ومَنْ يصنعِ المعروفَ في غير أهلهِ...!
• توصله فلا يصلك، وتهديه فلا يقدرك، وتحسن إليه فيسئ، وتكرمه فيغدر، وإن من الغدر لصوراً وأشكالًا .
• صنائعُ المعروفِ من لذائذ الحياة، وتُنال بها الأجور، وتُكتسبُ بها المراتب العالية، والثناءات الحسنة ، وهي من جسور السعادة البهيجة ، ومنافذ الانشراح الوسيعة ، قال في الحديث ، عليه الصلاةُ والسلام: « كلُّ معروفٍ صدقة » أي في ثوابها .
• والمؤسف أن توضع في غير أهلها، وتُصنع في الأضداد ، فيصدقُ فيها تلك الحكمة وذلك البيتُ السائر : ومن يصنعِ المعروفَ في غير أهله... يلاقِ كما لاقى مجيرُ أم عامرِ...! في قصة الضبع المشهورة : أدام لها حين استجارت بقـــــــربهِ... طعاماً وألبان اللـــقاح ِ الدرائـــــــر ِ...! فكانت نهايته الفتك به والتباب ..!
• توصله فلا يصلك، وتهديه فلا يقدرك، وتحسن إليه فيسئ، وتكرمه فيغدر، وإن من الغدر لصوراً وأشكالًا .
• يتناسى المعروف، ويفض الوفاق، ويستحلي الخصوم، ويدني الأباعد، ويُقصي الأقارب..! وقد قال الله تعالى في حق الزوجين: { ولَا تنسَوا الفضلَ بينكم} [ سورة البقرة] .
• وكذا هي الحياةُ تكشف اللئام، وتفرز مواقفها المعادن، وتجلي أحداثها الأصدقاء من سواهم ...! وربَّ صديق زرتَه ألف مرةٍ ... فمال عليكم بعدها شرَّ ميلةِ...!
• ولحفظ المعروف، وصون الجميل، لم ينس نبينا صلى الله عليه وسلم دور المطعم بن عدي في قصة إجارته له لما عاد من الطائف مطرودا ومعتدى عليه، فقال يوم بدر وقد أظهره الله في أسرى المشركين : « لو كان المطعمُ بن عدي حيا ثم كلمني -أي شفاعة - في هؤلاء النتنَى لتركتهم له » [رواه البخاري ] .
• "وغير أهلِه".... أناس انتُزعت مروءاتهم، وذبلت مبادئهم ، وساءت أخلاقهم، لم تُجد فيهم حكمةً، أو بسمة، أو طيب معاملة...!
• وإنما تُجدي المكارم والمعروفات في كرامٍ أحبوك، وخيار أجلّوك، وأصول عرفوك ووقروك... ولأبي الطيب في درة مشهورة : إذا أنت أكرمتَ الكريم ملكته.... وإن أنت اكرمتَ اللئيمَ تمردا ...!
• وإنما كان غير أهله من لا يحفظ الوداد، وينسى الجمائل، ويبيع المواقف، ويأكل بالمحاسن ، ولا يفعله إلا اللئام، وعديمو الأصالة ، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة ..!
• ومن هنا: انطلقت الحكمة الذائعة : " اتقِ شرَّ من أحسنتَ إليه"، فهم اللئام حقيقة، لا من حفظَ الود، وصان المعروف، وحفظ العهود والمبادئ .
• وكان منهم من غصّ بك، وضاق من بروزك ونجاحاتك ، فلما تبوأ وعلا، ظن أنه على شيء، وبدا يلوك خفاياه، ويترجم غوائله، والله المستعان .
• وقد قال علي رضى الله عنه: «الكريم يلينُ إذا استُعطف، واللئيم يقسو إذا ألطف» وعن عمر -رضى الله عنه-قال: ( ما وجدت لئيمًا إلا قليل المروءة) وفي "التنزيل": {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ}.. [ سورة التوبة: ٧٤] . وقال أبو عمرو بن العلاء رحمه الله مخاطبا بعض أصحابه: ( كن من الكريم على حذر إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا رحمته، ومن الفاجر إذا عاشرته ).
• والمحسنُ ليس نادمًا على حسناته، ولا على بذله وتعاطفه، ولكنه مكلوم على موضعها ، وضَعة بعض المعادن التي لا تحفظ ولا تصون ولا توقر . وتتعمد التجاهل والإقصاء والتهميش ، حتى ينتهي بها ذلك إلى حالة يرثى لها .
• ولذلك توحشُ الحياةُ بمثل تلك الخصال، وتتكدر من جراء بعض الخلال، والتي يختل بسببها النسيج الاجتماعي، فتقل الكرامة، وتتراجع القيم، وتضمحل الأخلاق ..!
• ومن كان لديه غائلةُ سوء تجاه أهله وأحبابه، أو يعيش عقدة النقص والإهمال، تشفى منهم، وأوغل عداءه، وزاد من كيده وتأنيبه ، غير مبال بحدود أخلاقية أو اجتماعية ..!
• ويطأ على كل المحاسن والمروءات، وتفقد ذاكرته كل معاني البر والوصال، التي قُدمت وأهديت وأُزلفت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله...! وما قتل كالأحرار كالعفو عنهمُ... ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا...؟!
• وإنما لم يحفظ اليدا...! لرداءة الطباع، وسوء الطوية، وحب الاستفراد والاستبداد ، وتأزم الأخلاق، ويضاعفها مادية الإنسان الخاطفة، وضغوطات الحياة، التي جفّفت ، وأفردت، وحيّدت، والله المستعان .
• والواجبُ قهرُها بخلق الإسلام، وسلامة المسار ، وحفظ الوداد، وصون الخلان، والمواظبة على الوئام والالتحام والانسجام ، والله الموفق .
- التصنيف: