعقاب.
فمتى سوَّل للإنسان أمراً فينبغي أن يحذر منه أشد الحذر, وليقُل له حين أمره إياه بالسوء: إنما تريدُ بما تأمرني به نصحي ببلوغ شهوتي, وكيف يصح صواب النصح للغير لمن لم ينصح نفسه ؟ ثم كيف أثق بنصيحة عدو, فانصرف فما لقولك منفذ.
معنى التلبيس والغرور
التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق, والغرور نوع جهل يُوجب اعتقاد الفاسد صحيحاً والردئ جيداً, وسببه وجود شبهه أوجبت ذلك, وإنما يدخل إبليس على الناس بقدر ما يمكنه ويزيد تمكُّنُه منهم ويقلُّ على مقدار فطنتهم وغفلتهم وجهلهم