علي أعتاب رمضان

منذ 2020-04-23

ألقاه من وراء ظهره وأطلق العنان لنفسه ولسانه يقول ما شاء ويخوض كيفما شاء بلا رعاية لأعراض العباد وبلا رعاية لحرمة الشهر الكريم وبلا رعاية لحرمة الصيام

أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه  { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
وعند مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَ «نَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِى عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فقَالَ النبى تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّى الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ فقَالَ الأعرابى وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ يا نبى الله لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ قال أبو هريرة فَلَمَّا وَلَّى الأعرابى منصرفاً قَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا » »

أيها الإخوة المؤمنون أحباب رسول الله صلى لله عليه وسلم بعد ساعات معدودة نستقبل شهر رمضان المبارك ضيف كريم يحل بديارنا بعد أيام نقوم ليله إحياءاً لسنة رسول الله ونصوم نهاره عملاً بأمر الله ونتبرك ببركاته وننهل من معينه الرائق حتى نرتوي .
رمضان أيها المؤمنون شهر الصيام شهر القيام شهر الصبر شهر القران { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }

فى رمضان تضاعف الحسنات وترفع الدرجات ويتجاوز الكريم سبحانه وتعالى عن الخطايا والسيئات

في رمضان الرحمة وفيه المغفرة وفيه العتق من النيران كما وصفه النبى صلى الله عليه وسلم " إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنة فلم يُغلق منها باب ، وغُلقت أبواب جهنم فلم يُفتح منها باب ، وصُفدت الشياطين ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة "

قبل ما يقارب الشهر كل البيوت أعلنت حالة الطوارئ:
استعداداً لاستقبال رمضان كل البيوت تسوقت وخزنت وجهزت أصنافا وألوانًا من المآكل والمشارب استعداداً للشهر الكريم

أقول لا حرج على المسلم أن يوسع على نفسه وعلى أهل بيته لا حرج على المسلم أن يمتع نفسه فى الدنيا بما أحل الله له مأكلاً ومشرباً ومسكناً وملبساً وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص يا سعد إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك )

لكن ماذا عن العمل للآخرة أيها المؤمنون ؟ ماذا عن العبادة ماذا عن أمر ديننا فى رمضان ؟ الله سبحانه وتعالى يقول ( {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} )
تشهد كتب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يتمنى طول العمر ولم يكن يتمنى البقاء فى الدنيا إلا لبلوغ رمضان فمع رؤية هلال رجب يرفع رسول الله يديه سائلاً ربه أن يمد فى عمره حتى يدرك رمضان ( اللهم بارك لنا فى رجب اللهم بارك لنا فى شعبان اللهم بلغنا رمضان )
هذا الأثر يقول لكل واحد منا أنت الآن فى نعمة.. بلغك الله تعالى رمضان بفضله وكرمه وكم من انسان كان يتمنى هذه الأمنية ولم يستجب له وكم من انسان كان معنا فى رمضان من العام الماضى وهو الآن بين يدى الله تعالى وكم من إنسان صام كما صمنا قبل عام وهو الآن قد حيل بينه وبين صيام رمضان نسأل الله تعالى أن يشفى مرضانا وأن يرحم موتانا

أنت الآن حىٌّ ترزق وهذه نعمة من نعم الله أنت صحيح معافى بفضل الله تعالى وما بينك وبين رمضان إلا أياماً معدودة فهل لك أن تعرف لله فضله ؟ هل لك أن تحسن استقبال هذه النعمة ؟ هل لك أن تضرب لنفسك من هذه الغنيمة بسهم ؟

ان العبد منا ليلتمس مرضاة الله تعالى ولا يزال على ذلك حتى يقول الله عز وجل لجبريل يا جبريل إن عبدي فلان بن فلان يلتمس ان يرضيني ألا وإنى قد رضيت عنه الا وان رحمتي عليه فيقول جبريل رحمة الله على فلان بن فلان وتقول حملة العرش ومن حولهم رحمة الله على فلان بن فلان حتى يقولها أهل السماوات السبع ثم تهبط له مرضاة الله ورحمة الله إلى الأرض ) كما أشار إلى ذلك الحديث الحسن عن النبي صلى الله عليه و سلم

أيها المؤمنون :
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .. ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .. ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه .

وفى المقابل إن الشقى من حرم الخير فى رمضان :
أتى جبريلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال يا محمد ! من أدرك أحد والديه فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقال النبى آمين قال جبريل يا محمد من أدرك شهر رمضان فمات فلم يغفر له فأدخل النار فأبعده الله قل آمين فقال النبى آمين قال جبريل و من ذكرت عنده يا نبى الله فلم يصل عليك فمات فدخل النار فأبعده الله قل آمين فقال النبى صلى الله عليه وسلم آمين

من نام نهاره وسهر ليله فى رمضان وضيع فرائض الله وعطل مصالح العباد وتهرب من عمله وتكاسل حرم من خير رمضان

ومن أمسك وصام عن الطعام الشراب وقضى يومه أو سلى صيامه كما يقولون فى قيل وقال حرم من خير رمضان ووقع فى أشرف زمان فيما لا يحبه الله ولا يرضاه

" إن الله تعالى حرم عليكم ثلاثاً وكره لكم ثلاثاً حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعاً وهات . وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال "

عند تفسير قول الله تعالى { { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } }

عند تفسير هذه الآية أورد ابن كثير حديثاً رواه البيهقى وغيره من حديث عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله وأن رجلا أتى فقال يا رسول الله إن هاهنا امرأتين صامتا، وإنهما كادتا تموتان من العطش قال الراوى فأعرض عنه الرسول فقال الرجل يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا تموتان فقال النبى ادعهما فذهب الرجل فجاء بهما ...

قال الراوى فأمر النبى بقدح فجيء به وقال لإحداهما " قيئي" فقاءت من قيح ودم وصديد حتى قاءت نصف القدح ثم قال لصاحبتها قيئي فقاءت قيحا ودما وصديدا حتى ملأت القدح فقال صلى الله عليه وسلم إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ( يعنى صامتا عن الأكل والشرب ) وأفطرتا على ما حرم الله عليهما جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا تأكلان لحوم الناس.

الصيام أيها المؤمنون لم يشرع لأجل أن نجوع ونعطش :
الصيام فرض تهذيباً وتقويماً لأخلاقنا قال صلى الله عليه وسلم "

الصيام جنّة ( يعنى وقاية لصاحبه من الوقوع فى الشر وهو فى نفس الوقت داع لصاحبه أن يسلك طريق المتقين الذين ينفون فى السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) قال النبى " «الصيام جنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم ، فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إنيّ صائم» "

فلان من الناس سمع هذا الحديث وتجاهله ولم يعمل به .. ألقاه من وراء ظهره وأطلق العنان لنفسه ولسانه يقول ما شاء ويخوض كيفما شاء بلا رعاية لأعراض العباد وبلا رعاية لحرمة الشهر الكريم وبلا رعاية لحرمة الصيام

هذا الإنسان المتمرد على أمر الله وعلى أمر رسول الله والذى يتبع نفسه هواها له جزاءه بنص حديث النبى صلى الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "

إن من الصائمين من تمضى عليه أيام رمضان ولم يحصل من صيامه غير ما كان يشعر به من الجوع والعطش ومن القائمين من تمضى عليه ليالى رمضان ولم يحصل من قيامه غير ما كان يشعر به من التعب والسهر ..

الصيام قبل أن يكون صيام البطن هو:
صيام اللسان عن كل كلمة لا ترضى الله , هو صيام البصر عن النظر إلى ما لا يرضى الله, هو صيام القلب عن التفكر فى أذية الناس هو صيام الأذن عن سماع ما لا يحله الله تعالى { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
----------------------------------------
بقى لنا فى ختام الحديث أيها المؤمنون أن نقول : مع استقبال رمضان من كل عام يأتى الحديث عن التسامح والتصالح والتصافى بين المسلم وبين جيرانه بين المسلم وبين ذوى أرحامه بين المسلم وبين الناس

فى رمضان من كل عام يأتى الحديث عن ضرر الخصام وعن ضرر الهجران بين المسلمين وأنه يحرمهم من خير ورحمة كان لهم فيها نصيب كبير لولا خصامهم وهجرانهم , ولكن هذا الكلام أحياناً يصطدم مع الواقع , الكلام عن التصالح والتسامح يصطدم أحياناً مع الواقع ؟!!

نعم لأن من الناس من تصله فيقطعك وتعطيه فيمنعك وتحلم عليه فيجهل عليك وتبدأه بالسلام غير مرة فيتمادى فى غيِّه وعدوانه وغشمه ويعد إقبالك على المسالمة وعلى المسامحة خوفاً منه , وهذه مأساة يقع فيها ضعاف النفوس منا

جاء رجل يتحدث مع رسول الله فى مثل هذا جاء يقول يا رسول الله إن لي قرابة ً أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عنهم ويجهلون عليَّ فأين أنا منهم ؟ سمع الرجل أن الرحمة لا تنزل على قاطع الرحم , سمع الرجل أن المغفرة تحجب عن المتخاصمين حتى يصطلحا فجاء يسأل عن حاله وحال من يخاصموه ويظلموه ..

أين أنا منهم يا رسول الله ؟ قال لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمت معهم على ذلك .

كل من يعادى الناس كل غاشم كل ظالم كل جهول لن يضر إلا نفسه فقط ولن يُحرم من رحمة الله إلا هو وأنت أيها المسالم وأنت أيها الحليم ربك أعلم بما فى نفسك { رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا }

أما أنت أيها المسالم فقد أعذرت إلى ربك أما أنت يا صاحب الخلق الكريم يا من تكف عن الناس أذاك خوفاً وحياءاً من الله تعالى فربك مطلع على ما فى ضميرك وسيجازيك خيراً  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا تعادوا الناس ولا تخاصموهم ولا تبدأوهم بأذى والمؤذى منهم والجهول منهم حسبنا وحسبه الله

محمد سيد حسين عبد الواحد

إمام وخطيب ومدرس أول.

  • 7
  • 1
  • 5,333

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً