حكم التوكيل في زكاة الفطر
توكيـل زكـاة الفـطـر فـي أزمـة كـورونــا.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد تبايَنت آراء العلماء المعاصرين حول مسألة توكيل الجمعيات الخيرية في إخراج زكاة الفطر وإعطائهم نقدًا أو عينًا، ثم هي تقوم بتوزيعها قوتًا (طعامًا) على المحتاجين في الوقت المحدد شرعًا، بين مبيحٍ ومحرم، وترتب على ذلك لَبسٌ لدى بعض العامة، وبعضهم أصبح يُخطئ ويصحح ويرجح ويرد، لذا أردت أن أوضح بعض الأمور المتعلقة بهذه المسألة، خصوصًا أن من أفتى بالمنع علماء أجِلاء لهم حق علينا أن نبيِّن وجهة نظرهم، فأقول:
سبب الخلاف:
زكاة الفطر من شعائر الإسلام الظاهرة، فإخراجها صاعًا من طعام وكَيلُها بالأيدي وتوزيعها أمام الناس صغارًا وكبارًا من الأمور التي تناقلها المسلمون منذ عصر النبوة، وتعارف الناس عليها في المدن والقرى، فيجتمع الناس قبل العيد بأيام لكيلها ولشرائها، ويحضر الفقراء وتوزَّع عليهم، وهذا لا يخفى، فزكاة الفطر من الشعائر الظاهرة، وإخراجها بالتحويل النقدي للجمعيات يخرجها عن كونها شعيرة ظاهرة إلى صدقة خفية، وهذا خلاف ما جرى عليه العمل قديمًا وحديثًا.
وقد يؤدي التساهل في إعطاء الجمعيات الخيرية إلى اندثار هذه الشعيرة العظيمة، لذلك أفتى بعض العلماء بعدم جواز ذلك سدًا للذريعة.
حكم التوكيل في إخراج زكاة الفطر:
لا شك أن الأولى والأفضل والأحوط للمسلم أن يخرجها بنفسه، ولا يُوَكِّل في إخراجها إلا إذا عجز عن ذلك، أو كان هناك ظرف يمنعه من إخراجها بنفسه كهذا الوباء الذي أصاب العالَم كله، وقد نص على ذلك كثير من أهل العلم؛ قال ابن قدامة المقدسي:
ويُستحب للإنسان أن يلي تفرقة الزكاة بنفسه، ليكون على يقينٍ من وصولها إلى مستحقها، سواء كانت من الأموال الظاهرة أو الباطنة؛ قال الإمام أحمد: أعجبُ إليَّ أن يُخرجها بنفسه؛ المغني (٢ /٢٦٧).
ومع ذلك فإن التوكيل في إخراج زكاة الفطر ودفعها إلى مستحقيها جائز، قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وأما العبادات، فما كان منها له تعلقٌ بالمال، كالزكاة والصدقات والمنذورات والكفارات، جاز التوكيلُ في قبضها وتفريقها، ويجوز للمُخرج التوكيلُ في إخراجها ودفْعها إلى مستحقها، ويجوز أن يقول لغيره: أخرِج زكاة مالي من مالك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمَّاله لقبض الصدقات وتفريقها، وقال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن عليهم صدقةً تُؤخذُ من أغنيائهم، فتردُّ على فقرائهم، فإن هم أطاعوك بذلك، فإياك وكرائمَ أموالهم، واتق دعوةَ المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجابٌ»؛ متفق عليه؛ المغني (٥ /٢٠٦).
وقال علاء الدين المرداوي رحمه الله:
يجوز التوكيل في دفع الزكاة، وهو صحيح.
لكن يشترط فيه أن يكون ثقةً، نصَّ عليه - يعني الإمام أحمد - وأن يكون مسلمًا على الصحيح من المذهب؛ الإنصاف (٣ /١٩٧).
وقال الإمام النووي الشافعي رحمه الله: له أن يوكل في صرف الزكاة، وإنما جاز التوكيلُ في ذلك مع أنها عبادةٌ؛ لأنها تشبه قضاءَ الديون، ولأنه قد تدعو الحاجةُ إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك، وتفريقهُ بنفسه أفضلُ من التوكيل بلا خلاف؛ لأنه يكون على ثقةٍ من تفريقه بخلاف الوكيل؛ المجموع (٦ /١٣٨).
وسئل الشيخ العثيمين:
هل يجوز التوكيلُ في صرف زكاة الفطر وزكاة المال وفي قبضها؟ فأجاب: نعم، يجوز التوكيلُ في صرف زكاة الفطر، كما يجوز في زكاة المال، لكن لا بدَّ أن تصل زكاةُ الفطر إلى يد الفقير قبل صلاة العيد؛ لأنه وكيلٌ عن صاحبها؛ مجموع فتاوى العثيمين (١٨ /٣١٠).
فالخلاصة:
أن زكاة الفطر من شعائر الدين الظاهرة، وينبغي أن تُخرج أمام الناس، وأن يتوارث الناس هذه الشعيرة، ويشاهدوا كيلها وتوزيعها، وسواء كان التوكيل لشخص، أو لجمعية خيرية موثوقة، فكل ذلك جائز من غير كراهة، خصوصًا مع هذا الوباء، وهذه الظروف التي تمر بها الأمة، لكن إن تولَّى ذلك بنفسه فهو أفضل وأكمل، فالمسلم يحتسب أجر إخراجها وأجر كيلها، وأجر إيصالها وتوزيعها، فهي طُهرة للصائم من اللغو والرفث، وطُعمة للمساكين.
______________________________
المصدر: شبكة الألوكة
- التصنيف:
- المصدر: