فوائد من كتاب تلبيس إبليس لابن الجوزي (4-4)
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي, ثم ترخص المنتمون إليها في السماع والرقص, فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد, ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب.
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
بسم الله الرحمن الرحيم
تلبيس إبليس على الصوفية
التصوف طريقة كان ابتداؤها الزهد الكلي, ثم ترخص المنتمون إليها في السماع والرقص, فمال إليهم طلاب الآخرة من العوام لما يظهرونه من التزهد, ومال إليهم طلاب الدنيا لما يرون عندهم من الراحة واللعب.
وقد لبس إبليس عليهم في أشياء, ثم لبس على من بعدهم من تابعيهم, وكلما مضى قرن زاد طمعه في القرن الثاني, فزاد تلبيسه عليهم إلى أن تمكن من المتأخرين غاية التمكن.وكان أصل تلبيسه عليهم أنه صدهم عن العلم,..فلما أطفأ مصباح العلم عندهم تخبطوا في الظلمات.
فمنهم من أراه أن المقصود ترك الدنيا في الجملة فرفضوا ما يصلح أبدانهم..وبالغوا في الحمل على النفوس...وهؤلاء كانت مقاصدهم حسنة غير أنهم على غير الجادة, وفيهم من كان لقلة علمه يعمل بما يقع إليه من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري.
ثم جاء قوم أقوام فتكلموا لهم في الجوع والفقر والوساوس والخطرات.
ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق, ففسدت عقائدهم, فمنهم من قال بالحلول, ومنهم من قال بالاتحاد.
وما زال إبليس يخبطهم بفنون البدع حتى جعلوا لأنفسهم سنناً
وجاء أبوعبدالرحمن السلمي..فجمع لهم حقائق التفسير, فذكر عنهم فيه العجب من تفسيرهم القرآن,..وصنف لهم السراح كتاباً سماه "لمع الصوفية " ذكر فيه من الاعتقاد القبيح والكلام المرذول..وصنف لهم أبو طالب المكي "قوت القلوب" فذكر فيه الأحاديث الباطلة وما لا يستند إلى أصل من صلوات الأيام والليالي, وغير ذلك من الموضوع, وذكر فيه الاعتقاد الفاسد.
وجاء أبو نعيم الأصبهاني فصنف لهم كتاب "الحلية" وذكر في حدود التصوف أشياء قبيحة ولم يستحي أن يذكر في الصوفية أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسادات الصحابة...وكذلك ذكر السلمي في "طبقات الصوفية" الفُضيل وإبراهيم بن أدهم ومعروفاً الكرخي وجعلهم من الصوفية بأن أشار إلى أنهم من الزهاد.
والتصوف مذهب معروف يزيد على الزهد, ويدلُّ على الفرق بينهما أن الزهد لم يذمه أحد, وقد ذموا التصوف.
وصنف لهم عبدالكريم بن هوزان القُشيري كتاب "الرسالة " فذكر فيها العجائب من الكلام في الفناء والبقاء والقبض والبسط والوقت والوجد والصحو والسكر والمحو والمكاشفة..إلى غير ذلك من التخليط الذي ليس بشيء وتفسيره أعجب منه
وجاء محمد بن طاهر المقدسي فصنف لهم " صفوة التصوف" فذكر لهم فيها أشياء يستحيي العاقل من ذكرها.
وجاء أبو حامد الغزالي فصنف كتاب " الإحياء " على طريقة القوم وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها وتكلم في علم المكاشفة...وقال في كتابه "المفصح بالأحوال" إن الصوفية في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد, ثم ترقى الحال من مشاهدة الصورة إلى درجات يضيقُ عنها نطاق النطق.
وكان السبب في تصنيف هؤلاء هذه الأشياء قلة علمهم بالسنن والآثار.
قال السراج: وأنكر جماعة من العلماء على أبي سعيد أحمد ابن عيسى الخراز ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في كتاب صنفه وهو " السر "
وقد جمعت في أخبار الحلاج كتاباً بينت حيله ومخاريقه وما قال العلماء فيه.
وقد ذكرنا تلبيسه على العباد في الطهارة إلا أنه قد زاد في حق الصوفية على الحد, فقوى وساوسهم في استعمال الماء الكثير
وقد ذكرنا تلبيسه على العباد في الصلاة, وهو بذلك يلبس على الصوفية, ويزيد, وقد ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن من سننهم التي ينفردون بها وينتسبون إليها صلاة ركعتين بعد لبس المرقعة والتوبة.
قد بينا أنه كان أوائل الصوفية يخرجون من أموالهم زهداً فيها, وذكرنا أنهم قصدوا بذلك الخير إلا أنهم غلطوا في هذا الفعل, لما ذكرنا من مخالفتهم بذلك الشرع والعقل, فأما متأخروهم فقد مالوا إلى الدنيا وجمع المال من أي وجه كان, إيثاراً للراحة وحباً للشهوات.
ومن الصوفية من يلبس الصوف ويحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف, وبما روي في فضيلة لبس الصوف.
فأما لبس رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوف فقد كان يلبسه في بعض الأوقات, ولم يكن لبسه شُهرة عند العرب.
وأما ما يروى في فضل لبسه فمن الموضوعات التي لا يثبت منها شيء.
وقد كان السلف يلبسون الثياب المتوسطة لا المرتفعة ولا الدون, ويتخيرون أجودهما للجمعة والعيد ولقاء الإخوان, ولم يكن تخير الأجود عندهم قبيحاً.
واعلم أن اللباس الذي يُزري بصاحبه يتضمن إظهار الزهد, وإظهار الفقر, وكأنه لسان شكوى من الله تعالى, ويوجبُ احتقار اللابس كل ذلك مكروه منهي عنه.
وقد كان في الصوفية من يجعل على رأسه خِرقة مكان العمامة, وهذا أيضاً شهرة, لأنه على خلاف لباس أهل البلد, وكل ما فيه شهرة فهو مكروه.
قد بالغ إبليس في تلبيسه على قدماء الصوفية, فأمرهم تقليل المطعم وخشونته, ومنعهم شرب الماء البارد, فلما بلغ إلى المتأخرين استراح من التعب, واشتغل بالتعجب من كثرة أكلهم ورفاهية عيشهم.
فوائد متفرقة:
* من تأمل حال ابن الريوندي وجده من كبار المُلحدة, وصنف كتاباً سماه" الدامغ" زعم أنه يدمغ به الشريعة, فسبحان من دمَغَهُ فأخذه وهو في الشباب, وكان يعترض على القرآن, ويدعي عليه التناقض وعدم الفصاحة, وهو يعلم أن العرب تحيرت عند سماعه فكيف بالألكن.
* أبو العلاء المعري أشعاره ظاهرة الإلحاد, وكان يبالغ في عداوة الأنبياء, ولم يزل متخبطا في تعثره خائفاً من القتل إلى أن مات بحسراته.
* منبع غيبة الهمج والجهال من إشفاء الغيظ, والحمية, والحسد, وسوء الظن, وأما منبع غيبة العلماء فمنبعها من خدعة النفس على إبداء النصيحة.
* اعلم أن الوسوسة في نية الصلاة سببها خبل في العقل أو جهل بالشرع.
* إذا كان القصصُ صدقاً ويوجب وعظاً فهو ممدوح, وقد كان أحمد بن حنبل يقول: ما أحوج الناس إلى قاصٍّ صدوق.
* كم من ساكتٍ عن غيبة المسلمين إذا اغتيبوا عنده فَرِحَ قلبُه, وهو آثم بذلك من ثلاثة أوجه: أحدها: الفرح فإنه حصل بوجود هذه المعصية من المغتاب, والثاني: لسرور قبله بثلب المسلم. والثالث: إذا لم ينكر.
*من لم يطلع على سير السلف لم يمكنه سلوك طريقهم فالطبع لص فإذا ترك مع أهل الزمان سرق من طباعهم فصار مثلهم وإذا نظر في سير القدماء زاحمهم وتأدب بأخلاقهم.
كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ