الرسالة الأولى
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
لقد اختارَتْ رضي الله عنها الله ورسوله والدار الآخرة، وقال: ذكر أهل العلم أن عمرها كان إذ ذاك أربعة عشر عامًا تقريبًا
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
طاعتُكِ لله ولرسوله خيرٌ لكِ في دُنياكِ، وسعادةٌ لكِ في آخِرتِكِ
بُنيَّتي: اجعلي طاعة الله ورسوله نُصْبَ عينيكِ؛ فأنتِ إن فعلتِ ذلك فستنالين الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فمن أطاع الله ورسوله فهو في أعلى درجات الجنة، مع أولياء الله الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين - جعلنا الله منهم - قال ربُّنا عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69]وطاعة الله والرسول عليه الصلاة والسلام يجني الإنسانُ ثمارَها في الدنيا قبل الآخرة, فإن أردتِ دليلًا لهذا، فاستمعي لما تقوله الصحابية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فقد ذكرت أن زوجها طلَّقها ثلاثًا، وأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «((أما معاوية فرجُلٌ ترِبٌ، وأما أبو جهم فرجُلٌ ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد))، فقالت: بيدها أسامة! أسامة! فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((طاعةُ الله وطاعةُ رسوله خيرٌ لَكِ)) قالت: فتزوَّجْتُهُ، فاغتبَطَتْ به» .
لقد جنَتْ رضي الله عنها ثمارَ طاعتِها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا قبل الآخرة، حيث قالت: تزوجتُه، فاغتبطْتُ به، وسعِدْتُ معه.قال أهل العلم: طاعة الله ورسوله كلُّها خيرٌ، والعاقبة لمن أطاع الله ورسوله، حتى وإن توهَّم في أول الأمر أنه لا يستفيد، فهذا أسامة بن زيد كرهتْهُ فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما، وفي النهاية تقول: إنها اغتبطَتْ به، وجعل الله بينهما مودَّةً ورحمةً.
فإيَّاك أن تُخالِفَ أمرَ الله ورسوله، أطِع الله ورسوله؛ فإن الخير في طاعة الله ورسوله، والعاقبة للمتَّقين.
وإن رغبْتِ دليلًا ثانيًا فاستمعي لما تقوله أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها، فقد ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «((ما من عَبْدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي، وأخْلِف لي خيرًا منها إلا أَجَرَهُ الله في مُصيبته، وأخْلَف له خيرًا منها))، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قلتُ: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة، أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قُلْتُ: مَنْ خيرٌ من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عزم الله لي فقلتها كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.»
قال أهل العلم: لم يكن يخطُر ببالها أن يتزوَّجَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لثقتها بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، قالَتْ ذلك.
فأنتِ يا بُنيَّتي: كوني واثقةً مطمئنةً لما يأمُر به الله جل جلاله، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن في ذلك الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة.
بُنيَّتي: ليكن هدفُكِ ومرادُكِ وغايتُك رضا الله ورسوله والدار الآخرة، كما فعلت أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن اللائي اخترْنَ ذلك عندما خيَّرهُنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، قالت: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يُخيِّرَ أزواجَه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فلا عليكِ ألَّا تستعجلي حتى تستأمري أبويك))، وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمُرانني بفِراقه، قالت: ثم قال: ((إن الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ [الأحزاب: 28])) إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أُريدُ الله ورسوله والدار الآخرة.»
لقد اختارَتْ رضي الله عنها الله ورسوله والدار الآخرة، وقال: ذكر أهل العلم أن عمرها كان إذ ذاك أربعة عشر عامًا تقريبًا، فكانت صغيرة السن، شابَّةً، والشابة غالبًا تريد الحياة الدنيا وزينتها، ومع ذلك تركتها لله ولرسوله وللدار الآخرة، فما أعقلها رضي الله عنها! فلتكُن هي وبقية أمهات المؤمنين قدوةً لكِ في ذلك.
قال أهل التفسير رحمهم الله: اخترْنَ رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة.
بُنيَّتي: إن من مقتضيات الإيمان إذا قضى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام أمرًا ألا يخالف المؤمنُ أو المؤمنةُ أمرَ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألَّا يختار خلاف أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ } [الأحزاب: 36]، فالخير كل الخير فيما قضاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فينبغي السمع والطاعة والتسليم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].
بُنيَّتي: عليكِ بالسمع والطاعة، والامتثال لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولتكن أمهات المؤمنين أفضل النساء في أفضل القرون، هنَّ قُدوتكِ في ذلك؛ عن معاذة بنت عبدالله، قالت: سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بالُ الحائض تقضي
الصومَ، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسألُ، فقالت: كان يُصِيبُنا ذلك، فنؤمَرُ بقضاء الصوم، ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة.
واحذري من الاستماع لدُّعاة الضلال الذين يزخرفون الفساد بقوالب ناعمة سامة.