مخالفة الرماة لأمر الرسول حولت النصر إلى هزيمة
أبو الهيثم محمد درويش
سنن الله على من خالف أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لو كانوا الصحابة وحتى لو كانوا في موقع جهاد, فالمخالفة عقابها الهزيمة ووقوع الضرر
- التصنيفات: السيرة النبوية -
مخالفة الرماة لأمر الرسول حولت النصر إلى هزيمة :
من أعظم الدروس التاريخية التي تتألق فيها سنن الله على من خالف أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم حتى لو كانوا الصحابة وحتى لو كانوا في موقع جهاد, فالمخالفة عقابها الهزيمة ووقوع الضرر, ويؤكد هذا قول الله تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . [النور 24] , قال ابن كثير في معناها: { فليحذر الذين يخالفون عن أمره} أي أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو سبيله ومنهجه وطريقته وشريعته، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطناً وظاهراً { أن تصيبهم فتنة} أي في قلوبهم من كفر أو نفاق أو بدعة { أو يصيبهم عذاب أليم} أي في الدينا بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك؛ كما روى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: ( «مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب اللائي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها، قال: فذلك مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني وتتقحمون فيها» ) ""أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الرزاق"".
قال المباركفوري في الرحيق المختوم:
غلطة الرماة الفظيعة
وبينما كان الجيش الإسلامي الصغير يسجل مرة أخري نصراً ساحقاً على أهل مكة لم يكن أقل روعة من النصر الذي اكتسبه يوم بدر، وقعت من أغلبية فصيلة الرماة غلطة فظيعة قلبت الوضع تماماً، وأدت إلى إلحاق الخسائر الفادحة بالمسلمين، وكادت تكون سبباً في مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تركت أسوأ أثر على سمعتهم، وعلى الهيبة التي كانوا يتمتعون بها بعد بدر.
لقد أسلفنا نصوص الأوامر الشديدة التي أصدرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هؤلاء الرماة، بلزومهم موقفهم من الجبل في كل حال من النصر أو الهزيمة، ولكن على رغم هذه الأوامر المشددة لما رأي هؤلاء الرماة أن المسلمين ينتهبون غنائم العدو غلبت عليهم أثارة من حب الدنيا، فقال بعضهم لبعض: الغنيمة، الغنيمة، ظهر أصحابكم، فما تنتظرون ؟
أما قائدهم عبد الله بن جبير، فقد ذكرهم أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ولكن الأغلبية الساحقة لم تلق لهذا التذكير بالاً، وقالت: والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة . ثـم غـادر أربعون رجلاً أو أكثر هؤلاء الرماة مواقعهم من الجبل، والتحقوا بسَوَاد الجيش ليشاركـوه فـي جمع الغنائم. وهكذا خلت ظهور المسلمين، ولم يبق فيها إلا ابن جبير وتسعة أو أقل من أصحابه والتزموا مواقفهم مصممين على البقاء حتى يؤذن لهم أو يبادوا.
خالد بن الوليد يقوم بخطة تطويق الجيش الإسلامي
وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة الذهبية، فكرَّ بسرعة خاطفة إلى جبل الرماة ليدور من خلفه إلى مؤخرة الجيش الإسلامي، فلم يلبث أن أباد عبد الله بن جبير وأصحابه إلا البعض الذين لحقوا بالمسلمين، ثم انقض على المسلمين من خلفهم، وصاح فرسانه صيحة عرف بها المشركون المنهزمون بالتطور الجديد فانقلبوا على المسلمين، وأسرعت امرأة منهم ـ وهي عمرة بنت علقمة الحارثية ـ فرفعت لواء المشركين المطروح على التراب، فالتف حوله المشركون ولاثوا به، وتنادي بعضهم بعضاً، حتى اجتمعوا على المسلمين، وثبتوا للقتال، وأحيط المسلمون من الأمام والخلف، ووقعوا بين شِقَّي الرحي.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن