وقفات عشر...... في أزمة كورونا
ذلك ربي سبحانه وتعالى ... يخلق ما يشاء.... ويفعل ما يشاء ... يقهر إن أراد ويعفو إن أراد ... يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ... بيده ملكوت كل شي ... وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر.
الحمد لله رب العالمين، يحفظ من كل بلاء، ويسمع كل رجاء، والصلاة والسلام على سيد الخلق وحبيب الحق، وآله وصحبه وسلم ....
عمتنا رحمة الله – جل في علاه – ولطفه وحكمته، وتقديره وقدرته بما نزل بالعالم من انتشار فيروس كورنا بين بلدان العالم، ولم يميز فيها بين عالم أول أو ثالث ... بين مجتمع غني أو آخر فقيرٍ .... لم يميز بين الشعوب على أساس العرق أو الدين أو الجنس .... وأخذت أتأمل فيما جرى وحلَّ، وما وقع ونزل ... فوجدت العديد من العبر والعظات والكثير من الدروس التي خرجت بها ... لعلي بين كلمات هذا المقال وعباراته أوجزها في نقاط أو دروس أو وقفات لعلي أنتفع بها وإخواني ....
الوقفة الأولى: وهو القاهر فوق عباده
أيقنت بل زدت يقينًا بقدرة الله وقوته ... كأن يتحدث العلماء أنه ليس بكائن حي، وكذا كل الفيروسات .... لا يرى بالعين المجردة بل بالعدسات والمجاهير المكبرة ... لا وزن له يذكر ...لا حجم له يلتف إليه .... لكن الله سلطه على الخلق بقدرته وقوته فأهلك الآلاف وأصاب الملايين ...ولا علاج له استطاع أن يصل إليه أحد .... ذلك ربي سبحانه وتعالى ... يخلق ما يشاء.... ويفعل ما يشاء ... يقهر إن أراد ويعفو إن أراد ... يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ... بيده ملكوت كل شي ... وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر... أمره بين الكاف والنون إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون.... فتذكرت ساعتها كيف أن الله أهلك النمرود ببعوضة، ونجى إبراهيم من النار .... كيف أن الله فلق لموسى البحر فأنجاه، وبه أغرق فرعون وجنوده بعد أن تحداه.... كيف أن الله قد أهلك عادًا وثمود وقوم لوط وغيرهم لما طغوا وتجبروا .... ونجى يونس من بطن الحوت ونوحًا من الغرق وأخرج يوسف من البئر وجعله عزيز مصر، ورزق زكريا بعد كبر، ووهب مريم البتول عيسى بغير أب فكلم القوم في المهد..... وكيف أن الله نجى محمدًا وصاحبه من الغار وأقدام المشركين بين يديهما .... فسبحان ربي ذي الملك والملكوت، ذي القوة والجبروت.
الوقفة الثانية: إنها الإنسانية في أبسط معانيها
أيقنت أن البشرية وإن تعددت أجناسها، واختلفت أعراقها، وكثرت شعوبها وبلدانها، إلا أنها في الأصل أمة واحدة، أصلها واحد، أبوها واحد وأمها واحدة .... "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" الحجرات:13 ... فرأيت دول العالم تتحدث عن التضامن فيما بينها والتكافل والتعاون لإدارة الأزمة... فوجدت الإنسانية بكل معانيها بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو العرق فتذكرت ساعتها نبينا – صلى الله عليه وسلم – وهو يقول فيما روى عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالقَادِسِيَّةِ، فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ، فَقَامَا، فَقِيلَ لَهُمَا إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالاَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا" فقلت: لعل القوم قد أدركوا أخوتهم، وفهموا أن أصلهم واحد فكلهم لآدم وآدم من تراب ... وهذا ما نطقت به نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم – في خطبة الوداع:" يا أيها الناس: إن ربكم واحد، و إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي و لا عجمي على عربي، و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ألا هل بلغت ؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: فيبلغ الشاهد الغائب"
الوقفة الثالثة: ما أجمله من دين!
أيقنت أن هذا الدين هو الدين الحق ...وأن تعاليمه وشرائعه من لدن حكيم خبير.... ولا فلاح للبشرية إلا بالتمسك بتعاليمه، ولا نجاة لها إلا باللجوء إلى شرائعه .... رأيت ذلك في دعوة القوم إلى الاهتمام بالنظافة الشخصية، والتزام التعليمات والإرشادات التي تنظم ذلك ... فغسل اليدين وآداب العطاس...والتباعد الاجتماعي وعدم الاختلاط حال انتشار العدوى وغيرها مما هو من أوليات ديننا وآدابه، هو عند دول العالم ممن رفعوا راية المدنية يمثل الشيء الكبير .... فقلت: إن ديننًا ينظم لأهله أبسط الأمور، ويرسخ لديهم من الآداب اليومية في جلوسهم وقيامهم ونومهم وأكلهم وشربهم ونظافتهم ناهيك عن تنظيمه لسائر جوانب الحياة في الحقوق والواجبات والتجارة والاقتصاد والعلاقات بين الأفراد والدول وغيرها ... إن هذا الدين لهو دين عظيم .... لو أن له رجالاً يدافعون عنه، ويظهرون روعته وحسنه وجماله.
الوقفة الرابعة: المسؤولية المجتمعية
بدا لكل ذي عينين -خلال هذه الأزمة ومع نزول الجائحة- أنه ليس للحكومات سبيل في دفعها بمفرها، وإن اتخذت في ذلك كل أسباب الدفاع والمقاومة، وسنت في سبيل ذلك العشرات من القوانين والتشريعات واللوائح والأنظمة أقول... ليس لها سبيل في دفعها إن لم تتضافر الجهود في المجتمع بأسره، فوعي الشعوب وانضباطها والتزامهم بما تشرعه الحكومات من أنظمة وتشريعات، وتحمل المسؤولية المجتمعية واجب على الجميع، وكلما كان الحس بالمسؤولية على قدر كبير كان النجاح على نفس القدر، ولذا فإن الدول التي تحمَّل فيها الجميع مسؤولياتهم كاملة: حكومات ومواطنين، وزارت وجمعيات، مؤسسات وأفراد كانت هي الأقوى والأقدر على مجابهة الجائحة، وإدارة الأزمة بأحسن ما يكون، وقلَّت فيها الخسائر، وندرت فيها الوفيات ...
الوقفة الخامسة: كلكم راعٍ
وكان مما أفرزته هذه الجائحة من إجراءات هو حظر التجول ووجوب البقاء في المنزل، والتباعد-جسديًا – بين الناس، الأمر الذي أجلس الآباء في بيوتهم، ودفع البيوت إلى العزلة أو شبه العزلة، فعمرت البيوت بتلاوة القرآن والذكر والقراءة، وأتاح مكث الجميع في البيوت وقتًا أوسع لتنفيذ ما تعطل من مشاريع من خلال التعلم عن بعد، وتنافس الجميع في خلق عالم جديد عن بعد في التعليم والاقتصاد والتجارة والفنون وغيرها ...
دفعني ذلك إلى لحظة تأمل ... كأنها وقفة لتصحيح المسار.... فالساعات التي كانت تقضى بعيدًا عن الأبناء ... والإهمال في القيام بالواجب والمسؤولية تجاه والأهل سنحت له الفرصة لمعالجة القصور واستشعار المسؤولية .... فللنفس حق، وللزوجة حق، وللأبناء حق، ولقد صدق النبي - صلى الله عليه وسلم- فيما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " «أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» " [متفق عليه].
الوقفة السادسة: اغتنم خمسًا قبل خمس
ما رأيت خلال هذا الأزمة من كم المبادرات في جميع المجالات: التعليم والصحة وتطوير الذات والمحاضرات والبرامج التدريبية والتطوير وغيرها كمًا هائلًا ينم عن الحرص الكبير على استغلال الأوقات واستثمارها، وكذلك حرص الجميع على التزام إجراءات السلامة الصحية، والنشرات الدورية والإرشادات المتتالية التي تصدر عن الجهات المختصة للحفاظ على الحياة، فأغلقت دور العبادة والمتنزهات والمكتبات والنوادي الرياضية وغيرها حفاظًا على حياة الناس وأرواحهم، دعاني ذلك إلى استحضار حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: " اغتنم خمسًا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " ولقد ورد فيما أثر .. اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا، قال فيها فضيلة العلامة صالح الفوزان: وهي حكمة من الحكم ... اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا، اعمل لدنياك ما تحتاج إليه فيها، لئلا تحتاج إلى الناس وتذل للناس، اعمل ما يغنيك عن الناس، ولا تكسل، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا كما قال ابن عمر -رضي الله عنه-: " «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ اَلصَّبَاحَ, وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ اَلْمَسَاءَ» " لا تؤخر الأعمال لأجلٍ قد لا تدركه، وقد تدركه ولكن ما تنشط عن العمل... قد يعتريك شيء ... قد يعتريك مرض، قد يعتريك كسل.
الوقفة السابعة: اللجوء إلى الله والاعتصام به
هذه الأوقات وحدت الألسن، ووجهت القلوب إلى ربها، وكشف عن الفطرة السليمة في ارتباطها بالله -سبحانه وتعالى- وبينت كم أن الإنسان بحاجة إلى ربه في وقت رخائه وشدته، في وقت يسره وعسره، فمن يجيب داءه غيره، ومن سيمع نداءه سواه، ومن يكشف بلواه إلا هو -سبحانه وتعالى- قال تعالى: " { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} " النمل: 62، ولقد شاهدت العديد من شعوب البلدان يتنادون- بغض النظر عن دينهم أو معتقدهم – باللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى- ليكشف عن العالم ما حل به، ولم لا؟ والله سبحانه وتعالى هو من يرفع البلاء ويكشف الضراء " {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} " يونس: (107)وقال -جل شأنه-:" وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" الأنعام: 17
الوقفة الثامنة: تفجير الطاقات واستثمار الإمكانات
كشفت الأيام الماضية عن قدرة الإنسان الكبيرة، وإمكاناته العالية التي منحها الله تعالى إياه، وتمثل ذلك في كم الأفكار الهائلة التي أسداها الشباب على وجه الخصوص في مجال التطوع وخدمات المجتمع والتعليم والتعلم والخدمات العامة ومجال الصحة والتوعية ... وغيرها من الابتكارات والإبداعات في التعاطي مع الأزمة ما يبهر العالم كله، ولذا فمن الضروري بل من الواجب على الحكومات استثمار هذه الطاقات والإمكانات في خدمة البشرية والعالم بأسره، وهل تزدهر الأوطان إلا بشبابها، لما لهم من دورٌ مهمٌ في بناء المجتمع متمثلاً بحضاراته وإنجازاته، وتقدمه وتطوره، فهم عماد الوطن والأمة، وهم من يساهمون في نجاحه والدفاع عن القضايا العام فيه، كما أنّهم صنّاع القرارات؛ وهم الأيادي العاملة اللازمة لبنائه وإنعاشه، وتحريك عجلة الاقتصاد فيه، وهم محرّك المشاريع التعاونية والتطوعية، يُضاف إلى ذلك كونهم بوصلة الثقافة والتغذية الفكرية، إنّهم الدم الذي يجري في عروق هذا الوطن فيحركه لينهض بين الأمم، فبالشباب تتباهى أوطاننا في محافل العلم وساحات التطور والابتكار، إنهم مِقوَد التغيير الذي يتحوّل من خلاله الفساد إلى صلاح، والظلام إلى نور، والضلال إلى هدى، لا سيما إن أُنشئ هذا الشباب على المبادئ والقيم الحميدة حيث يعتبر هذا دور المجتمع الرئيس تجاه الشباب بما يوفرّه لهم من دورات توعويّة لتوجيههم، ومرافق ترفيهية لاستغلال طاقاتهم، ومبادرات شبابية لتسخير قواهم في أبواب النفع، بالإضافة إلى ما يقع على عاتق الأهل من غرس مبادئ الخير والصلاح في نفوسهم منذ الصغر، فهذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله: ( «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظله: إمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله ..» ) (حديث صحيح)، وفي ذلك خير دليل على أهمية التنشئة الحسنة والتربية القويمة.
الوقفة التاسعة: إدارة التعامل مع الأزمات
كشف الأزمة عن الحاجة الملحة على ضرورة تصميم الخطط لإدارة الأزمات سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الدول والحكومات، فقد انكشفت الكثير من الدول الكبيرة والتي لها باع كبير في إدارة الأزمات، وتهاوت قدراتها أمام فيروس يصيب البشر، فتعرت قدرتها في مجال الصحة والتأمين الغذائي وغيرها، الأمر الذي سيجعلها تعيد من حساباتها وتراجع خططها في شتى المناحي والمجالات، والأمر هو ذاته على المستوى الفردي، فقد كشفت أننا كأشخاص وأسر في حاجة إلى تصميم خطط لإدارة الأزمة، فبات الادخار الشهري لزامًا على كل أسرة، حتى يمكنها مواجهة أية طوارئ تنزل بها، ولعل هذا ما أشارت إليها الآية الكريمة: " {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا} [" الفرقان:67] ، بل هذه – في الأساس- نهج الإسلام وتشريعه؛ حيث يحذر في العديد من الآيات من الإسراف والتبذير، ويخوف من البخل والتقتير في كل مناحي الحياة: في الأكل وفي الشرب، في العبادة: صلاة وصومًا وصدقة، وما حديث النفر الثلاثة الذين تقالوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ببعيد، ومن هنا وجب علينا أن نضع الخطط في بيوتنا للتعامل مع الطوارئ ماديًا واقتصاديًا، برامج عمل واستغلال الأوقات، استثمار الكفاءة والقدرات، والتوجيه الصحيح إيمانيًا وتربويًا.
الوقفة العاشرة: تفاءل
فما كان الله ليعذب الخلق تعنتًا وجبروتًا، حاشاه حاشاه، قال- جل في علاه- في سورة القمر:" {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (50)} والله سبحانه وتعالى بيده مقاليد كل شيء، وسَّع ليمتحن، وضيّق ليختبر، يؤجر المؤمن في ابتلائه، ويعاقب غيره في بلائه، عنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ» . [رواه مسلم] .
وشاء الله سبحانه وتعالى أن ابتلاءه لا يدوم، ينتهي في لحظة يُكشف فيها البلاء، ولذا فأهل الإيمان أكثر الناس تفاؤلاً بقدر الله سبحانه وتعالى وصبرًا على ابتلائه، وهم يوقنون أن بعد كل عسر يسرًا، وأن بعد كل ضائقة فرجًا ومخرجًا، وبعد كل شدة خير كثير، وأن المنح تخرج من رحم المحن، والتفاؤل هو باب من أبواب حسن الظن بالله، من بيده الخلق والرزق والشفاء، ولذا فالمؤمن صابر وشكور، وهما صفتان يتميز بهما عن غيره أثناء تعامله مع ظروف الحياة وصعوباتها فالصبر والشكر يجعلان المؤمن أكثر تفاؤلاً، لأنه يدرك أن الله معه، وأن المستقبل له، فلا يحزن على شيء فاته ولا يخاف من شيء سيأتيه، قال تعالى: ( {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} ) يونس:62-63. أسأل الله أن يرفع عنا ما ابتلى، وأن يزيح عنا من نزل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
- التصنيف: