شؤم البدع
خالد سعد النجار
البدعة مأخوذة من «البدع» وهو الاختراع على غير مثال سابق، وفي الدين هي: ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب، والابتداع على قسمين
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
{بسم الله الرحمن الرحيم }
ما أشأم البدعة وما أشد ضررها على الدين، لا فرق في ذلك بين صغيرها وكبيرها، ولا حقيرها وجليلها، «فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» وكما أن المعاصي بريد الكفر، فإن صغار البدع تقود إلى كبارها من البدع الكفرية المغلظة، ولا غرابة في ذلك، فمعظم النار من مستصغر الشرر.
البدعة عند أهل الحق تنافي كمال التوحيد، وهي وسيلة من وسائل الشرك، وعرفها المحققون بأنها: «قصد عبادة الله تعالى بغير ما شرع به»، والوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلي الشرك في عبادة الله تعالى أو الابتداع في الدين يجب سدها، لأن الدين قد أكتمل كما قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة:3]
تعريف وتأصيل
البدعة مأخوذة من «البدع» وهو الاختراع على غير مثال سابق، وفي الدين هي: ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به الدين أمر إيجاب أو استحباب، والابتداع على قسمين:
1- ابتداع في العادات: كالمخترعات الحديثة، وهذا أمر مباح.
2- ابتداع في الدين وهو نوعان:
أ- بدعة قولية اعتقادية: كمقالات الجهمية والمعتزلة، والمعتقدات المنحرفة للفرق الضالة كلها .
ب- بدعة في العبادات: كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها، وهي أنواع:
- ما يكون في أصل العبادة: مثل إحداث صلاة غير مشروعة، أو صيام غير مشروع، أو أعياد غير مشروعة.
- ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة: كزيادة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في نهاية الأذان.
- ما يكون في صفة أداء العبادة: كالأذكار بأصوات جماعية مطربة، وتخصيص وقت للعبادة المشروعة: مثل قيام ليلة النصف من شعبان أو صيام يومها، فأصل الصلاة والصيام مشروع، ولكن تخصيصه بوقت يحتاج إلى دليل.
أسباب ودوافع
1- الجهل بأحكام الدين. 2- إتباع الهوى والخضوع لسيطرة العادات. 3- التعصب لآراء الرجال، مما يحول بين المرء وإتباع الدليل. 4- التشبه بالكفار في عاداتهم وأساليب حياتهم وتفكيرهم.
حكم البدعة في الدين
كل بدعة في الدين محرمة لقوله صلى الله عليه وسلم: ( «إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» ) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم: ( « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » ) (2)
فالبدع في العبادات والاعتقاد محرمة ولكن التحريم يتفاوت حسب درجة البدعة .. فمنها ما هو كفر صريح: كالطواف بالقبور تقرباً لأصحابها، وتقديم الذبائح والنذور لها، ودعاء أصحابها والاستغاثة بهم، وكذلك مقالات غلاة الجهمية.
ومنها ما هو من وسائل الشرك: كالبناء على القبور والصلاة والدعاء عندها. ومنها ما هو فسق اعتقادي: كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة. ومنها ما هو معصية: كبدعة الصيام قائماً في الشمس، وكبدعة التبتل.
ويكفي المبتدع إثماً أن عليه وزر من يعمل ببدعته، فقال صلى الله عليه وسلم: ( «من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزرهم شيئاً» ) [3] وقد حذر السلف من البدع وبينوا خطورتها، حتى قال بعضهم: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية قد يتوب صاحبها، أما البدعة، فنادراً ما يرجع عنها»، ونهوا عن توقير أصحاب البدع، بل دعوا إلى هجر أصحابها لأن توقيرهم مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
أحداهما: التفات العامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس فيؤدي ذلك إلى إتباعه على بدعته، دون إتباع أهل السنة على سنتهم.
والثانية: أنه إذا وقره من أجل بدعته، صار ذلك كالمحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء، فتحيى البدع، وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه.
قال ابن رجب –رحمه الله-: من سار على طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وإن اقتصد فإنه يسبق من سار على غير طريقته وإن اجتهد.
وقال حذيفة: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالا، فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من قبلكم. (4)
وعنه قال: يا معشر القراء، استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا. (5)
وقال البيهقي وهو يتحدث عن الشافعي: وكان الشافعي شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم. (6)
وقال الإمام أحمد: إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه. (7)
وقال ابن المبارك: اللهم لا تجعل لصاحب بدعة عندي يداً فيحبه قلبي. (8)
وقال الفضيل بن عياض: من أحب صاحب بدعة، أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه. (9)
وقال عبد الله بن داود: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى. يعني: أهل البدعة. (10)
وقال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري: ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك. ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة. (11)
وقال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث: واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم. (12)
وقال أيضاً: ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله: { {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} } [الأنعام:68] (13)
الهوامش
(1) أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (2) البخاري ومسلم (3) الإمام مسلم (4) أبو داود في سننه (5) البخاري (6) انظر مناقب الشافعي [1/469] (7) طبقات الحنابلة [1/196] فيدل أنه لا يجوز محبة أهل البدع. (8) اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 1/140 (9) شرح السنة للبربهاري [138-139]، والإبانة لابن بطة (10) سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم [10/392] (11) الشرح والإبانة ص 282 (12) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 123(13) عقيدة السلف وأصحاب الحديث 114-115
د/ خالد سعد النجار