الرسالة السادسة:الدراسة لتعلم العلم النافع في الدنيا والآخرة
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
فكوني بُنيَّتي من أهل هذه السعادة الدائمة الباقية، وذلك بالمسابقة والمسارعة إلى طلب العلم النافع، وستجدين كلَّ خيرٍ وبَركةٍ، وفَّقَكِ الله للحصول عليه، وجعلَكِ من السُّعداء في دُورك الثلاث.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
ُنيَّتي: إن الإنسان لضَعفه وقصور نظره، قد يختارُ العاجِلَ الرخيصَ على الآجل النفيس، فالنفسُ مولعةٌ بحُبِّ العاجلة وإيثارها على الآخرة؛ قال الله جل جلاله: ﴿ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} ﴾ [الأعلى: 16، 17]، فأكثرُ الناس يُقدِّمون ما فيه نفْعُهم في الدنيا على ثواب الآخرة؛ قال أهل العلم: الدنيا دار فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يُؤثِر عاقلٌ ما يَفنى على ما يبقى، ويهتمُّ بما يزول عنه قريبًا، ويترك الاهتمام بدار البقاء والخُلْد؟! وبِناءً على هذا فينبغي أن يحرِص الإنسان رجلًا كان أو امرأةً - في كلِّ أموره - على ما ينفعه في دُنْياه وآخرته، وأن يُؤثِرَ آخِرتَه على دُنْياه.
بُنيَّتي: إن مما ينفع العبد في دنياه وآخرته، تعلَّم العلم النافع الذي هو فقه كتاب الله عز وجل، وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأهَمُّ ما ينبغي أن تتعلَّمَه الفتاةُ المسلمةُ هذا العلمُ الذي يجعلُها تعبُدُ الله على بصيرةٍ، ويُمكِّنها من معرفة أحكام دينها، كما أنه يُنِير لها الطريق في كيفية التعامُل مع الناس على أساس قويم سليم متين.
هذا العلم يا بُنيَّة من أفضل الأعمال الصالحة، ومن أجَلِّ عبادات التطوُّع، ولقد مدَحه الله جلَّ جلالُه في كتابه، وجاءت السنة بذِكْر فضائله، وقد أُلِّف في بيان فضله وشرفه: المصنفات الكثيرة، فمن فضائله أن الله جل جلاله أمَرَ نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يسألَه الزيادةَ منه؛ فقال الله عز وجل: ﴿ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا } ﴾ [طه: 114]، قال أهل العلم: وكفى بهذا شرفًا للعلم أن أمر نبيَّه أن يسألَه المزيد منه.
ومنها: رفعة درجات أهله في الدنيا والآخرة؛ قال سبحانه وتعالى:﴿ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ﴾[المجادلة: 11]
ومنها: أن أهله هم أهل خشية الله؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ﴾ [فاطر: 28]؛ قال أهل العلم: وهذا حصر لخشيته في أُولي العلم.
ومنها: أنه طريق إلى الجنة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «ومَنْ سَلَكَ طريقًا يلتمِسُ فيه علمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة» )).
ومنها: أن مَن فَقِهَ في هذا العلم، فقد أراد الله به خيرًا؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «مَنْ يُرِد اللهُ به خيرًا يُفقِّه في الدين» ))، قال أهل العلم: ولو لم يكن من نصوص الكتاب والسنة إلا هذا الحديث في فضل العلم، لكان كاملًا في الحثِّ على طلب علم الشريعة والفقه فيها.
بُنيَّتي: إن الخلق جميعًا في حاجةٍ ماسَّةٍ لهذا العلم؛ فهو نور يستضيئون به في أمور دينهم ودُنْياهم، فمن تعلَّم هذا العلم، فقد اتَّخذ مِصْباحًا يمشي به بين يديه، يدلُّه على الطريق، وتزداد الحاجة إلى هذا العلم في هذا الزمن؛ لجهل كثير من الناس بأحكام دينهم، ولظهور أناس يتطلَّعون إلى الإفتاء بغير علم.
بُنيَّتي: هذا العلم يجعلُكِ من الداعيات إلى الله على بصيرة، وأجْر الدعوة إلى الله عظيم؛ قال عز وجل: ﴿ {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ﴾ [فصلت: 33]، قال أهل العلم: ولا ريبَ أن هذا الثناء يُحفِّز الهِمَم ويُلهِب الشعور، ويُخَفِّف عبء الدعوة، ويدعو إلى الانطلاق في سبيلها بكل نشاط وقوةٍ، وقال عليه الصلاة والسلام: (( «مَنْ دَلَّ على خير، فله مثل أجر فاعله» ))، وهو يدلُّ على أن من دعا إلى الخير وأرشد إليه، كان له مثل أجر فاعله، وهذه فضيلة عظيمة للدعوة إلى الله.
بُنيَّتي: المقصود بالعلم في كلامنا السابق: هو علم الشريعة وما عداه من علوم، فهي ثلاثة أنواع:
علوم نافعة: فهذه تكون مطلوبةً لا لذاتها؛ ولكن لما يُرجى فيها من نفعٍ.
علوم ضارة: وهذه يجب اجتنابها والبُعْد عنها.
علوم غير نافعة ولا ضارة: فهذه لا ينبغي للإنسان أن يُضيِّع وقتَه فيها.
بُنيَّتي: يقول أحد الفضلاء: المرأة المسلمة حين تتجه إلى التعليم والاختصاص تضَعُ نُصْبَ عينيها هدى الإسلام العظيم في تكوينها العقلي والنفسي والاجتماعي، بحيث يؤهِّلها تعلُّمُها للقيام بالمهمة الأساس التي خُلِقَتْ من أجلها، وبحيث تغدُو شخصيةً واعيةً مُنتجةً بنَّاءةً في أسرتها ومجتمعها وأُمَّتها؛ فليس من الحِكْمة أن يكون تعليمها كتعليم الرجل في كل شيء، ولا تكون نسخة مماثلة للرجل.
بُنيَّتي: أهل العلم يرون أن أفضل الكليات في الجامعات هي الكليات الشرعية، فانظري في العلم الذي ترغبين التخصُّص فيه بعد انتهائكِ من دراسة المرحلة الثانوية، ورغبتكِ مواصلة دراستكِ الجامعية، فإن كان هذا العلم يزيد في إيمانِكِ،
وخشيتِكِ لربِّك، وينفعكِ في دينكِ ودُنياكِ، ولا يُخِلُّ بأنوثتِكِ، ولا يجعلكِ ترتكبين لتُحصِّليه ما نهاكِ الشَّرْعُ عنه فاطْلُبيه، وإن كان غير ذلك فتوقَّفي مليًّا وتفكَّري: ما الفائدة منه؟
بُنيَّتي: ذَكَر أهلُ العلم أن السعادة الحقيقية هي سعادة العلم النافع، وأنها هي السعادة الباقية على تقلُّب الأحوال والمصاحبة للعبد في جميع أسفاره وفي دوره الثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القَرار، وبها يترقَّى العبد في معارج الفضل، ودرجات الكمال.
فكوني بُنيَّتي من أهل هذه السعادة الدائمة الباقية، وذلك بالمسابقة والمسارعة إلى طلب العلم النافع، وستجدين كلَّ خيرٍ وبَركةٍ، وفَّقَكِ الله للحصول عليه، وجعلَكِ من السُّعداء في دُورك الثلاث.