العالم العربي مات إكلينيكيا .. فهل من فرصة لإحيائه؟
ويجب هنا التذكير بأن المطلوب لإحياء أمتنا الإسلامية والعربية هو عملية نهضة حضارية شاملة
لا شك أن العالم العربي مات اكلينيكيا وهو يحيا الآن على أجهزة غرفة الرعاية المركزة، فهل من فرصة لإحياء أمتنا العربية والإسلامية؟؟.. لا شك أن هناك فرصة لإحيائه بل وإعادته لحياة جديدة يعيش فيها عملاقا ويعيد مجد أجداده الفاتحين من صحابة النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم و رضى الله عن صحابته أجمعين، فما هذه الفرصة؟ ومن هم المعنيون بها؟.
عندما نطلق تعبير العالم العربي فإنه ينصرف إلى أمرين مختلفين هما:
-النظام الرسمي بأجهزته ومؤسساته.
-القوي الشعبية أى الفئة المهتمة بالإصلاح من الشعب العربي.
ويكاد يكون من المتفق عليه توصيف طبيعة النظام العربي الرسمي من حيث الفشل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي وعدم الإنجاز وعجزه عن تحقيق آمال الجماهير، فأرقام الفقر والبطالة والجهل والمرض وتدني البحث العلمي وهزالة الانتاج وأزمات الاقتصاد وانهيار معدلات التنمية والمشكلات الاجتماعية والتعليمية و الصحية كلها أشهر من أن نناقشها، بل انهارت عدة دول عربية لهاوية الفشل الكامل (اليمن – سوريا – ليبيا – العراق) وهناك دول عربية أخرى على نفس الطريق للأسف، ويقف النظام الرسمي العربي عاجزا ومرتبكا أمام هذا كله، وعلى كل حال فهذا ليس موضوعنا فى هذا التحليل.
إن موضوعنا هو كيف يمكن للقوى الشعبية أن تنقذ العرب من نكبتهم الراهنة وتخرج الأمة العربية من الموت الإكلينكي الحالي إلى حياة العزة والمجد والتقدم والرقي الحضاري.
ولاشك من وجهة نظرنا أن الطريق هو حيازة القدرة التي قد يسميها البعض القوة ولكن تعبير القدرة هو أشمل وأدق لأن القوة قد يظن البعض مخطئا أنها قوة السلاح فقط بينما القدرة هى واضحة فى الشمول بحيث تشمل القوة العلمية والفكرية والاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية والفنية..الخ جنبا إلى جنب مع قوة السلاح ومحصلة هذا كله هو القوة السياسية المطلوبة للنهضة.
إن التحرك لصنع النهضة أو للتفاعل مع الأحداث بصنعها أو التأثير فيها قبل حيازة الحد الأدني المناسب من القدرة هو عبث لن ينتج عنه سوى المزيد من الخسائر والمشاكل والمعاناة ونضرب مثالا واقعيا لتوضيح فكرتنا هذه وهو لو أن طالبا في الثانوية يرغب بدخول كلية الطب أو الهندسة لكنه بسبب تعجله فإنه يسعى لممارسة الطب وهو مازال فى الثانوية فلا شك أنه سيؤذى المرضى لأنه حقيقة مازال طالبا فى الثانوية وكذا هو سيتسبب فى خسائر ضخمة لو مارس الهندسة وهو مازال طالبا فى الثانوية.
ويجب هنا التذكير بأن المطلوب لإحياء أمتنا الإسلامية والعربية هو عملية نهضة حضارية شاملة وليس فقط الاقتصار على تغيير سياسي أو إداري، والنهضة الشاملة قبل أن تكون عملية حركية واقعية على الأرض فهي أطروحات فكرية نهضوية، وهكذا لدينا عدة عمليات بعضها يجري معا وبعضها يترتب على ما قبله كالتالي:
المسار الأول والأهم وهو التطور الفكري لتقديم طرح تجديدي متطور وملتزم بالأصالة والمعاصرة يقدم حلولا وإجابات عن المشكلات المعاصرة التى تعترض طريق الصحوة والنهضة والإحياء لأمتنا بشرط أن تكون الحلول والإجابات متوازنة وملتزمة بالمنهج الإسلامي دون ترخص جافي يجيز الليونة الزائدة والإنبطاح ودون تشدد غالي يدفع للرعونة والحمق والتهور بما يشبه الانتحار.
ويتوازى مع المسار الأول مسار لنسميه المسار الأول مكرر وهو: تكوين العلماء والباحثيين والدعاة والإعلاميين والحركيين ذوى الفقه والوعي الإسلامي الصحيح.
ويتوازى مع ذلك كله تحصيل المال بكم وكيف يمنح قوى التغيير بل ويمنح الأمة بشكل عام قوة ونفوذ المال بما يشمله من أدوات القوة الناعمة بكل أدواتها وصورها.
وتاليا لذلك كله يأتي التحرك على الأرض عمليا لتحقيق النهضة المرجوة وفقا لأسس العلم الشرعي السليم والعلوم الأجتماعية والطبيعية الحديثة.
إذن فالنهضة تحتاج نهضة فكرية أولا ثم نهضة حركية أو عملية فعلية على أرض الواقع تاليا، ولكن الفعل السياسي لن يكون مصاحبا فقط للمرحلة الحركية العملية بل سنجد حاجة لقرار سياسي متعلق باختيار سياسي يحدد أساليب (تكتيكات) عملية للنهضة الفكرية واختيار البيئة والنظم والمؤسسات التى تحتاجها هذه النهضة الفكرية كى تصل لمنتهاها بنجاح.
وأثناء ذلك كله نرى الأحداث الجارية تتابع بل تتسارع وتستفزنا جميعا فما العمل إزاء هذه الأحداث الجارية التي تصفعنا و تصفع أمتنا بقوة كل يوم فهل نظل نشاهدها دون أن نتعامل معها إلى أن ننجز مراحل النهضة الفكرية والاقتصادية ثم الحركية ثم أخيرا نتعامل معها من منطلق قدارتنا الناهضة؟؟
والإجابة هي بكل وضوح: "نعم لاينبغي الانغماس فى اشتباكات وتفاعلات مع الأحداث قبل اكتمال قدرتنا النهضوية.. ولكن..."
إن شرح كلمة ولكن هذه يضم ثلاث حالات هي:
الحالة الأولى: حالة بؤر الأزمات الجارية فى العالم الإسلامي مثل حالات سوريا واليمن وأفغانستان وكشمير..الخ، ففي مثل هذه البؤر يصعب أو يستحيل الانسحاب لأن المسلمين فى حالة اشتباك يعجزون عن الانسحاب منه ولكن ينبغي في هذه الحالات الالتزام بأمرين:
-التحلي بالرشد والموضوعية والعلمية في صنع الاستراتيجيات والتكتيكات والقرار بشكل عام لأن واقع الأمر حاليا أن أغلب من يسيطرون على القرار بكل مستوياته هم من الهواة.
-التحلي بروح عملية النهضة وفقا للمخطط المقترح أنفا هنا بالعمل على مسارات النهوض الفكري العلمي والاقتصادي ومايلزم ذلك من التنمية والتطوير الاجتماعي بقدر الامكان و {لا يكلف نفسا إلا وسعها} (سورة البقرة من الآية 286).
الحالة الثانية: حالة ما إذا استلزمت عملية النهضة الشاملة -(وفق التصور المقترح هنا)- التفاعل أو التعامل مع بعض الأحداث أو الأطراف صانعة الأحداث فهذا من الضرورة، و الضرورة لابد أن تقدر بقدرها فلا تزيد ولا يتوسع فيها كما هو معروف شرعا، وغني عن الذكر أن من يقدر الضرورة ويقرر استعمال حالتها هم أهل العلم بفقه السياسة الشرعية ونشدد على كلمة "الفقه" إذ ليس كل من حفظ العلم الشرعي أو الفقه بفقيه فهؤلاء الحفاظ (الذين لم يكتسبوا ملكة الفقه والاستنباط) هم من جروا وما يزالون يجرون الكوارث على أمتنا الإسلامية المعاصرة.
الحالة الثالثة: وتتمثل فى أننا ليس كلنا سواء فبعض القوى وبعض الأفراد لديه شيء من القدرة غير المكتملة(وإن كان ذلك قليلا) فهؤلاء الذين يمتلكون شيئا من القدرة لن يمكننا أن نمنعهم من الفعل ولكن يلزمنا أن نؤكد عليهم أن لا ينخرطوا فى الفعل إلا بقدر هذه الأدوات التي يمتلكونها دون أن يغامروا فى فعل أعلى أو أكبر من قدرتهم الحقيقية وذلك لحين استكمال القدرات التى تكفى لتحقيق سقف طموحاتهم الأعلى فى الفعل والتأثير فى مسار الأحداث على أرض الواقع وغني عن الذكر أن تقدير مقدار القدرة والمقدار المكافيء لها من الانغماس فى التعامل مع الأحداث ينبغي أن يتم برشد وموضوعية من قبل فقيه فى السياسة الشرعية مدرك لحقائق الواقع ومجريات الأحداث ونكرر "فقيه" وليس حافظا للفقه كما نكرر "مدرك لحقائق الواقع" وليس متخيل لحقائق الواقع بمجرد الخيال الواهم أو بتحويل آماله لتصورات وهمية حول الواقع يظنها حقا.
ورغم هذا كله فالكل مدعو لحل مشكلتين على المستوى الشخصى:
1-كيفية التفاعل مع الأحداث الجارية بما يشمل تحديد هدف هذا التفاعل، فقد يكون مجرد متابعة لاستمرار الفهم السليم لحقائق الواقع وقد يكون لأنه يقع ضمن إحدى الحالات الثلاث آنفة الذكر، ولكن غير ذلك فهو مضيعة واستنزاف لذاته.
2-تحديد إمامه أو معلمه فى شتى العلوم الشرعية والاجتماعية.
ولا بد هنا أن نشير إلى أن أغلب المتفاعلين مع الأحداث يتفاعلون خطأ ولا يملكون أدوات التفاعل الصحيح، و يجب الإقلاع عن الصراخ والعويل وإطلاق الشعارات عبر السوشيل ميديا والإعلام وبدلاً من ذلك العمل الجاد لاكتساب القدرة أو بعض عناصرها بحسب ما شرحنا هنا، ويجب توظيف كل شئ بما فى ذلك السوشيل ميديا والاعلام لتحقيق هذا الهدف.
ولابد أن نعي جيدا أن المسارعة للتفاعل مع الأحداث أو محاولة التأثير فيها دون امتلاك أدوات القدرة على النجاح في هذا هو أمر غير مشروع لقوله تعالى " {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} " ولإجماع الفقهاء على سقوط الواجب عند العجز وإجماعهم على وجوب الأخذ بالأسباب وهي هنا القدرة وأدواتها وكذا فإن من يسقط عنه الواجب لعذر فإنه يلزمه السعي لإزالة هذا العذر والقاعدة الفقهية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والمشكلة ليست هذا فقط بل على المستوي العملي الواقعي فإن من يخض غمار الأحداث دون امتلاك القدرة سيفشل وسيفهم متأخرا –ربما بعد بلاء وعناء- أنه لابد أن يبدأ من جديد عبر نقطة البداية الصحيحة وهي السعي لامتلاك القدرة وأسبابها وأدواتها.
وختاما فإنه رغم هذا كله يجب أن يتحسب كل منا (فرد أو حزب أو جمعية) لأي انفجار شعبي مفاجئ أو تصدع مؤسسي مفاجئ فحينها ينبغي أن يكون لدى كل منا سيناريو علمي موضوعي رشيد قائم على فقه حقيقي جاهز للتعامل مع الموقف الآني، ولو تسائل أحد كيف ومتى ولماذا فليعلم أنه غير مخاطب بهذه الفقرة فالمخاطبون بها لديهم إجابات رشيدة حول إجابة كل هذه الأسئلة.
- التصنيف: