أسباب حرمان حلاوة العبادة ولذتها
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
قال الإمام ابن رجب رحمه الله : الذنوب تتبعها ولا بد من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد, وظلمة القلب, وقسوته أضعاف ما أضعاف ما فيها من اللذة, ويفوتُ بها حلاوة الطاعات"
- التصنيفات: دعوة المسلمين -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد:
فلحلاوة الإيمان والعبادة آثار لابد أن تظهر على من رزقه هذه الحلاوة, قال الإمام ابن رجب رحمه الله : ذكر ابن المبارك عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه دخل المدينة, فقال لهم : ما لي لا أرى عليكم يا أهل المدينة حلاوة الإيمان ؟ والذي نفسي بيده لو أن دب الغابة وجد طعم الإيمان, لرؤى عليه حلاوة الإيمان.
فإن لم تظهر هذه الآثار فالباب مغلق, قال الحسن البصري رحمه الله : تفقدوا الحلاوة في ثلاث : في الصلاة, وفي القرآن, وفي الذكر, فإن وجدتموها فامضوا وأبشروا, وإن لم تجدوها فاعلم أن بابك مغلق.
ومتى شعر العبد أنه لا يجد حلاوة في قلبه للطاعة والعبادة, فليراجع نفسه ليعرف أسباب ذلك, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- يقول : إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحاً, فاتّهمه, فإن الرب تعالى شكور, يعني أنه لا بد أن يُثيب العامل على عمله في الدنيا, من حلاوة يجدها في قلبه, وقُوة انشراح وقُرَّة عينٍ, فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول"
كما أن عليه أن يجاهد نفسه في التوبة من الذنوب, ويكثر من التوبة والاستغفار, متبرئاً من حوله وقوته, سائلاً الله عز وجل الإعانة والتوفيق, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان, فإن الله يقول : {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وعليه بإقامة الفرائض ظاهراً وباطناً ولزوم الصراط المستقيم مستعيناً بالله, متبرئاً من الحول والقوة إلا به"
والعبد قد يُبتلى ليذوق حلاوة الإيمان, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين, أن ينزل بهم الشدة والضر, ما يلجئهم إلى توحيده, فيدعونه مخلصين له الدين, ويرجونه ولا يرجون أحداً سواه, وتتعلق قلوبهم به لا بغيره, فيحصل لهم من التوكل عليه, والإنابة إليه, وحلاوة الإيمان, وذوق طعمه...ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض...أو حصول اليسر وزوال العسر في المعيشة"
لحرمان حلاوة العبادة ولذتها أسباب ينبغي للعبد أن ينتبه لها ويحذر منها ويبتعد منها, من أهمها:
المعاصي والذنوب
حلاوة العبادة في طاعة الله ورضوانه, قال الله عز وجل : {من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة} [النحل:97] قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : قال الضحاك : هي العمل بالطاعة والانشراح لها, وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله : قال الحسن وغيره من السلف : لنرزقنه عبادةً يجدُ حلاوتها في قلبه"
فأهل الذنوب والمعاصي لا يجدون حلاوة العبادة ولا لذتها, ولا يتنعمون بها, فالعبادات ليست قرة أعينهم, ولا سرور قلوبهم, ولا غذاء أرواحهم وحياتهم, قال بشر الحارث رحمه الله : لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سداً, أو حائطاً من حديد, وقال يحيى بن معاذ رحمه الله : القلب لا يجدُ حلاوة العبادة مع الذنوب
قيل لوهيب ابن الورد رحمه الله : يجد طعم العبادة من يعصي؟ قال: ولا من يهم بالمعصية.
وذكر ابن القيم رحمه الله: أن من عقوبة الذنب : محو لذة الذكر والقراءة والدعاء والمناجاة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فالمؤمن المحب لله ورسوله, الذي يحب الله ورسوله, أعظم من كل شيء, والله ورسوله أحب إليه مما سواهما, والذي يخشى الله ويخافه إذا عصاه, هو في حال حصول حبه التام, وخوفه في قلبه, لا يفعل شيئاً من ذلك, بل حب الله ورسوله الذي وجد حلاوته وهو أحب إليه من هذه المنهيات التي يبغضها الله ورسوله, ومتى وقع فيها نقص ذلك الحب وتلك اللذة الإيمانية, فلو كانت اللذة الإيمانية الكاملة موجودة لما قدم عليها لذة تنقصها وتزيلها.
وقال الإمام ابن رجب رحمه الله : الذنوب تتبعها ولا بد من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد, وظلمة القلب, وقسوته أضعاف ما أضعاف ما فيها من اللذة, ويفوتُ بها حلاوة الطاعات"
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله عن فوائد ترك الذنوب : ذوقُ حلاوة الطاعة وحلاوة الإيمان, وقال رحمه الله : العبد في حال معصيته واشتغاله..بشهوته ولذته, تكون تلك اللذة والحلاوة الإيمانية قد استترت عنه وتوارت, أو نقصت أو ذهبت, فإنها لو كانت موجودة كاملة لما قدم عليها لذة وشهوة لا نسبة بينها بوجه ما, بل هي أدنى من حبة خردل بالنسبة إلى الدنيا وما فيها...ولهذا تجد العبد إذا كان مخلصاً لله, منيباً إليه, مطمئناً بذكره, مشتاقاً إلى لقائه..منصرفاً عن هذه المحرمات, لا يلتفت إليها, ولا يُعول عليها.
عبادة الله على غير بصيرة وعلم
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : قال تعالى : { قُل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } [سورة الزمر:9] فالذي يعبد الله على بصيرة يجد لعبادته لذةً وحلاوةً عظيمة, بخلاف من يعبد الله على غير علم ولا بصيرة.
الوقوع في المُشتبهات
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله : من رزق قلباً طيباً ولذة مناجاة, فليراع حاله وليحترز من التغير, وإنما تدوم له حاله بدوام التقوى, وكنتُ رزقتُ قلباً طيباً, ومناجاة حلوة, فأحضرني بعض أرباب المناصب إلى طعامه...فتناولت وأكلت منه, فلقيت الشدائد, ورأيت العقوبة في الحال, واستمرت مدة وغضبت على قلبي, وفقدت كل ما كنتُ أجده.
صحبة الفاسقين, محبة الدنيا, طلب رضا الناس المفضي لترك الحق
قال الإمام الذهبي : قال نصر بن محمود البلخي : قال أحمد بن حرب رحمهم الله : عبدت الله خمسين سنة, فما وجدت حلاوة العبادة, حتى تركت ثلاثة أشياء : تركت رضا الناس حتى قدرت أن أتكلم بالحق, وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين, وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة.
و مما ينبغي التنبيه إليه أن أي لذة يجدها العبد في غير طاعة الله وعبادته, فهي لذة تنقلب آلاماً وعذاباً في الدنيا قبل الآخرة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله : إن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته, ولم يجعل الله معصيته سبباً إلى خيرٍ قط, وقال رحمه الله لا تظن أن قوله تعالى : {إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار:13-14] مختص بيوم الميعاد فقط, بل هؤلاء في نعيم في دورهم الثلاثة وهؤلاء في جحيم في دورهم الثلاثة, وقال رحمه الله:وتلك اللذَّة أجلبُ شيءٍ للهموم والغموم عاجلاً وآجلاً, ففي لذة ذكر الله والإقبال عليه والصلاة بالقلب والبدن من المنفعة الشريفة العظيمة السالمة عن المفاسد, الدافعة للمضار, غنىً وعوض للإنسان – الذي هو إنسان- عن تلك اللذَّّة الناقصة القاصرة, المانعة لما هو أكمل منها, الجالبة لألمٍ أعظم منها"
اللهم يا كريم ارزقنا حلاوة طاعتك وعبادتك.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبد الله الشويرخ