هل الصين مسئولة بالفعل عن انتشار كورونا
لا يزال العالم متخبط في حيرة من هذا الوباء هل انتشر من الصين أم من غيرها؟ وعلى فرض صحة انشاره من الصين وهو الغالب، هل تعمدت الصين نشره في إطار صراعها مع أمريكا للتنافس على قمة النظام الدولي؟ أم تسرب عن طريق الخطأ؟
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
"هناك أشياء حدثت ولا نعرفها"
كان هذا رد الرئيس الفرنسي ماكرون على سؤال وجه إليه في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية حول أزمة كورونا، عما "إذا كانت الأنظمة الاستبدادية أكثر قدرة على إدارة هذا النوع من الأزمات"، وأضاف "هناك فجوات في إدارة الصين لأزمة فيروس كورونا".
وقد واصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس هجومه على الصين، وحملها مجددا المسئولية عن انتشار فيروس كورونا في العالم، وقال ترامب إن تغطية الصين على ما وصفه بـ"فيروس ووهان"، تسبب في جائحة عالمية، وتأتي تلك التصريحات متسقة مع مثيلاتها السابقة، التي اتهم فيها ترامب الصين بإخفاء بيانات عمدًا عن كورونا، ما أدى إلى انتشار الفيروس عالميًا.
وأعلن ترامب أيضًا أن إدارته تدرس فرض إجراءات انتقامية ضد الصين، بمجرد أن يثبت مسؤوليتها عن تفشي الفيروس سواءً كان عمدًا أو بالخطأ.
كذلك لم يقتصر هذا الاتهام على الولايات المتحدة، فقد اتهمت إيطاليا أيضا الصين بالمسئولية عن تفشي الوباء، واعتبر رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، أن تحديد مدى مسؤولية الصين عن تفشي فيروس كورونا المستجد أمر لا مفر منه، ولكنه في نفس الوقت اعتبر كونتي أن التعامل مع الحالة الصينية ليس بالمواجهة، ولكن الأولوية الآن هي التعاون لمواجهة هذه الجائجة.
وكذلك فعلت استراليا على لسان وزيرة الخارجية الأسترالية ماريس بين التي قالت لهيئة الإذاعة الأسترالية (إيه.بي. سي) إن قلقها فيما يتعلق بشفافية الصين بلغ نقطة عالية جدا.. المشاكل المتعلقة بفيروس كورونا يجب أن تكون موضع مراجعة مستقلة، وأعتقد أن من المهم أن نفعل ذلك، وأضافت "أستراليا في الواقع ستصر تماما على ذلك".
وللعلم فقد كانت استراليا أول من دعا إلى معرفة حقيقة تورط الصين في نشر الفيروس حين صرح رئيس وزراءها سكوت موريسون: "نريد أن نعرف ما حدث لنتفادى تكرار ذلك في المستقبل" وما لبثت أن ضمت الدول الأوروبية صوتها إلى هذه الدعوة.
بعد كل هذه الاتهامات فهل الصين مسئولة بالفعل عن انتشار هذا الفيروس؟
هل حاولت الصين بالفعل وتعمدت إخفاء معلومات كارثية منعا لوصولها إلى العالم الخارجي؟
الصين في دائرة الاتهامات
قبل نهاية العام الماضي، بدأ تفشي فيروس كورونا في مدينة ووهان بالصين، وما لبث أن انتشر في مختلف أنحاء العالم وتسبب بفقدان عشرات ملايين الناس لأعمالهم، وبخسائر لا أحد يعرف حجمها وقد تتجاوز تريليونات الدولارات، ولا أحد يعلم متى يبدأ العالم بالعودة إلى نسق الحياة السابقة بسبب هذا الفيروس.
وبعد كل ما تسبب به هذا الفيروس من موت لمئات الآلاف من الناس ودمار اقتصادي للكوكب، لا يزال العالم لا يعرف كيف بدأت هذه الكارثة، التي مست حياة كل سكان الكرة الأرضية بشكل لا سابق له. ولا أحد يعلم العدد النهائي لضحايا هذا الفيروس.
هناك عدة فرضيات تثار حول تورط الصين في انتشار الفيروس سواء عمدا أو خطأ:
أحد هذه الفرضيات، أن مصدر الفيروس الحقيقي هو الخفافيش في سوق ووهان للحيوانات الحية، وتتفرع من هذه الفرضية احتمالان يجري طرحهما إعلاميا وبشدة، أولهما أنه تم استخدام الفيروس وهندسته جينيا في مختبر بي 4 الموجود في ووهان والخاص بالأبحاث الفيروسية، لغرض تصنيعه كسلاح بيولوجي بوجه خصومها، وثانيهما أنه تسرب عن طريق الخطأ.
ويعزز من فرضية تعمد الصين في نشر الوباء هو أجواء الصراع الصيني الأمريكي قبل انتشار هذا الوباء، والذي تعزز مع وصول دونالد ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية، الذي لم يتوقف عن انتقاد دور الصين السلبي في ضرب الاقتصاد الأمريكي، ولم يتورع عن فرض تعريفات جمركية باهظة على البضائع الصينية مما يشبه المعركة الاقتصادية بين البلدين، التي ربما تطورت فقامت الصين بإعلان حرب بيولوجية على الولايات المتحدة، انتقاماً من سياسية ترامب الوقائية لحماية الاقتصاد الأمريكي.
وقد ذكرت صحيفة الديلي ميل البريطانية في مقال بتاريخ 14 فبراير 2020، تحت عنوان الصين تستعين بالمختبرات العسكرية في مدينة ووهان، وتحدث المقال عن شين وي مديرة مركز الأبحاث الفيروسي، البالغة من العمر 54 عاما وتعمل برتبة جنرال في الجيش الصيني الذي اتهمها المقال، بأنها المشرفة على تصنيع الفيروس في هذا المركز.
وحسب المقال، فإن شين سافرت إلى ووهان بعد انتشار الفيروس بيومين، وتم التكتم على زيارتها وقد سبق لهذه الباحثة أن ذاع صيتها في اكتشاف علاج لانشتار فيروس سارس عام 2003.
ويعزز من هذه الفرضية، سرعة السلطات في الصين في التعامل مع آثاره، فقد تم احتواؤه بعد إغلاق مدينة ووهان بالكامل، كما جرى استخدام الطائرات المسيرة لمخاطبة المواطنين، والطلب منهم الالتزام بالتباعد الاجتماعي، والعودة إلى البيوت ومن ثم عودة الحياة الطبيعية وفتح المحال التجارية، وكأن شيئا لم يكن وبسرعة البرق.
ولكن فرضية انتشار الوباء من الصين عن طريق الخطأ وليس التعمد مطروحة بقوة إعلاميا أيضا، ففي مقال في صحيفة الديلي تلغراف البريطانية بعنوان "الصين لا يمكنها الهرب من مسؤوليتها عن انفلونزا ووهان"، يتحدث كاتب المقال عن مسئولية الحزب الشيوعي الحاكم في الصين الذي تسبب بدكتاتوريته بأنه لم يستمع للطبيب الصيني لي وين ليانغ، الذي اكتشف التهديد المخيف للفيروس، واتهمه بترويج الشائعات، وتجاهل الأمر حتى منتصف يناير الماضي، ويقول الكاتب أنه بحلول منتصف يناير كان الطبيب لي يشرف على الموت إثر إصابته بالفيروس، بينما أدى سفر وتنقل مئات الآلاف من الأشخاص من ووهان وإليها إلى تحول الفيروس إلى كارثة عالمية.
ويضيف الكاتب، أن الصين لم تتعاون مع منظمة الصحة العالمية بالدرجة الضرورية اللازمة، ومنعت العالم من الحصول على معلومات ضرورية للحد من تفشي الوباء.
ويقول الكاتب إنه حتى يومنا هذا لا يعرف العالم عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس في الصين وعدد المصابين بالفيروس، لكن الحزب الشيوعي ما زال يبث الدعاية عن قدرته على تحقيق المعجزات والتغلب على الفيروس.
ولكن هناك اتجاه جديد ظهر داخل الولايات المتحدة، ينفي مسئولية الصين عن انتشار الفيروس والغريب أن هذا الراي أدلى به مسئول حكومي أمريكي، فقد نقلت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأميركية عن جيف سميث الرئيس التنفيذي لحكومة مقاطعة سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، اعتقاده أن المرض انتشر "بصمت" في ديسمبر من العام الماضي، قبل شهر على الأقل من رصد الإصابة الأولى به، بل إن سميث ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أضاف: "هذا يعني أن الفيروس كان موجودا في مجتمعنا بالفعل، ليس كما تعتقد السلطات الأميركية أنه نشأ في الصين وانتشر من هناك"، وأشار سميث إلى منطقة الساحل في كاليفورنيا كأول مكان محتمل لظهور كورونا، علما أن هذه المنطقة لم تسجل إصابات بالفيروس حتى السابع والعشرين من فبراير الماضي.
ولكن كيف قابلت الصين تلك الاتهامات؟
كان التحدي والمواجهة هي السمت الطاغي على رد الفعل الصيني إزاء هذه الاتهامات، وعاقبت السلطات الصينية الأطباء الذين تحدثوا عن خطورة الفيروس، وفرضت رقابة شديد على كل ما ينشر حول المرض وحجم انتشاره، ولم تكتف السلطات بذلك بل طردت جميع الصحفيين الأمريكيين، الذين قدموا إلى الصين لتغطية أخبار انتشار الفيروس في شهر مارس الماضي، ولكن في نفس الوقت مدت يد التعاون عندما صرحت على لسان رئيس مجلس الدولة الصيني لي كه تشيانغ إن الصين منفتحة على التعاون الدولي في مجال البحث والتطوير بشأن اللقاحات والأدوية وكواشف الاختبار الخاصة بمرض فيروس كورونا الجديد، وإنها مستعدة لمشاركة النواتج مع العالم.
ولا يزال العالم متخبط في حيرة من هذا الوباء هل انتشر من الصين أم من غيرها؟ وعلى فرض صحة انشاره من الصين وهو الغالب، هل تعمدت الصين نشره في إطار صراعها مع أمريكا للتنافس على قمة النظام الدولي؟ أم تسرب عن طريق الخطأ؟
والأهم من كل ذلك، ما درجة خطورة هذا المرض عند مقارنته بغيره من الأوبئة المنتشرة في العالم، وهل بالفعل هو وباء أم دعاية إعلامية استثمرت فيها شركات ومؤسسات ودول مستفيدة منه، لحسابات سياسية أو اقتصادية أو غيرها؟