بنيتي رسائل محبة وشفقة - الرسالة الثانية:حياؤكِ زينتُكِ وشعبةٌ من إيمانكِ
تخرج من بيتها، وقد نزعت حياءها لتغشى منديات الرجال وأماكن وجودهم، وتُخالطهم وتضحك معهم، وتُلِين القولَ لهم، وقد يكون ثمن ذلك فقْد الشَّرَف
الرسالة الثانية
حياؤكِ زينتُكِ وشعبةٌ من إيمانكِ
بُنيَّتي: الحياء من مكارم الأخلاق التي تُقِرُّها العقول السليمة، وتحبُّها الفِطَرُ المستقيمة، وهو من شُعَب الإيمان؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «الإيمانُ بضع وسبعون شُعْبة، فأفضلُها: قول لا إله إلَّا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياء شُعْبةٌ من الإيمان» ))، فإن قُلتِ يا بُنيَّة: هناك في الشرع ما هو أعظمُ منزلةً من الحياء، كَبِرِّ الوالدين، فلماذا خصَّهُ النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر؟ فالجواب كما قال أهل العلم: خصَّه بذلك حثًّا عليه؛ لأن بعض الناس قد يكون عنده أعمال بِرٍّ كثيرة، ولكن ليس عنده حياء، والحياء خُلُقٌ محمودٌ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (( «الحياءُ لا يأتي إلا بخيرٍ» ))، وقال عليه الصلاة والسلام: (( «الحياءُ خيرٌ كلُّه» )).
ويكفي الحياء فضيلة أن الله جل جلاله يحبُّ الحياء؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله حَيِيٌّ، سِتِّير، يُحبُّ الحياء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدُكم فليستتر))، ونبيُّنا عليه الصلاة والسلام: كان أشدَّ حياءً من العَذْراء في خِدْرها، والحياء كان من أخلاق الأنبياء عليهم السلام؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إن موسى كان حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرى من جلده شيء استحياءً منه)).
والحياء من أخلاق الملائكة عليهم السلام، فها هو جبريل عليه السلام يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة التي كان فيها عند أُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فلم يدخل عليه بيته، وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله عنها أسباب عدم دخوله بقوله: (( «إن جبريل أتاني فناداني، ولم يكن ليدخُلَ عليكِ، وقد وضَعْتِ ثيابَكِ» )).
ومن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كانت الملائكة تستحيي منه، وهو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ قال عليه الصلاة والسلام: (( «ألا أستحيي من رجُلٍ تستحيي منه الملائكة» ))، وقال صلى الله عليه وسلم: (( «الحياءُ من الإيمان، وأحْيى أُمَّتي عثمان» )).
والحياء خُلُق يبعث على ترك الأمور القبيحة، فيمنع الإنسان من الوقوع في المعاصي وما يُعاب.
فمن لا حياء فيه فهو ميت الأحياء، وبين ارتكاب الذنوب وقلة الحياء تلازُمٌ قويٌّ، فكلٌّ منهما يستدعي الآخر ويطلُبه، ومن نُزِعَ منه الحياءُ فعل كل قبيح ومستهجَن، قال عليه الصلاة والسلام: (( «إن ممَّا أدركَ الناسُ من كلام النُّبوَّةِ الأولى: إذا لم تَسْتَحْيِ فاصْنَعْ ما شِئْتَ» )).
والمرأة بفطرتها السليمة التي خَلَقها الله عليها - مجبولةٌ على الحياء الذي يُعَدُّ من الأخلاق الجميلة، وما أجمله في النساء! قال الله عز وجل: ﴿ { فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ } ﴾ [القصص: 25]، فمن كمال أدبها أنها جاءت تمشي على استحياءٍ، ذكر أهل التفسير عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قال: جاءت وقد وضعَتْ ثوبَها على وجهها استحياءً.
وكانت البكر من النساء تستحيي أن تُفصِحَ عن رغبتها في النكاح, ولهذا لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(لا تُنْكَحُ البِكْرُ حتى تُستأذَن) قالت عائشة رضي الله عنها:يا رسول الله إن البِكْرَ تستحي فقال عليه الصلاة والسلام: (رِضاها صَمْتُها)
ومن استحيت غطَّتْ وجهها؛ فعن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: «جاءت أم سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحيي من الحَقِّ، فهل على المرأة من غُسْلٍ إذا احتَلَمَتْ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم، إذا رأتِ الماءَ)) فغطَّت أمُّ سلمة رضي الله عنها وجهَها، وقالت: يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟! فقال صلى الله عليه وسلم: ((نعم، تَرِبَتْ يداكِ، ففيم يُشبِهُها ولَدُها؟))» .
ومن استحيَتْ لم تمشِ مع الرجال الأجانب عنها؛ فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: تزوَّجني الزبير وما له في الأرض من مال، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يومًا والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه نَفَرٌ من الأنصار فدعاني، ثم قال: إخ، إخ ليحملني خلفه، فاستحييْتُ أن أسير مع الرجال، فعرَف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنِّي قد استحييْتُ فمضى.
استحيت رضي الله عنها أن تسير مع الرجال، ومَنْ هم هؤلاء الرجال؟ إنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابتُه رضي الله عنهم، أفضل القُرُون، وبعض النساء هداها الله تخرج من بيتها، وقد نزعت حياءها لتغشى منديات الرجال وأماكن وجودهم، وتُخالطهم وتضحك معهم، وتُلِين القولَ لهم، وقد يكون ثمن ذلك فقْد الشَّرَف وانتهاك العِرْض، فالحذر الحذر، قبل الحسرة والندم
- التصنيف:
البوصلة العربية
منذ