غرس العقيدة في نفوس الأبناء

منذ 2020-06-04

عمليه تعليم الأطفال لا تكون في الصغر فقط، إنما هي عملية مستمرة حتى الكبر، فهم بحاجة دائمة للإرشاد والتوجيه وإن اختلفت الوسائل والطرق، بل إنهم بحاجة أكبر للتوجيه العقدي بعد سن التكليف، حيث إنهم يواجهون الكثير من الشبهات والعقائد الفاسدة والمدسوسة.

غرس العقيدة في نفوس الأبناء

تعليم العقيدة سنام العلوم، وتنشئة الأطفال على الاعتقاد الصحيح حماية للأمة من الزيغ والضلال، ولهم من الفتن والانحرافات في المستقبل، والأهم أن الاهتمام بتعليم العقيدة للأطفال هو منهج الأنبياء -عليهم السلام- والمصلحين قال تعالى عن إبراهيم: {ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ}  [البقرة: 132]، وفي وصية لقمان لابنه قال تعالى: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وفي وصية نبينا –صلى الله عليه وسلم لابن عباس –رضي الله عنهما- قال: «يا غلام، إني أعلمك كلماتٍ: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعـوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفَّت الصحف» (رواه الترمذي).

لقد اهتم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأمر العقيدة للطفل من مرحلة الولادة، حيث ورد عن أبي رافع قال:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة) (رواه أبو داود والترمذي)، وأبدى ابن القيم -رحمه الله- الحكمة من ذلك، فقال: (سر التأذين -والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلماته –أي الأذان- المتضمنة لكبرياء الرب، وعظمته، والشهادة التي أول ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به، وإن لم يشعر).

نعلم جميعا أن الطفل لا يستوعب حقيقة العقيدة منذ الطفولة، إنما يفهم الأمور بشكل سطحي غير عميق، لكنه يخزن المعلومات في عقله ويستخدمها مع مرور الوقت وحسب حاجته، لذلك يجب على الوالدين والأسرة والمربين غرس البذرة الأولى للعقيدة الصحيحة في عقول الأطفال، ثم تدعيمها بوجوب حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وربط الموجودات حولهم في الكون بقدرة الله وعظمته، ويكون تعليمهم بطريقة عملية بحيث نجعلهم ينظرون إلى السماء والأرض، ثم نخبرهم بقدرة الله تعالى على خلقهما وتدبير أمرهما، ونعلمهم صفات الله تعالى وأسمائه، ابتداء بما يستطيع استيعابه وفهمه مثل الرزاق الذي يرزقنا طعامنا وشرابنا وكل حاجاتنا، ثم الرحمن الرحيم الذي يرحمنا ويشفق علينا ولا يرضى لنا الأذى والألم، والعليم الحكيم الذي يعلم سرنا وجهرنا ويثيبنا على الخير ويعاقبنا على الشر، والسميع البصير المطلع على أعمالنا ونوايانا، يحاسبنا ويؤجرنا على أعمالنا الطيبة من السمع والطاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن مساعدة الناس والسعي للخير والعمل على نشر الإسلام وغيره.

يبدأ الطفل بربط كل شيء حوله في الحياة بوجود الله تعالى وقدرته، ويستفسر عن كل شيء لا يفهم سر وجوده أو سبب وجوده، وهذا الجانب هو السبيل الأول لغرس العقيدة الصحيحة، فعقول الأطفال أرض نظيفة خاوية يمكنها القبول لكل شيء يطرح فيها، ونفوسهم شفافة بريئة طاهرة، لا يشوبها التذبذب والتنوع في الأفكار والآراء، وتكون فرصة جيدة للحوار لتثقيفهم عقديا وتعريفهم بالتوحيد الصحيح.

ونستمر كذلك حتى المرحلة التي يستوعب فيها الأطفال نتائج تصرفاتهم، أي من عمر الرابعة تقريبا، فيبدأ الوالدان بربط أمور الطفل وسلوكياته بالله، ويركزان على الجانب التطبيقي من سلوكياته وتصرفاته، ويوضحان له بأن كل أفعاله وسلوكياته مراقبة من قبل الله تعالى، وإنه سبحانه مطلع على كل شيء يفعله ويعلم الغيب، فهو يرى ويسمع كل شيء، وهذا العلم يعزز المفهوم العقدي لديه، وتتبلور المفاهيم العقدية في نفسه وعقله.

عمليه تعليم الأطفال لا تكون في الصغر فقط، إنما هي عملية مستمرة حتى الكبر، فهم بحاجة دائمة للإرشاد والتوجيه وإن اختلفت الوسائل والطرق، بل إنهم بحاجة أكبر للتوجيه العقدي بعد سن التكليف، حيث إنهم يواجهون الكثير من الشبهات والعقائد الفاسدة والمدسوسة، حينئذ يستخرجون مخزونهم العقدي منذ الصغر ويضاف لها المعلومات المكتسبة في الكبر لدعم عقيدتهم وثباتها والمحافظة عليها من شرور العقائد الدخيلة، فمسألة العقيدة بحاجة للاستحضار والتذكير الدائم والمستمر، وقد استنبط علماء التربية ذلك من قصة النبي يعقوب –عليه السلام- حيث ذكر أبناءه بما يعبدون من بعده، وهم ليسوا أطفالا، فقال تعالى على لسانه: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[البقرة:133].


إن خطوات التعليم تكون متسلسلة ومرتبة حتى يعيها الطفل ويتجاوب معها، فنبدأ في المرحلة الأولى بتعريفه بوجود الله وكيفية الارتباط به وحبه، ثم معرفة وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي مرحلة الثانية يتعلم أركان الإيمان الستة، ثم أركان الإسلام في المرحلة الثالثة، وهكذا يتسلسل التعليم وغرس الدين حسب مراحل عمر الطفل، مع تعزيز كل المراحل باستمرار وعدم الانقطاع والفصل بين المراحل، ويجب أن يكون المربي قدوة في أقواله وأفعاله حتى يقتدي به الطفل آمنا مطمئنا.

إن الاقتداء بمنهج النبي – صلى الله عليه وسلم – في تعليم الصحابة صغارا وكبارا، هو الخطوة الصحيحة للوصول لتحقيق المراد من تعليم أطفالنا العقيدة الصحيحة، ومنهج النبي –صلى الله عليه وسلم- هو منهج القرآن الكريم، فالقرآن فيه ترغيب وترهيب، وبناء على ذلك نرغب الأطفال في كسب رضا الله وفيما عنده سبحانه من ثواب وجزاء وعطاء ونبالغ في ذلك، ونرهبه من العقوبة ولكن بأسلوب بسيط وبحذر بحيث لا ينفر ولا يرتعب، فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يعلم الصحابة الأشياء التي تدخلهم الجنة وتبعدهم عن النار، فالناس في إقبالهم على الله سبحانه بين محبة وخوف ورجاء.

إن الوالدين مسؤولان عن غرس العقيدة الصحيحة في أطفالهما، وهما سبب استقامة الطفل أو انحرافه، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم-: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» (رواه البخاري)، وهذا الحديث يدل على أن الفطرة سوية، وأن الوالدين هما من يجعلان هذه الفطرة تستقيم أو تنحرف، ومما يساعد الوالدين على الاستقامة البيئة الإسلامية التي توجد فيها الأسرة وتتربى فيها الأطفال.

ويجب اختيار الوسائل التعليمية المبسطة للمفاهيم الدينية الأساسية للأطفال، واستخدام الوسيلة الحسية مثل الصور والبرامج الإلكترونية والإنترنت، وكل ما يشد انتباه الطفل ويثير فضوله ويرغبه في معرفة المزيد مما هو معروض عليه، وإن من أنجح وسائل تعزيز العقيدة عند الأطفال استخدام الأسلوب القصصي، والمحاكاة، والتقليد، إذ أن القصص تلعب دورا كبيرا في تكوين الفكر عند الطفل.

أيضا من سبل تعليم الأطفال إجابة أسئلتهم، فيجب إجابتهم ببساطة وبطريقة سهلة يفهمونها، وهم يتقبلون الإجابات البسيطة المناسبة لعقولهم، ومن هنا يجب على الوالدين تهيئة النفس والاستعداد لتلقي كل أنواع الأسئلة التي قد لا ترد على الخاطر، فكثير من الأطفال يسألون: أين الله؟ وللأسف الشديد ومن باب الجهل أو عدم القدرة على صياغة الإجابة يلجأ الوالدان إلى إجابة غير صحيحة، تؤدي إلى خلل في العقيدة، فتكون إجابتهم: الله في كل مكان، ويقصدان من هذا الرد تسهيل وتبسيط الإجابة، والحقيقة أنها كارثة عقدية، فنحن نؤمن يقينا أن الله سبحانه في السماء، والدليل على ذلك حادثة الجارية التي سألها النبي –صلى الله عليه وسلم-: أين الله؟ فرفعت أصبعها إلى السماء وقالت: في السماء، فأقر عليه الصلاة والسلام بإسلامها، لذلك يجب أن ننتبه إلى أجوبتنا وردودنا لأنها بذرة العقيدة في نفوس أطفالنا.


يستجيب الأطفال لكل ما يتعلمونه عن الله سبحانه وأسمائه وصفاته كمعلومات ظاهرة، لا يعون حقيقتها القوية الثابتة، ثم ينتقلون مع الوقت إلى مرحلة الممارسة والتطبيق في عمر معين، بحيث يبدأ الطفل يخاف من بعض التصرفات والسلوكيات التي تصدر منه كالكذب وأخذ أشياء الآخرين وغيره، ثم ينتقل لمرحلة المراهقة التي يبدأ فيها بالتقرب من الله بمعرفة واضحة، ثم يعيش مع وجود الله والإيمان به بكل حواسه في مرحلة المراقبة لذاته، والسعي لنيل رضا الله ومغفرته والفوز بجنته.

وإهمال الوالدين تعليم أمر العقيدة والدين لأطفالهم تقصير في حقهم، لأن العقيدة تغرس منذ الصغر، فإن كبر الأبناء بنفوس لا تحمل عقيدة راسخة ثابتة فإنهم لن يستطيعوا مواجهة الأفكار الدخيلة الضالة المعادية لدينهم، قال العلامة ابن القيم –رحمه الله-: (فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً).

الشبكة الإسلامية

موقع الشبكة الإسلامية

  • 5
  • 0
  • 7,903

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً