من دروس تحويل القبلة " تعظيم أمر الصلاة "
محمد سيد حسين عبد الواحد
نتحدث فى ذلك تثبيتاً وتبشيراً لمن حافظ عليها وأسبغ لها وضوئها وأتم لها خضوعها وخشوعها نتحدث عن الصلاة المكتوبة تذكيراً للناسى وتنبيها للغافل وتنشيطاً للمتكاسل وترهيباً لمن تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة
- التصنيفات: ملفات شهر شعبان -
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه { {سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْالْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِل عَمَّايَعْمَلُونَ } }
وفى الصحيح من حديث معاذ بن جبل قال لما بعثنى رسول الله إلى اليمن إنك ستأتي قوما أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب »
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شهر شعبان المبارك من كل عام يطيب للمسلمين الحديث عن ذكرى تحويل قبلتهم من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام
ذكرى جميلة فيها معانى غزيرة وفيها دروس وكنوز يعجز عن سردها اللسان ويعجز عن شرحها البيان
ومن هنا أيها المؤمنون كان حديثى معكم فى هذا اليوم المبارك عن كنز واحد ودرس واحد من دروس تحويل القبلة ..
وهو الحديث عن الصلاة المكتوبة وعن منزلتها بين سائر الفرائض
نتحدث فى ذلك تثبيتاً وتبشيراً لمن حافظ عليها وأسبغ لها وضوئها وأتم لها خضوعها وخشوعها نتحدث عن الصلاة المكتوبة تذكيراً للناسى وتنبيها للغافل وتنشيطاً للمتكاسل وترهيباً لمن تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة سائلين الله تعالى أن يهدنا ويهد بنا وأن يجعلنا سبباً لمن اهتدى
أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثنايا الحديث عن تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام وبينما المسلمون يتناقلون ذلك الخبر ورد على أذهانهم سؤالاً يقول ما بال إخواننا الذين ماتوا وقد كانت صلاتهم إلى بيت المقدس ؟ أيقبل الله تعالى صلاتهم أم يردهاعليهم؟
فجاء جواب الحكيم العليم يقول { { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } }
فى هذه الآية الحديث عن الصلاة المكتوبة لكن لحكمة عظيمة لم يقل الحق وما كان الله ليضيع صلاتكم وقال { {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } }
فى إشارة إلى أن منزلة الصلاة من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد الإيمان مع الصلاة حىٌّ قوىٌّ يَعْمُر قلب صاحبه ويفتح له أبواب الأمل رحمة الله
قال النبى صلى الله عليه وسلم ( عَلَمُ الإسلامِ الصلاة فمن فرَّغَ لها قلبه وحاذ عليها بحدها ووقتها وسننها فهو مؤمن )
فى الصلاة أيها المؤمنون :
تكبيرٌ وتمجيدٌ وتعظيمٌ لله رب العالمين وفيها حمدٌ لله وثناءٌ ودعاءٌ تسبيحٌ وفيها خشوعٌ وخضوعٌ وركوعٌ وسجودْ للواحد المعبود سبحانه وتعالى وفيها يقول المسلم مرة أو مرتين أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
الصلاة أيها المسلمون هى قرة عُيون المحبين ولذة أرواح الموحدين الصلاة هى بستان العابدين وهى لذة نفوس الخاشعين وهي رحمةُ الله إلى عباده المؤمنين .فى الصلاة إقبال على الله تعالى وفيها استسلام وفيها عمل بالقلب وعمل بالجوارح هى فى أبسط معانيها حديث بين العبد وربه همزة وصل بين السماء والأرض معراج المؤمن كما وصفها النبى صلى الله عليه وسلم
الصلاة أيها المسلمون هى أول:
ما فرض الله على النبى صلى الله عليه وسلم وعلى الذين آمنوا معه بعد قول لا إله إلا الله محمد رسول الله
بعض الناس يحسب أن المسلمين لم يعرفوا الصلاة إلا بعد الإسراء والمعراج وهذا غير صحيح فالمسلمون تعلموا الوضوء وتعلموا الصلاة مع الساعات الأولى من بعثة النبى صلى الله عليه وسلم
نزل جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بفرض الصلاة فى أول أيام بعثته فناداه وقال { {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } }
والصلاة المفروضة فى هذه الآيات قيام الليل وليست الصلوات الخمس لأن الصلوات الخمس فرضت كما تعلمون ليلة الإسراء والمعراج
ثم نزل جبريل بعد فرض صلاة الليل فعلم رسول الله كيف يتوضأ وكيف يصلى وكيف يركع ويسجد وتوضأ رسول الله أمام أصحابه ليعلمهم فدعا بماء فتوضأ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم مضمض واستنثر ثلاث مرات ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه ، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال صلى الله عليه وسلم
« من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام يركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه »
ثم صلى النبى صلى الله عليه وسلم أمام أصحابه ليعلمهم فلما فرغ قال « صلوا كما رأيتمونى أصلى »
الصلاة هى خير أعمالنا أيها المؤمنون :
هى مفتاح الجنة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم وما أذن الله تعالى لأحد من المسلمين فى شيئ أفضل من صلاة يصليها وإن الإيمان ليصب فوق رأس العبد ما دام فى مصلاه
جعل الله تعالى من الصلاة عماداً للدين من أقامها أقام دينه ومن حافظ عليها حافظ على دينه جعل الله تعالى من الصلاة نوراً للمؤمن يسعى به بين الناس فى الحياة الدنيا وينجو بها يوم يقوم الأشهاد
قال معاذ بن جبل «قلت لرسول الله أنبئني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار قال لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه { تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان }»
فى سورة الدخان حديث طويل عن فرعون وقومه :
فيها دعوة من موسى عليه السلام وفيها صد وعناد من فرعون وقومه وفى آخر المطاف حديث القرآن عن غرق فرعون وجنده بعد هذا الحديث مباشرة الله تعالى يقول { { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} }
قرأت هذه الآية على عبد الله بن عباس ثم سئل يا ابن عباس أتبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال نعم إنه ليس من الخلائق أحد إلا له باب في السماء يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه فإذا مات العبد المؤمن بكت عليه مواضع الأرض التي كان يذكر الله فيها وبكت عليه مواضعه التى كان يصلي فيها وبكى عليه باب السماء الذي كان يصعد منه عمله قال ابن عباس وأما قوم فرعون فلم يكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله منهم عمل صالح { {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ } }
أي فريضة فرضها الله تعالى :
علينا أو على الأمم من قبلنا تسقط عن العبد إذا عجز العبد عنها فالصيام مثلاً يسقطه الله تعالى عن أصحاب الأعذار كالمرضى والعجائز وكبار السن { {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} }
والزكاة يسقطها الله تعالى عن الفقراء وكذلك الحج لم يفرضه الله تعالى إلا على من استطاع إليه سبيلاً إلا الصلاة أيها المؤمنون فلا تسقط عن المسلم فى سفر ولا حضر ولا فى صحة ولا مرض ولا فى سلم ولا حرب الصلاة لا تسقط عن الرجل إلا إذا ذهب عقله بإغماء أو جنون ولا تسقط الصلاة عن المرأة إلا إذا حاضت أو كانت نفساء
جعل الله تعالى من الخطوة التى نخطوها إلى الصلاة عبادة تُنال بها الحسنات وتُمحى بها السيئات وتُرفع بها الدرجات { {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} }
بقى لنا فى ختام الحديث عن فضل الصلاة المكتوبة وعن علاقتها القوية بالإيمان كدرس من الدروس المستفادة من الحديث عن تحويل القبلة والمشار إليها فى قول الله تعالى { {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } }
بقى لنا أن نقول لما عرف المسلمون أيام رسول الله فضل الحفاظ على الصلاة المكتوبة ولما عرفوا صلتها القوية بالإيمان ولما عرفوا كونها عمود الإسلام حافظوا عليها فلم يتخلف عنها ولم يتكاسل عنها أحد
فكبار السن والعجائز والضعفاء كانوا يأتون الصلاة من أطراف المدينة مع الليل والنهار
والعميان كان الواحد منهم يأتى إلى الصلاة فى مسجد رسول الله وليس له قائد يقوده
والمرضى كان الواحد منهم يأتى الى الصلاة يهادى بين رجلين حتى يقام فى الصف
أيها الشباب أيها المسلمون:
لم يُعرف التكاسل عن الصلاة المكتوبة ولم يعرف تركها والتهاون بها إلا فى أفعال المنافقين الذين كانوا يقولون آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم وفيهم أنزل الله هذه الآيات { {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } }
أيها المسلمون إذا كان يوم القيامة دعى كل الناس إلى السجود بين يدى الله تعالى أما المحافظون على الصلاة المكتوبة فإنهم يسجدون بين يدى الله سبحانه بلا مشقة ويبقى من كانت تتثاقل رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة فى الدنيا عاجز عن السجود يوم القيامة
كلما همّ بالسجود وحاول تصلب ظهره واستعصى عليه وذلك قول الله تعالى { {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ } }
ما جاء الإسلام أيها المؤمنون ليضيق على الناس وما جاء ليعكر عليهم صفو الحياة وإنما جاء الإسلام ليفتح للخلائق أبواب الرحمة على مصاريعها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها
الإسلام يقول لكل صاحب ذنب ولكل متكاسل ولكل متهاون فى حق الله تعالى بادر قبل أن تبادر عجل وتدارك أمورك قبل فوات الأوان أقبل على الله وتب إليه فمهما كثرت ذنوبك عفو الله يسعك ويسع العالمين متى تابوا وأنابوا وعادوا إلى الله تعالى
{ { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} }