دعاء المسلم بالبركة لنفسه ولإخوانه

منذ 2020-02-23

عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان يُؤتى بالصبيان فيُبرِّك عليهم ويُحنكهم ويدعو لهم»  [متفق عليه].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله أصحابه أجمعين، أما بعد:

فالبركة هي الخير الكثير الدائم، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعدد من أصحابه رضي الله عنهم بالبركة، فحصلت لهم بركة عظيمة بسبب ذلك الدعاء، فعن السائب بن يزيد رضي الله عنه، قال: «ذهبت بي خالتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، فكان السائب يقول وهو ابن أربع وتسعين جلدًا معتدلًا: قد علمتُ ما مُتعتُ به سمعي، وبصري، إلا بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم» [متفق عليه].

وعن أنس رضي الله عنه، قال: «مات ابن لأبي طلحة، وأبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيأت شيئًا ونحَّتهُ في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح، فبات، فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخبره بما كان منهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما)، قال رجل من الأنصار: فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن» [متفق عليه].

وعن أنس رضي الله عنه، قال: « قالت أمي: يا رسول الله، خادمك أنس، ادع الله له، قال: (اللهم أكثر ماله، وولده، وبارك له فيما أعطيته)، قال: فإني من أكثر الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم حجاج البصرة بضعُ وعشرون ومائة»  [متفق عليه].

وعن عروة البارقي رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم، أعطاه دينارًا يشترى له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع أحدهم بدينارٍ، وجاء بدينارٍ وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، فكان لو اشترى التراب ربح فيه» [أخرجه البخاري].

لنيل البركة أسباب، منها: أن يسأل المسلم الله عز وجل البركة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، «سمعتُ دعاءك الليلة فكان الذي وصل إليَّ منه أنك تقول: (اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي فيما رزقتني)، فقال عليه الصلاة والسلام: (فهل تراهُنَّ تركن شيئًا)» [أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني]. 

والمسلم كما يدعو لنفسه بالبركة، فإنه يدعو لأخيه بالبركة، فالصحابة رضوان الله عليهم كانوا يدعون لإخوانهم بالبركة، فعن أنس رضي الله عنه قال: « لما قدم عبدالرحمن بن عوف المدينة، آخي رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، فقال له: هلم أقاسمك مالي نصفين، ولي امرأتان فأطلق أحدهما، فإذا انقضت عدتها فتزوَّجها، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك» [متفق عليه].

لقد جاءت النصوص تحثُّ المسلم أن يدعو لإخوانه بالبركة، فمن ذلك:

إذا رأى منهم ما يعجبه:

عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، قال: «مرَّ عامر بن ربيعة بسهل بن حنيف وهو يغتسل، فقال: لم أر كاليوم ولا جلد مُخبَّأة، فما لبث أن لُبِط، فأُتي به النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل له: أدرك سهيلًا صريعًا، قال: (من تتهمون به؟)، قالوا: عامر بن ربيعة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (علام يقتُل أحدكم أخاه؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه، فليدع له بالبركة)» [أخرجه النسائي وأحمد]

 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "في الحديث من الفوائد: أن العين تكون مع الإعجاب ولو بغير حسد، ولو من الرجل المحب، ومن الرجل الصالح، وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه".

ولو التزم المسلمون بهذا التوجيه النبوي لقلت الإصابة بحالات العين التي كثُرت في هذا الزمان، بسب عدم دعاء المسلم لأخيه بالبركة إذا رأى منه شيئًا يعجبه.

إذا تزوج أحدهم:

«عن جابر رضي الله عنه أنه تزوج، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لك)، وعن أنس رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما تزوج: (بارك الله عليك)؛ [متفق عليه]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفأ إنسانًا قال: (بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير)»  [أخرجه أبو داود والترمذي].

ودعاء المسلم لأخيه المتزوج بالبركة خير هدية يقدِّمها له؛ لأنه كأنما دعا له أن يؤلف الله بينه وبين زوجه في خير، وأن يرزقهما الذرية الصالحة، وهو ما يرغبه كل زوجين.

إذا قضى ما اقترض منهم:

عن إسماعيل المخزومي عن أبيه عن جده رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف منه حين غزا حُنينًا ثلاثين أو أربعين ألفًا، فلما قضاها إياها، قال له النبي علية الصلاة والسلام: (بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد)»  [أخرجه النسائي وابن ماجه].

إذا أكل طعامهم:

وعن عبدالله بن بسر رضي الله عنه « أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل على أبي، فقربنا إليه طعامًا، ورطبة، فأكل منها، فقال أبي: ادعُ الله لنا، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم وارحمهم)» [أخرجه مسلم]، قال الإمام النووي رحمه الله: وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة، والله أعلم.

إذا رُزِق أحدهم بمولود:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كان يُؤتى بالصبيان فيُبرِّك عليهم ويُحنكهم ويدعو لهم»  [متفق عليه].

وعن أسماء رضي الله عنها قالت: « أنها ولدت بعبدالله بن الزبير، ثم أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فدعا له وبرَّك عليه»  [متفق عليه] 

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: «ولد لي غلام، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة»  [أخرجه البخاري في كتاب الدعوات: باب الدعاء للصبيان بالبركة، ومسح رؤوسهم]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: قوله: (باب الدعاء للصبيان بالبركة)؛ أي: أن ينزل عليهم البركة، وإذا نزلت البركة على الشخص، بارك الله في قوله وفعله وماله وولده، وجميع أحواله".

فمن حُمِل إليه مولود فليدعو له بالبركة، إدخالًا للسرور والفرح على والديه، ولعل الله عز وجل أن يستجيب دعوته، فيكون ذلك الصبي مباركًا في جميع أعماله.

إذا تزوج أحدهم بزوجة جديدة:

عن أنس رضي الله عنه قال: «بُنِيَ على النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش بِخُبزٍ ولحمٍ، فأُرسلتُ على الطعام داعيًا، فيجيءُ قوم، فيأكلون، ويخرجون، ثم يجيءُ قوم فيأكُلُون، ويخرجون، فدعوتُ حتى ما أجدُ أحدًا أدعو، فقلتُ: يا نبي الله، ما أجد أحدًا أدعوه، قال: (فارفعوا طعامكم)، وبقي ثلاثة رهطٍ يتحدثون في البيت، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى حجرة عائشة، فقال: (السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله)، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟ فتقرَّى حُجَرَ نسائه كُلِّن، يقول لهن كما يقول لعائشة، ويقُلن له كما قالت عائشة...)»  [الحديث أخرجه البخاري]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: في هذا الحديث دليل على فوائد، منها: دعاء المرأة لزوجها بالبركة في الزوجة الجديدة؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: "كيف وجدت أهلك بارك الله لك؟"، وكذلك بقية زوجاته.

فلتجاهد الزوجة نفسها، ولتكن أمهات المؤمنين قدوةً لها، ولتدعو لزوجها بالبركة في زوجته الجديدة، وما يدريها أنها إذا فعلت ذلك كان ذلك سببًا في قلة أو ندرة ما يكون بينهما من غيرة، وعاشتا في سلام ووئام. 

اللهم بارك لنا في أقوالنا وأفعالنا، وأزواجنا، وأبنائنا، وأموالنا، وجميع ما رزقتنا، فإنه لا غنى لنا عن بركتك.

  • 3
  • 0
  • 11,132

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً