قضية التحكيم وقولهم رضينا بالأمين
أبو الهيثم محمد درويش
والمتأمل هنا في حال قريش التي كانت تهتف بأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وتيقنهم من صدقه وأمانته يعلم أنهم وكل معاند بعدهم إنما يعادي الشريعة السماوية ليحابي بهذا العداء هواه وشيطانه
- التصنيفات: السيرة النبوية -
وهو في الخامسة والثلاثين عليه الصلوات والتسليم والرضوان, أرادت قريش إعادة بناء الكعبة بعدما أصابها سيل وقبله أصاب كنزها سرق, وجمعوا ما معهم من مال حلال واتفقوا ألا يدخل فيه (مهر بغي ولا مال ربا) ... وهذه من العجائب ( أن كفار قريش كانوا أفضل من كثير من مسلمي اليوم في فهم أن الله طيب لا يقبل إلا طيباً وما أكثر ما نرى اليوم من موائد الراقصات والعاهرات تمتد للفقراء بنية التقرب إلى الله , وما أكثر ما نرى من أعمال خيرية تقام على أموال الربا ويتباهى أصحابها من كبار المرابين ويراءون بما قدمت أيديهم من مال خبيث) وهذه ليست دعوة لوقف مثل هذه الأعمال وإنما هي دعوة وقف المحرم من الأفعال فأصحاب هذه الفعال تجب عليهم التوبة الصادقة كما يجب عليهم إخراج مثل هذه الأموال كلها بنية التخلص من حرام وليس التصدق بفضل أموالهم الخبيثة.
وأحضرت قريش بناءاً رومياً وجمعت بطون قريش أبناءها للمساعدة في جمع الحجارة والبناء وقد تقاسمت بطون قريش شرف الخدمة فيما بينها ثم اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود مكانه حتى كادوا يقتتلوا , ثم اتفقوا على تحكيم أول داخل بالبيت, فاختار الله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فلما رأوه هتفوا : هذا الأمين .. رضينا بالأمين,, فأمرهم صلى الله عليه وسلم بوضع الحجر في رداء وأن يتقاسم كبراء بطون قريش حمل الحجر من أطراف الرداء ثم وضعه بيده الشريفة صلى الله عليه وسلم وكان سبباً في حقن دمائهم.
والمتأمل هنا في حال قريش التي كانت تهتف بأمانة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة وتيقنهم من صدقه وأمانته يعلم أنهم وكل معاند بعدهم إنما يعادي الشريعة السماوية ليحابي بهذا العداء هواه وشيطانه, فهو لا يقبل قيود الشرع التي تحرم الخبائث ولا يقبل الانقياد لحكم الخالق سبحانه لسبب أو لآخر وإن كانت مجمل الأسباب تجتمع في الاغترار بالدنيا وأهلها.
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
بناء الكعبة وقضية التحكيم
ولخمس وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة؛ وذلك لأن الكعبة كانت رَضْمًا فوق القامة، ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل عليه السلام، ولم يكن لها سقف، فسرق نفر من اللصوص كنزها الذي كان في جوفها، وكانت مع ذلك قد تعرضت ـ باعتبارها أثرًا قديما ـ للعوادى التي أدهت بنيانها، وصدعت جدرانها، وقبل بعثته صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم انحدر إلى البيت الحرام، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار، فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصًا على مكانتها، واتفقوا على ألا يدخلوا في بنائها إلا طيبًا، فلا يدخلون فيها مهر بغى ولا بيع ربًا ولا مظلمة أحد من الناس، وكانوا يهابون هدمها، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومى، فأخذ المعول وقال: الله م لا نريد إلا الخير، ثم هدم ناحية الركنين، ولما لم يصبه شيء تبعه الناس في الهدم في اليوم الثاني، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم، ثم أرادوا الأخذ في البناء فجزأوا الكعبة، وخصصوا لكل قبيلة جزءًا منها. فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة، وأخذوا يبنونها، وتولى البناء بناء رومي اسمه: باقوم. ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليال أو خمسًا، واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومى عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد، فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر طلب رداء فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه، وهذا حل حصيف رضى به القوم.
وقصرت بقريش النفقة الطيبة فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوا من ستة أذرع، وهي التي تسمى بالحجر والحطيم، ورفعوا بابها من الأرض؛ لئلا يدخلها إلا من أرادوا، ولما بلغ البناء خمسة عشر ذراعًا سقفوه على ستة أعمدة.
وصارت الكعبة بعد انتهائها ذات شكل مربع تقريبًا، يبلغ ارتفاعه 15 مترًا، وطول ضلعه الذي فيه الحجر الأسود والمقابل له 10 أمتار، والحجر موضوع على ارتفاع 1.50متر من أرضية المطاف. والضلع الذي فيه الباب والمقابل له 12مترًا، وبابها على ارتفاع مترين من الأرض، ويحيط بها من الخارج قصبة من البناء أسفلها، متوسط ارتفاعها 0.25مترًا ومتوسط عرضها 0.30 مترًا وتسمى بالشاذروان، وهي من أصل البيت لكن قريشًا تركتها. أ هـ
#أبو_الهيثم
#مع_الحبيب