على أبواب الـ ( 30 من شعبان ) يوم الشك
«صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا»
أيها الإخوة الكرام : اليوم موعدنا بعون الله تعالي لنتحدث عن حكم صيام يوم الشك وهو : يوم الـ ( 30 من شعبان ) ..
ورد في الحديث عن هذا اليوم أحاديث كثيرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أود أن أسوق بعضها من هذه الأحاديث :
ما ورد عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأُتِيَ بِشَاةٍ مَصْلِيَّةٍ فَقَالَ: كُلُوا، فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ، فَقَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: « «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» »
ومنها ما ورد عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ: أَصْبَحْتُ فِي يَوْمٍ قَدْ أُشْكِلَ عَلَيَّ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَأَتَيْتُ عِكْرِمَةَ، فَإِذَا هُوَ يَأْكُلُ خُبْزًا وَبَقْلًا، فَقَالَ: هَلُمَّ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ. فَقَالَ:
أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُفْطِرَنَّ. فَلَمَّا رَأَيْتُهُ حَلَفَ وَلَا يَسْتَثْنِي، تَقَدَّمْتُ فَعَذَّرْتُ وَإِنَّمَا تَسَحَّرْتُ قُبَيْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قُلْتُ: هَاتِ الْآنَ مَا عِنْدَكَ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابٌ، فَكَمِّلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا» »
ومنها ما ورد عن ابْنَ عَبَّاسٍ أنه كان يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا، وَلَا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ» »
قول الجمهور في صيام يوم الشك :
أورد جمهور الفقهاء حديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: « «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ» »
وقالوا: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»
يفسره رواية أخرى وهي قوله: (أتموا العدة ثلاثين) فمعنى (اقدروا له) أي: أكملوا عدد شعبان ثلاثين يوماً ..
وبناء علي هذا : قال جمهور الفقهاء بـ ( حرمة صيام يوم الشك )
لأن الأحاديث ظاهرة في ذلك، ومنها: أولاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) أي: صوموا رمضان عند رؤية هلال رمضان ، (وأفطروا لرؤيته) أي: عند رؤية هلال شوال، (فإن غم عليكم) أي: جاء الغيم ولم تروا شيئاً، (فإن غم عليكم فأتموا الشهر ثلاثين) فاستدلوا بهذه الرواية.
وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ»
فهو حديث يفسره قول النبي صلى الله عليه وسلم: « «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سَحَابَةٌ أَوْ ظُلْمَةٌ، فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ شَعْبَانَ، وَلَا تَسْتَقْبِلُوا الشَّهْرَ اسْتِقْبَالًا، وَلَا تَصِلُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ» »
ثم إن هناك ثلاث روايات فيها التصريح، وهي قوله صلى الله عليه وسلم: (فأتموا الشهر ثلاثين) وقوله: (فأتموا عدة شعبان ثلاثين) وقوله (الشهر تسعة وعشرون، فإن غم عليكم فأتموا العدة ثلاثين).
فهذه دلالة على أن قوله: (فاقدروا له) بمعنى: أتموا عدة شعبان ثلاثين يوماً ..
قلت : بل عند الجمهور ما هو أوضح من ذلك ، وهو ما ورد بسند صحيح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: (من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم)
ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة جداً، فمعنى قوله (فقد عصى): أن صيام يوم الشك يأثم صاحبه؛ لأنه خالف النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وهذه دلالة واضحة جداً أن صيام يوم الشك عصيان لله جل في علاه، وعصيان لرسوله صلى الله عليه وسلم، فيكون حراماً.
قالوا: والدليل الرابع ما جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم من شعبان) أي: لا تستقبلوا رمضان بصوم يوم قبله كصوم يوم من شعبان.
قالوا: ويعضد ذلك قوله: (لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين) فهذه الرواية يدخل فيها صيام يوم الشك، فهو محرم.
وأما الأدلة النظرية :
فهي أن الأصل العام الذي لا خلاف عليه : هو أن كل عبادة وقتت بوقت لا يصح أداؤها قبل الوقت، فمن قال: أؤديها قبل الوقت احتياطاً قلنا: قد تكلفت، وقد أمر الله رسوله أن يقول: { {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} } .
ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: (هلك المتنطعون) فالاحتياط فيما الأصل فيه براءة الذمة تنطع، فالأصل عدم شغل الذمة بالصيام، وعدم دخول شهر رمضان، فمن تعجل هذا الأمر فقد تنطع، والحيطة فيما لا حيطة فيه تنطع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون).
قال: أبو هريرة رضي الله عنه قَالَ: أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ الشَّهْرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقي لنا في ختام الحديث عن قول جمهور الفقهاء :
بـ (حرمة صيام يوم الشك) أن نقول :
ماذا لو وافق صيام يوم الشك صيام عادة .. بمعني : أن أحدهم يصوم الاثنين والخميس فوافق صيام الاثنين أو الخميس يوم الـ ( 30 من شعبان ) ؟!
الجواب :
إذا وافق يوم الـ ( 30 من شعبان ) صيام عادة كـ الاثنين أو الخميس فلا حرمة في صيامه ولا كراهة لأنه صيام له سبب .. فهو وقتها يقصد صيام عادته ولا يقصد صيام الـ ( 30 من شعبان ) فلا حرمة ولا كراهة في حقه ..
الدليل :
حديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: « «أَلَا لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ أَوِ اثْنَيْنِ إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صِيَامًا فَلْيَصُمْهُ» » .
والله تعالي أعلي وأعلم .
- التصنيف: