من وصايا الرسول عليه الصلاة والسلام
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله أخذ بيده، وقال: « يا معاذ والله إني لأُحبك، أوصيك يا معاذ أن لا تدعن في دُبُر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك» [أخرجه أبو داود]
- التصنيفات: التقوى وحب الله -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.. أما بعد:
فالوصية تعنى الأمر بالشيءٍ أمراً مؤكداً، ومن أُوصِيَ بوصية نافعة من محبٍ ناصحٍ صادقٍ مخلصٍ فإن العاقل يقبلها فإذا كانت هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمُ خيراً إلاَّ دلَّ الأمة عليه ولا يعلمُ شراً إلا وحذر الأمة منه, فإن المؤمن لا يتردد في قبولها والعمل بها, ولقد أوصى رسول الله علية الصلاة والسلام بوصايا كثيرة ينبغي الحرص على العمل بها، ومنها:الوصية بتلاوة القرآن، وذكر الله، وبعدم كثرة الضحك:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله أوصني قال: «(أوصيك... بتلاوة القرآن، وذكر الله، فإنه نور لك في الأرض، وذخر لك في السماء) قلت: يا رسول الله زدني قال: (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب) » [أخرجه ابن حبان].
الوصية بالعمل بكتاب الله عز وجل:
عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: «هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى؟ فقال: لا. فقلت: كيف كُتِبَ على الناس الوصية أو أمروا بالوصية؟ قال: أوصى بكتاب الله» . [متفق عليه] قال الإمام النووي رحمه الله: وقوله (أوصى بكتاب الله) أي بالعمل بما فيه.
الوصية بالصلاة لوقتها:
عن أبي ذرٍ رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاثة: (.. وصل الصلاة لوقتها)» [أخرجه أحمد]
الوصية بتقوى الله والسمع والطاعة لولي الأمر:
عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال « وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فبماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: (أُوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبداً حبشي، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيراً، وإياكم ومحدثات الأمور، فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين، عضّوا عليها بالنواجذ)» [أخرجه أبو داود والترمذي]
والوصية بالتقوى، أوصى بها رسول الله عليه الصلاة والسلام رجلاً أراد السفر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: «يا رسول الله إني أريدُ أن أسافر فأوصني قال: (عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف) [أخرجه الترمذي] كما أوصى بها أبا ذرٍ رضي الله عنه، فعنه قال: قلتُ: يا رسول الله أوصني، قال: (أوصيك بتقوى الله فإنه رأس الأمر كله)» [أخرجه ابن حبان]
والوصية بالسمع والطاعة لولي الأمر، أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذرٍ رضي الله عنه، فعنه أنه انتهى إلى الربذة، وقد أُقيمت الصلاة، فإذا عبد يؤمهم، فقيل: هذا أبو ذر، فذهب يتأخر، فقال أبو ذرِّ: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً حبشياً مُجدع الأطراف. [أخرجه ابن ماجه] قال الإمام ابن رجب رحمه الله: السمع والطاعة لولاة أمور المسلمين فيها سعادة الدنيا وبها تنتظم مصالح العباد في معاشهم وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة ربهم"
الوصية بالوتر وصوم ثلاثة أيام وركعتي الضحى:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث لا أدعهن حتى أموت: صوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر، وصلاة الضحى، ونومٍ على وتر» [متفق عليه] وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: «أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، وبأن لا أنام حتى أوتر» [أخرجه مسلم] وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: « أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم، بثلاث، لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبداً، أوصاني بصلاة الضحى، وبالوتر قبل النوم، وبصيام ثلاثة أيام من كل شهر» [أخرجه النسائي] ووصية عليه الصلاة والسلام لثلاثة من صحابته رضي الله عنهم بهذه الأمور، تؤكد أهميتها، فينبغي الحرص عليها.
الوصية بصحابته رضوان الله عليهم والذين يلونهم ثم الذين يلونهم:
خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيها الناس إني قُمتُ فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: «(أُوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم)» [أخرجه الترمذي] لقد حفظ أهل السنة والجماعة، وصية النبي عليه الصلاة والسلام في أصحابه رضي الله عنهم، فهم يحبونهم، ويترضون عنهم، ويتبعون منهجهم.
الوصية بقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، دبر كل صلاة:
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله أخذ بيده، وقال: « (يا معاذ والله إني لأُحبك، أوصيك يا معاذ أن لا تدعن في دُبُر كل صلاةٍ تقول: اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)» [أخرجه أبو داود]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:ويُستحبُّ للمُصلى أن يدعو قبل السلام بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم مُعاذاً أن يقول دُبُر كل صلاة:اللهم اعني على ذكرك وشُكرك وحُسن عبادتك
الوصية بالجار:
عن أبي إمامة رضي الله عنه أن النبي علية الصلاة والسلام قال: «أوصيكم بالجار» [أخرجه أحمد]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ويحصل امتثال الوصية به، بإيصال ضروب الإحسان إليه بحسب الطاقة كالهدية والسلام وطلاقة الوجه عند لقائه وتفقد حاله ومعاونته فيما يحتاج إليه...وكف أسباب الأذى عنه، على اختلاف أنواعه حسية كانت أو معنوية.
الوصية بالنساء:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «استوصوا بالنساء خيراً» [متفق عليه]
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله قوله (بالنساء خيراً) كأن فيه رمزاً إلى التقويم برفق، بحيث لا يبالغ فيه فيكسر، ولا يتركه فيستمر على عوجه...وفي الحديث الندب إلى المدارة لاستمالة النفوس وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن، والصبر على عوجهن، قال العلامة ابن باز رحمه الله: هذا أمر للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أن يستوصوا بالنساء خيراً وأن يحسنوا إليهن وأن لا يظلموهن وأن يعطوهن حقوقهن"
الوصية بعدم اللعن والسب:
عن جرموز الهجيمي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله أوصني. قال: «أُوصيك أن لا تكون لعاناً» [أخرجه أحمد] وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أسلم بعدم السب، فعن أبي تميمة عن رجل من قومه، قال: شهدت رسول الله عليه
الصلاة والسلام أتاه رجل... فأسلم، ثم قال: أوصني يا رسول الله، فقال له: «لا تسبَّنَّ شيئاً» قال: فما سببتُ شيئاً: بعيراً ولا شاةً، منذ أوصاني رسول الله علية الصلاة والسلام [أخرجه أحمد]
الوصية بعدم الغضب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم أوصني، قال: « (لا تغضب) فردد مراراً (لا تغضب)» [أخرجه البخاري]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: هذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصيةً جامعةً لخصال الخير، ليحفظها عنه، خشية أن لا يحفظها لكثرتها، فوصاه النبي صلى الله عليه وسلم: أن لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مراراً، والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماعُ الشَّرِّ، وأن التحرُّز منه جماع الخير...وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب) يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.
والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضي الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه والعمل بما يأمر به، فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمرُهُ به غضبُهُ، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شر الغضب، وربما سكن عنه غضبُهُ، وذهب عاجلاً، فكأنه - حينئذ - لم يغضب.
اللهم وفقنا للعمل بوصايا رسولك عليه الصلاة والسلام.