بل تؤثرون الحياة الدنيا
أحمد كمال قاسم
{وَما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَو كانوا يَعلَمونَ} [العنكبوت: ٦٤]
- التصنيفات: الزهد والرقائق -
نادرًا ما يعمم القرآن، لذا فإنه عندما يعمم يجب أن ندرك أنه يتحدث عن أمر متفشٍ إلى درجة عظيمة يكون التعميم معها هو الأنسب .
﴿قَد أَفلَحَ مَن تَزَكّىوَذَكَرَ اسمَ رَبِّهِ فَصَلّىبَل تُؤثِرونَ الحَياةَ الدُّنياوَالآخِرَةُ خَيرٌ وَأَبقى﴾ [الأعلى: ١٤-١٧] .
نعم نحن نؤثر الحياة الدنيا!
حتى لو صلينا الخمس صلوات وصمنا وقمنا وزكينا وحججنا واعتمرنا.
أتدرون لماذا؟
لأن الدين ليس هو حياتنا بل نشاط مواز لحياتنا، مقطوع الصلة عنها، وربما نفهم من اسم "الصلاة" أنها تصل الأرض بالسماء، وتجعل كل نشاطاتنا في سبيل الله ومن أجله! تصل ما قبل وبعد الصلاة من نشاط يومي بالصلاة وما فيها من اجتماع مع رب العالمين! .
هل لاحظتم في الآيات أن "قد أفلح من تزكى، وذكر إسم ربه" جاءت كسبب ل "فصلى"!
إن الصلاة هنا جاءت كنتيجة طبيعية لكون الإنسان مهمومًا بربه محبًا له، ويثبت هذا الحب ليل نهار بتزكية نفسه وبتذكر الله دوما، وهذا هو ما يدفعه لتجديد لقائه بربه خمس مرات - على الأقل - يوميا! .
إن الصلاة لم تأت غريبة عن حياتنا أو مجرد واجب جاء معاده لكن لا علاقة له بما قبله وبعده، بل هي جاءت بنسق طبيعي نتيجة تزكية النفس وتذكر الله في كل عمل نقوم به ليل نهار. .
نعم نحن نؤثر الحياة الدنيا، فنراها هي الحياة، وليست هي الجزء الأصغر من الحياة التي امتدادها هو الدنيا والآخرة، والجزء الأعظم والأهم و الأساسي هي الآخرة، لذلك لا يسميها الله "الحياة الآخرة" لأنها لا تحتاج لهذا الإسم! فهي منعوتة في القرآن بأنها "الحيوان" أي المفعمة بالحياة الحقيقية، وتُذكَر أحيانا أنها "الدار الآخرة" لأن فيها الاستقرار والقرار. .
فلتكن الدنيا لنا مرحلةً مؤقتة نعمل فيها لنيل الجنة في الدار الآخرة، وليست حياةً نهائية نخلد إليها ونؤثرها على الآخرة.
{وَما هذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ لَو كانوا يَعلَمونَ} [العنكبوت: ٦٤] والله أعلم .